هذا ما ستسحبه روسيا وهذا ما سيبقى
بشرى الفروي
بعد مرور خمسة أشهر على الحضور العسكري الروسي منذ الثلاثين من شهر أيلول 2015، في إطار مكافحة الإرهاب داخل سورية الذي تمثل بغارات جوية استهدفت مراكز التنظيمات الإرهابية، مكّنت الجيش العربي السوري والقوات الرديفة له من تحقيق إنجازات مهمة وسريعة على الأرض، وبدأ هجوم معاكس على مساحات واسعة في أرياف حلب وحمص واللاذقية وحماة.
هذه الإنجازات أدّت إلى حدوث تخبّط وإضعاف في بنية التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها «داعش» و«النصرة» وإعادة السيطرة على معظم المناطق الاستراتيجية وفك الحصار عنها، خصوصاً مطار «كويرس العسكري» الذي كان محاصراً منذ ثلاث سنوات، وتحرير نحو 400 قرية ومدينة سورية كمدينتي «نبل» و«الزهراء» واستعادة السيطرة على أكثر من 10 آلاف كيلومتر مربع من أراضي البلاد من يد التنظيمات الإرهابية».
وقتل أكثر من 2000 مسلح في سورية، بينهم 17 قائداً للمجموعات الإرهابية من بينهم زعيم تنظيم «جيش الإسلام» الإرهابي زهران علوش، كما أن سلاح الجو الروسي نفّذ في إطار عمليته في سورية أكثر من 9 آلاف طلعة لوقف وتدمير الإمدادات الأساسية لتمويل الإرهابيين ونقل الأسلحة إليهم باستهداف مواقعها والبنية التحتية، بالإضافة إلى تدمير المقار ومخازن الأسلحة فقد دمّر الطيران الحربي الروسي في سورية نحو 209 منشآت خاصة بإنتاج النفط، فضلاً عن أكثر من 2000 شاحنة لنقل المنتجات النفطية.
النتائج الواضحة لتدخل القوة الروسية والشعور بالثقة الكبيرة بقدرة الجيش السوري على السيطرة والإمساك على الأرض وعودة الأمن والأمان لمناطق عديدة في سورية، وارتفاع وتيرة ورقعة المصالحات في البلاد، بالإضافة لبدء عملية المفاوضات في جنيف أثمر اتفاق الجانبين السوري والروسي خلال اتصال هاتفي بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تخفيض عديد القوات الجوية الروسية في سورية، بما يتوافق مع المرحلة الميدانية الحالية. وهذا ما عبّر عنه الرئيس بوتين خلال اجتماعه مع وزيري الدفاع والخارجية الروسيين بقوله «إنه تم تنفيذ أغلب مهمات وزارة الدفاع والقوات المسلحة، لذلك أمر وزير الدفاع ببدء سحب الجزء الأساسي من مجموعتنا الحربية من الجمهورية العربية السورية»، منوّهاً بأن «الجانب الروسي سيحافظ من أجل مراقبة نظام وقف الأعمال القتالية على مركز تأمين تحليق الطيران في الأراضي السورية».
وهذا أيضاً ما عبر عنه بيان رئاسة الجمهورية العربية السورية أن سورية وروسيا مازالتا كما كانتا دائماً ملتزمتين بشكل مشترك بمكافحة الإرهاب، أينما كان في سورية، وإن تخفيف القوات الروسية خطوة تمّت دراستها بعناية ودقة منذ فترة، على خلفية التطورات الميدانية الأخيرة، وآخرها وقف العمليات القتالية.
وقد تمّ القرار على سحب الجزء الأساسي من مجموعة الطيران الحربي الروسي من سورية، فضلاً عن نصف المقاتلات الموجودة في مطار حميميم، مع الإبقاء على مركز مكلف بضمان تحليقات الطيران في سورية، وذلك بهدف مراقبة تنفيذ شروط وقف الأعمال القتالية، وعشرات المروحيات، ودبابات «تي – 90 إس»، وأربع طائرات حربية حديثة متعددة المهام من طراز «سو – 35»، وعدد من المقاتلات من طراز «سو – 30 إس إم»، ومعها مجموعة من الطائرات دون طيار، بما يضمن توفير الإمكانيات الضرورية لمواصلة العمل في مجال مراقبة وقف إطلاق النار، وهي المهمة الرئيسة التي ستقوم بها القاعدة الجوية الروسية في مطار حميميم، ومن الأسلحة والمعدّات التي ستبقى أيضاً منظومات الدفاع الجوي بما في ذلك منظومة «إس 400» وذلك لمراقبة الأجواء السورية بشكل جيد لقطع الطريق على أي مغامرة عسكرية إقليمية أو دولية في سورية، حيث أكد الناطق باسم الرئيس الروسي ديميترى بيسكوف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر بحماية القوات الروسية المتبقية في سورية برًا وبحرًا وجوًا، فبعد إقدام تركيا في الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني على إسقاط طائرة عسكرية روسية قامت روسيا بنشر منظومة «إس-400» في قاعدة حميميم بريف اللاذقية غرب سورية.
يبدو أن روسيا قامت بإجراء هذه الخطوة لإظهار أمرين: الأول أن روسيا حققت أهدافها الاستراتيجية العسكرية والثاني لدفع العملية السياسية وتكثيف الجهود الدبلوماسية لخلق شروط ميدانية مناسبة لتحفيز الأطراف على المضي في الحل السياسي بغية التوصل لاتفاق سلام في سورية، خاصة أن قرار تخفيف القوات الروسية في سورية تزامن مع انعقاد مؤتمر جنيف فهي تريد توفير اكبر قدر من المصلحة لسورية تحت سقف التسوية السلمية وسحب الذرائع الذي يضمن إنهاء الأزمة، حيث أعرب بوتين بأن «بدء سحب القوات الروسية من سورية سيشكل دافعاً إيجابياً لعملية التفاوض بين القوى السياسية في جنيف». فإن هذا القرار سيشكل بوابة تسهل الحلول السياسية مع تأكيد القيادة الروسية على استمرار دعم روسيا الاتحادية لسوريا في مكافحة الإرهاب ودعم الجيش العربي السوري لتحرير باقي الأراضي السورية من سيطرة الجماعات الإرهابية.