صوّان: موسكو حريصة على التعاطي مع القضايا من بوابة الشرعية الدولية

حاوره سعد الله خليل

أكّد الكاتب والصحافي السوري أحمد صوّان أنّ ما شهدته سورية خلال السنوات الخمس الماضية يعدّ حرباً إرهابية متوحّشة بامتياز، حاولت بسيناريواتها ومراحلها وأهدافها القضاء على كلّ شيء، ليس فقط تدمير الدولة السورية، إنما تفتيت جغرافيتها لإخراجها من دورها القومي والعربي المشرّف في الساحة العربية، إلى دور مهمّش كرتونيّ.

وقال صوّان خلال لقاء مشترك أجرته معه «البناء» وشبكة «توب نيوز»: هي حرب إرهابية حاولت عبر هذه السنوات أن تنال من القرار السيادي في سورية وانتهاكه واختراقه بشكل كامل. لكن من الواضح أنّ هذه الأزمة لن تطول بسبب الصمود الأسطوري وانتصارات الجيش العربي السوري والتفاف الشعب السوري حول الجيش والدولة في مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، وبسبب ما تمثّله سورية بموقعها الجيوسياسي في المنطقة، وما أُغدق من أموال وملايين لإشاعة الفقر والجهل والخراب في هذا البلد.

كسب واشنطن لصفّ موسكو

وأشار صوّان إلى أنه رغم كلّ سنوات هذه الحرب، ما زالت أهدافنا مكافحة الإرهاب والقضاء عليه لرسم خريطة سورية المستقبل بالإرادة الشعبية والخيار الشعبي.

وأوضح أن الأصدقاء الروس لم يدخلوا إلى سورية إلّا من أجل الحفاظ على القرار السيادي فيها. وكان هذا التعاون مع الجيش السوري لتأمين الغطاء الجوّي له للتقدم على الأرض.

وحول قرار موسكو سحب جزء من القوات الروسية من سورية قال صوّان: الروس قالوا إنهم دخلوا سورية بالشرعية وبقرار سياسي سوري وطني، وقد كانوا حريصين تماماً على تحديد فترة زمنية محدّدة للتدخل، مُدّدت حتى ستة أشهر. والإنجازات التي حققها الجيش السوري مع الطيران الروسي كانت محسوبة بدقّة. كما كان سحب القوات الروسية بقرار سوري سيادي أيضاً.

وأضاف صوّان: باستهداف روسيا مقرّات المجموعات الإرهابية وتحركاتها، بدت حريصة على كسب الولايات المتحدة كشريك في الحرب على الإرهاب والدخول في مسار سياسي. و روسيا قادرة على إنجاز هذه المهمة رغم ما مرّت به من مطبات في تلك المرحلة من كيل بمكيالين والنفاق السياسي الأميركي. ولكن معالم الإنضاج السياسي بدأت تظهر أكثر بالتزامن مع محادثات جنيف.

وشدّد صوّان على أنّ الخطوة الروسية تعدّ توقيتاً مهماً جداً تجاه محادثات جنيف، لأننا بدأنا نلمس أنّ «جنيف 2» في جولته الثانية سيكون مختلفاً عن «جنيف 3» في جولته الأولى، وهذا ما أوضح أنّ فشل عقد الجولة كان بالأساس بسبب التدخلات والإملاءات والأجندات التي حملتها وفود «معارِضة» عدّة، تلك التي عُلّبت وصُنّعت في السعودية وتركيا.

ولفت صوان إلى أن هناك موقفاً واضحاً للولايات المتحدة الأميركية منذ الجولة الأولى لمباحثات «جنيف 2» عندما وضع وفد الرياض شروطاً للحضور إلى جنيف، لكن زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى السعودية فرضت على المملكة ووفدها الحضور، ولكنهم أفشلوا عقد الجلسة. أما الآن، فقد ثبُت أنّ هناك إمكانية لاختراق هذا الفشل أكثر بحماية عقد المباحثات بشكل يضمن على الأقل إجراء حوار سوري ـ سوري برعاية الأمم المتحدة.

نتائج باهرة

وأشار صوّان إلى ما قالته روسيا وما حققته بالتعاون مع الجيش العربي السوري حيث تمكّنت من استهداف 2000 عنصر من الإرهابيين، وأتاحت الفرصة للجيش العربي السوري للسيطرة على 10.000 كيلومتر مربّع، أي ما يعادل مساحة لبنان تقريباً. وأضاف: هذا الوجود الروسي كان له طريق آخر مترتب عليه من خلال التزام عدد من التنظيمات الإرهابية العسكرية بوثيقة «ميونخ»، بالتوازي مع إقرار المصالحات الوطنية. وهذا ما جعل الروس يعتقدون ـ حتى على الصعيد العسكري ـ أنهم أنجزوا المهمات التي اضطّلعوا بها، وهم في الوقت نفسه ما زالوا موجودين في سورية حتى القضاء على الإرهاب والتنظيمات التي لم تلتزم بالقرار «2268». منوّهاً أن عملية الفرز بين الإرهاب و«المعارضة» باتت أكثر وضوحاً، وهذا ما يجعل المضيّ بالحلّ السياسي والقرار الوطني أكثر تقدّماً.

حماية القانون الدولي

وشدّد الكاتب الصحافي على أن روسيا تنطلق من نقطة واضحة بعلاقاتها مع الدول، سواء كانت صديقة أم دول في حالة خصومة، وهم حريصون على الدخول من باب الشرعية الدولية ولذلك دخلوا بقرار سوري واستجابوا لهذا القرار، من باب ميثاق الامم المتحدة لحماية دولة عضو في الامم المتحدة، وقالوا إنهم دخلوا إلى سورية لحماية مصالح روسية أيضاً، فهم أصحاب عبارة «أمن روسيا من أمن سورية»، والرئيس بوتين يستشهد دائماً بكلام كاترين الثانية أنّ «مفتاح البيت الروسي موجود في سورية»، وهذا كلام مهمّ جداً. مؤكداً أن روسيا استطاعت ترسيخ القرارات الدولية ليس كمثل الولايات المتحدة التي تستعملها لمصالحها الخاصة. فروسيا خرقت هذه الاعتبارات الأميركية عبر الفيتو بالتشارك مع الصين. وهكذا لم يعد مجلس الأمن علامة مسجّلة أميركياً.

صوّان أوضح أن روسيا أوقفت الولايات المتحدة ولم تسمح بتدخل في سورية من خارج مجلس الأمن كما حصل في العراق وليبيا، وحالت دون بقاء القرارات الدولية حبراً على ورق، خصوصاً في ما يخص سورية كالقرار «2253» الذي اتخذ على مستوى وزراء مالية الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بتوقف تدفق الإرهابيين وتجميد أموال الدعم للإرهاب. وعندما حاولت الولايات المتحدة تهميش هذا القرار قامت روسيا بإغلاق الحدود بالنار، خصوصاً على الجانب التركي بما يتعلق بهذه الحالة.

وتابع صوّان: أعتقد أن الروس يستندون إلى الشرعية الدولية ونظام عالميّ متوازن يجب أن يقوم على عدم تهميش الدول والتلاعب بجغرافيتها وبقراراتها السيادية. وبيّن صوّان أنّ القرار الروسي يُعدّ سابقة، وهو دفعٌ للأمور في سورية إلى الفضاء السياسي مع الحفاظ على مكافحة الإرهاب كأولوية، وهذا كان واضحاً من أصداء هذا القرار على المستويين الإيراني والأميركي، وحتى على مستوى أطراف «المعارضة المعتدلة» كما تسمّيها أميركا، والتي تتّهم روسيا بقصف المدنيين. فروسيا تعتقد أنها تكرّس الحلّ السياسيّ عبر الميدان العسكريّ ووقف المعارك ووقف العنف وإراقة الدماء، رغم أنّ الولايات المتحدة ـ حتى بعد صدور القرار الروسي ـ لا تزال تريد استمرار هذا الصراع لأنها لم تستطع امتلاك ولا ورقة استراتيجية على الأرض السورية من أجل المقايضة والمبازرة فيها. وهذا سبب السكوت على مواقف كثيرة من حلفائها التي تتعارض مع مواقفها المعلنة، خصوصاً تركيا والسعودية.

ويرى صوّان أنّ الكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة لجهة الجدّية من عدمها في الحلّ السياسيّ وسبل بقاء الدور الروسي فعّالاً وديناميكياً كما كان على امتداد الأشهر الستة الماضية في العمل العسكري والسياسي الداخلي من خلال ما حقّقوه من مصالحات والاستجابة من قبل 44 فصيلاً مسلحاً وافقت على وقف العمليات العسكرية.

النزول عن الشجرة

ويرى صوّان أن الأدوات الأميركية كانت وما زالت تحتاج إلى مخارج تنزلها عن الشجرة. فتركيا التي صعّدت في موضوع المناطق الآمنة بمساحات كبيرة بدأت تتحدّث عن مساحات ضئيلة بعد اشتداد المعارك مع إرهابييها، وادّعاء أن هذه المساحات من أجل اللاجئين السوريين. وهذا في حدّ ذاته تراجع تحتاج إليه تركيا وتبحث من خلاله عن مخرج من عنق الزجاجة. إضافة إلى الارتدادات الإرهابية التي بدأت تضرب أنقرة واسطنبول، وإيجاد حالات من العداء والخصومة ما بين النظام التركي وقطاعات كبيرة من الشعب التركي كالاعتقالات الكبيرة في مختلف القطاعات التركية. فهناك 2000 دعوى قضائية رفعها أردوغان على صحافيين.

وأضاف صوّان: الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو إلى ايران كانت لفتح صفحات تنقذ الأتراك من المآزق. وهذا ما ينسحب أيضاً على السعوديين، ونستشفه من خلال تصريحات وزير الخارجية عادل الجبير الذي بدأ يقول إنهم أصبحوا يستسهلون الأمور في سورية واليمن. وهذا يدلّ على أن الروس قرأوا هذه الإشارات للدخول في اشتباك سياسي بين السوريين أنفسهم وتفكيك الاشتباكات الدولية والإقليمية في ما يتعلق بالوضع السوري.

وأضاف صوّان أنّ كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن انفراج الأزمة، لهو معلومة لا تحليلاً كما عبّر الوزير في لقائه الصحافي منذ أيام. معتقداً أننا بدأنا ندخل هذه المرحلة من الانفراج التي باتت واضحة من خلال مباحثات جنيف الثالثة بجولتها الثانية وما سيتبعها، ومن القرار «2254» الذي حدّد ستة أشهر لإنهاء هذا الحوار والوصول إلى ثلاث نقاط هامة كما طرحها المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان ديمستورا سابقاً، وهي الحكم والدستور والانتخابات. وهذا ما أبداه وفد الجمهورية العربية السورية في لقاءاته، من الطلب إلى ديمستورا إيضاح الشكل الدالّ على المضمون، ومن سنفاوض، وقد قدّم ديمستورا لائحة أسماء تضمّ: هيثم منّاع وماجد حبو ممثلاً للأكراد، والنقطة الثانية هي الترحيب الذي جرى من أطراف من «المعارضة» والتي عقد بعض منها مؤتمراً في أنقرة للاتفاق على وفد محدّد للبدء في اشتباك سياسي يخرج بحلول سياسية.

ورأى صوّان أنّ السعودية اقتنعت أنّ الحالة اليمنية ستضع العائلة المالكة في مصيدة، وأنّ المشاكل التي تتفشّى في أوصال هذا النظام باتت خارج القدرة. وهذا ما دفعها إلى الهروب بتوصيف حزب الله كمنظمة إرهابية. إنه تأجيج للصراعات الطائفية والفتنة التي تعتاش عليها السعودية، وكلام الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخير، تأكيد على أنّ النظام السعودي لا يستطيع الاستمرار إلا بعلاقات طيّبة مع إيران. مشيراً إلى أنّ الإيرانيين أذكياء في هذا المجال، إلا أنّ السعوديين الذين يشكّلون النبع للمشاكل في هذه المنطقة، يحملون هدفاً بات واضحاً بتحالفهم مع الكيان الصهيوني، ويندرج ضمن هدف صهيوني يتعلق بإلغاء الصراع العربي ـ الصهيوني، واستبداله بصراعات طائفية وعرقية أشارت إليها «إسرائيل» عبر تصريح تسيبي ليفني، وترحيبها بالقرار السعودي توصيف حزب الله منظمة إرهابية وتحوّل نوع الصراع في المنطقة.

الانتخابات التشريعية

يؤكّد صوّان أنّ الانتخابات استحقاق دستوري لا بدّ من ممارسته تحاشياً للفراغ، وهو لا يرتبط بمسار جنيف. فهو تعزيز للقرار السيادي بالمحافظة على الدستور سواء اعترفت أميركا أم لم تعترف. فالسوريون مارسوا خلال هذه الحرب ثلاثة استحقاقات هي: انتخابات بلدية وتشريعية ورئاسية، والدستور الحالي قابل عبر التفاهم السياسي للتعديل والتبديل وبرأي الشعب السوري. فهذا الاستحقاق يعدّ تحدّياً وطنياً يدلّ على وقوف الدولة وثباتها وعلاقاتها الطبيعية بين مؤسساتها وشعبها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى