«ن» النصارى ستنتصر على «د» الدواعش في العراق
علي البقاعي
كانوا في العراق مذ بدأ التاريخ وقبل أن يعرف العالم الحضارة. كانوا في العراق قبل أن يكونوا مسيحيين «نصارى». في العراق عاش أجدادهم على مختلف تنوعاتهم وانتماءاتهم العرقية والدينية ولغاتهم ولهجاتهم، من عرب وكلدان وآشور وأرمن وسريان وأكراد وتركمان ومندائيين وصابئة. وفي العراق تاريخهم وتراثهم وبيوتهم وأراضيهم. في العراق ولدوا، وإليه انتموا وعن ترابه ذادوا على مرّ التاريخ.
عاشوا في الأرض التي منها أتى حمورابي ونشر شريعته التي نوّرت البشرية، ومنها كان سرجون وآشور بنيبال ونبوخذنصر. من بغداد، وقبلها دمشق، انطلق الإسلام إلى العالم بمفهومه الحضاري والإنساني، وعلى أرضها تعايش وتآخى المسيحيون والمسلمون خلال حكم الدولة الأموية، وبعدها الدولة العباسية، ومنها خرج للعالم علماء أبدعوا في مختلف المجالات الأدبية والدينية والفلسفية والعلمية والثقافية والجغرافية والصناعية وأدخلوا العلم والمعرفة إلى أوروبا.
لم يُختصر وجودهم في بغداد والموصل ونينوى وأربيل وكركوك والسليمانية والعمارة والبصرة وتكريت على أنهم أبناء طائفة أو مذهب أو دين أو عرق، مع افتخارهم بمسيحيتهم المشرقية، فمارسوا المحبة والسلام اللتان بشر بهما السيد المسيح. تعايشوا وتآخوا مع مكوّنات العراق الدينية والعشائرية والإثنية، حتى دخلت عليهم عصابات «داعش» التي لا تاريخ لها، تريد طردهم من بلادهم، مبشرة بعقيدة دينية مشوّهة ومشبوهة شعارها الغزو والقتل والنحر والسبي والتكفير، مخالفةً أبسط قواعد الدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه الإنسانية التي بشّر بها النبي محمد إبن عبدالله، رسول الله إلى العالمين.
حرف ال «ن» الذي كتبه «الدواعش» على ممتلكات مسيحيي الموصل هو وسام شرف وافتخار يوضع على صدورهم، ووصمة عار على جباه الذين أرادوه. هو وسام شرف لأن أهل الـ «ن» في العراق وإخوتهم في لبنان وسورية وفلسطين هم الذين «جاهدوا» للحفاظ على لغة العرب التي لا يفقهها مرتزقة «داعش» القادمون من الشيشان وأفغانستان وطاجكستان وتركيا يوم حاول أجداد حليفهم أردوغان العثماني طمس ثقافتنهم وإلغاء ماضيهم وما قدموه إلى البشرية من خلال حملة التتريك التي ساهم في إحباطها وهزيمتها «جهاد» أهل الـ «ن».
نصارى «ن» هذه الأرض كانوا مع إخوتهم في سورية ولبنان وفلسطين والعراق أول من دافع عن بلادهم إبان الغزو الغزو الصليبي لبلادنا قبل أكثر من عشرة قرون، فوقفوا مع أبناء بلادهم المسلمين في وجه جحافل أوروبا الغازية باسم المسيح، منتصرين لانتماءهم القومي. نصارى هذه الأرض وقفوا مع إخوتهم المسلمين ضد المحتل الإنكليزي وهزموه في العراق ووقفوا ضد المستعمر الفرنسي في لبنان وسورية وهزموه.
«ن» هذه البلاد وقفوا معاً مع إخوتهم المسلمين وما زالوا في فلسطين ولبنان، وحملوا سلاحهم يقاتلون ضد المحتل اليهودي واستشهد كثر منهم. نصارى هذه البلاد حملوا قضايا أوطانهم في المغتربات والمنتديات العالمية، ووصلوا إلى أعلى المراتب السياسية والعلمية، ولم يتخلوا عن انتماءهم القومي رغم المغريات التي قدمت إليهم، فكانوا خير مثال للإنسان المنتمي إلى أرضه ووطنه.
المجتمع الدولي الذي تقوده أميركا شاهد أخرس حيال التطهير العرقي والديني الحاصل في العراق، كما صمت قبله على ما فعلته عصابات الهاغانه وشتيرن اليهودية في حق شعب فلسطين من مذابح في أربعينات القرن الماضي، ولأنه يشبه تماماً ما ارتكبه المهاجرون الأوروبيون البيض في أميركا من جرائم إبادة جماعية قبل أكثر من خمسة قرون في حق أكثر من 12 مليون إنسان من الهنود الحمر أهل البلاد الأصليين قتلاً وسحلاً وحرقاً وتهجيراً وحتى سبياً، والشبيه تماماً بما يرتكبه «الدواعش» في العراق.
بشرى من العراق لـ»داعش» وأخواته. «ن» النصارى باقية في العراق مع إخوتهم في الوطن من الأطياف كافة لأنهم جزء من إرث العراق التاريخي والثقافي، أما «د» الدواعش فهم إلى زوال لأنهم دخلاء لا ينتمون إلى العراق ولا إلى تراثه أو تاريخه.
خاتمة: نصارى «ن» هم من قال عنهم القرآن الكريم في سورة المائدة:
«ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون، وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين».