أعلن التمرد والعصيان!
نصار إبراهيم
كبركان تراكمت في أعماقه الحمم كما يتراكم الانتظار… الصبر….. الألم… الضغوط. .. التوقعات… الأحلام… المقاومات وشبه المقاومات…الإحباطات وشبه الإحباطات… الإخفاقات… القيود… الشروط … الممنوعات والمحظورات…
وفي لحظة ينفجر… فيقذف الحمم والرماد والدخان… يقف وينظر في وجه الصباح ويتساءل: لماذا يا صديقي… ما هو السبب؟
لماذا ماذا؟ ألا يكفي كلّ هذا للانفجار؟
وماذا ستفعل؟
أعلن التمرد والعصيان!
ضدّ ماذا؟
إليك القائمة… أو جزء منها…
أعلن التمرد على قائمة الممنوعات… والزمن والخوف…
أعلن التمرد على قائمة الطعام الصحي الذي نكتشف بعد مدة أنه لم يكن أصلاً صحياً… وأعلن التمرد أيضاً على معايير الأدب الذي يخلو من الأدب كالحليب الخالي من الدسم…
أعلن التمرد على الحبّ الذي يسكن اللغة كبديل باهت عن حبّ الأصل المجسّد، فأصبح لا يستثير عصفوراً جاهلاً…
أعلن التمرد على حذائي الضيق والواسع… أريد أن أمشي حافياً لألمس العشب بقدمي…
أعلن التمرد على قوانين الجاذبية… الفيزيائية والنفسية… أريد أن أسقط للأعلى، ولو من باب التجربة.
أعلن التمرد على الجبال التي لا تعترف بالوديان، وبالوديان التي لا تعترف بالجبال… كأي دولتين عربيتين شقيقتين.
أعلن التمرد على الصحراء التي لا تزهر خيلاً وشجاعة… فقط عواصف «حزم وعزم ورعد» متخصِّصة في ابتلاع أطفال العرب في رمالها المتحركة.
أعلن التمرد على «الثورات العربية» التي تستنجد بـ»إسرائيل» وأميركا و»ناتو» وأردوغان وعربان الخليج، لتحقيق «الحرية والعدالة والاستقلال والكرامة الوطنية وحقوق الإنسان».
أعلن التمرد على»الثورة السورية» التي يرفع لصوصها علم الانتداب الفرنسي بدلاً من علم الجلاء والوحدة، وتهرِّب مصانع حلب ونفط الشعب السوري وآثاره الحضارية إلى لصّ الأناضول أردوغان…
أعلن التمرد على الجامعة العربية سواء كان رئيسها عربياً أم تركياً أم أميركياً… أم غيطاً، لأنها جامعة لكلّ شيء كأي حفرة امتصاصية ما عدا العرب…
أعلن التمرد على حركتي «حماس» و»فتح» وما بينهما… وعلى سلطتي غزة والضفة اللتين تجلس كلّ منهما على بيضة «الوحدة الوطنية» بكلّ راحتها ومع ذلك لا تفقس سوى الانقسام.
أعلن التمرُّد على الغابات التي تسرق ضوء الشمس ثم تلعنها… كأي ثورة فاشلة…
أعلن التمرد على أي دين يعلم ابنتي كيف تكره زميلتها من دين آخر… وأنّ الحب حرام شرعاً…
أعلن التمرد على السلطة والحزب الحاكم وغير الحاكم والحاكم والمؤسسة الذين يعتقدون أنهم يعرفون مصلحتي أكثر مني، فيجبروني على السكوت باعتباري دائماً أخرّف بما لا أعرف.
أعلن التمرد على ساعة النوم وساعة الاستيقاظ … ساعة العمل وساعة تناول الطعام … لأني لم أعد أعرف هل هي وفق التوقيت الصيفي أم الشتوي أم الخريفي… أريد أن أعود إلى ساعة الطبيعة…
أعلن التمرد على تفاهات المحطات الفضائية… السياسية والثقافية والفنية… وبوس الواوا… وأنا قطة… وكلّ أغنية مسرحها غرف النوم.
أعلن التمرد على مسلسلات رمضان التي تبدأ دائماً مع إفطار أول يوم وتنتهي بإفطار آخر يوم هكذا بقدرة قادر…
أعلن التمرد على البوليس العلني بنظارات شمسية والسري بنظارات طبية المشغولين دائماً بمراقبتي كي لا أغادر القطيع…
أعلن التمرد على طريقة الجلوس والوقوف والسير، لأني لم أعد أعرف هل أنا من ذوي القدمين أم الأربع أم من الزواحف… وهل أنا برّي أم مائي أم برمائي… أم طائر أحمق.
أعلن التمرد على مناهج التعليم المدرسي والجامعي… التي تصرّ حتى اليوم على أنّ الخطين المستقيمين لا يلتقيان، وأنه لا يمكن أن يمرّ من نقطتين سوى خطان متوازيان فقط، مع أنه يمكن أن يمر منهما عدد لا نهائي من الخطوط، وأنّ أقرب مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم، مع أنّ أقرب مسافة للوصول إلى القمر تحتاج لأن أدور حوله سبع لفات.
أعلن التمرد على الصمت الجبان والكلام التافه… على الابتسامة البلهاء… والاعتذارات الكاذبة…
أعلن التمرد على المثقف زينغو والإعلامي رينغو، اللذين يخربان أكثر مما يعمران… ومع ذلك يهتفان بعد كلّ كارثة: يحيا الذكاء.
أعلن التمرد على الوقوف مستقيماً في الصفّ الأعوج… وعلى الوقوف أعوجاً في الصف المستقيم…
أعلن التمرد على منظمة الأخلاق الدولية التي لا تجيد إلا غضّ النظر عن الإسفاف والسفالات والرشاوى…
أعلن التمرد على الأسعار المرتفعة التي تبيع اسم السلعة وليس السلعة… وعلى الأسعار المنخفضة التي دائماً تثبت لي أنّ أرخص شيء هو أفضل شيء وأنه نعمة…
أعلن التمرد على بورصة نيويورك وفرانكفورت ولندن وطوكيو، وأيضاً على بورصة تشاد والصومال.
أعلن التمرد على حركات التحرّر الوطني التي ما أن تتحرّر وتستلم الحكم حتى تستدعي حركة تحرّر وطني جديدة.
أعلن التمرد على مفهوم الخطأ والصواب حين يتبادلان المواقع…
أعلن التمرد على اسمي الذي لم أختره… وعلى ديانتي التي لم تُتح لي فرصة نقاشها…
أعلن التمرد على أعراف القبيلة التي ليس لي فيها دور… وعلى دائرة الأرصاد الجوية التي تهيئني للمطر فألبس أثقل ما لدي ثم لا يأتي… أو تبشرني بنهار ربيعي فأتخفف فتفاجئني بعاصفة تقتلع ما تبقى على رأسي من شعر هزيل…
أعلن التمرد على العواطف الكاذبة والحب المُعلّب…
أعلن التمرد على الأقفاص وأحواض السمك التي تحاول إقناعي بأنّ أجمل العصافير وأجمل الأسماك تلك المحشورة في قفص أو حوض زجاجي…
أعلن التمرد على المعتقلات الإصلاحية التي تعجّ بمرتكبي جرائم الشرف لتقدم لهم الحماية والوجبات الساخنة…
أعلن التمرد على نظام العمل الذي يسرق جسدي وزمني، ويترك أطفالي جائعين معظم أيام العام.
أعلن التمرد على الجمعيات الخيرية التي تتعامل معي ككلب ضال…
أعلن التمرد على خط السير المحدّد لي سلفاً كي لا أكتشف طرقاً جديدة…
أعلن التمرد على الأمم المتحدة ومجلس الأمن… وبشكل خاص مجلس حقوق الإنسان الذي تقوده أكثر الأنظمة رجعية وتخلفاً واستعلاء.
أعلن التمرد على منظومة الأخلاق التي لم تُنصف مُغتصَبة ولم تطعم امرأة كي لا تتحول إلى عاهرة…
أعلن التمرد على منظومات الطاعة من الملابس حتى الأفكار والفضاء والعلاقات والعمل والسلوك والجدران…
وفي النهاية، أعلن التمرد على نفسي… وعلى ظلي الذي يراقبني ما دامت هناك شمس فوق رأسي أو خلفي أو أمامي… عن يميني أو شمالي…
أعلن التمرد… والعصيان!
عاش الفراغ الدستوري … بانتظار ولادة دستور جديد… نصاً وروحاً وعملاً!