«شمال سورية»… الأكراد والحرب من جانب واحد
عامر نعيم الياس
«عودة نغمة تقسيم سورية إلى واجهة العمل السياسي المواكب والمروّج للاندفاعة الأخيرة لـ«النصرة» وحلفائها في شمال البلاد، يبدو أن الأكراد يحاولون اللعب على هذا الوتر والتحضير لمرحلة جديدة في سورية تمهّد بموجبه الأرضية لقيام كيان كرديّ في مراحل لاحقة من مراحل انفصال تدرّجي برع فيه الأكراد، ولنا في مثال العراق دليل على ذلك»… «البناء» بتاريخ 4 حزيران 2015 .
لم يتأخر الوقت كثيراً، فالإعلان عن «إقليم شمال سورية» جاء تتويجاً لمؤتمر عقد تحت شعار «سورية الاتحادية ضمان العيش المشترك وأخوّة الشعب».
شهادات سكان الحسكة ومسيحييها بالتحديد عن التجاوزات التي ارتكبها الكرد بحقهم منذ عقود في المحافظة التي باتت إحدى «مقاطعات» ما يسمّى «غرب كردستان» أو «كردستان سورية» وفق الدعاية الإعلامية والتوجيه المعطى لكافة الصحف الغربية في تعاطيها مع الشأن الكردي السوري، لا تخفى على أحد. والمؤتمر الذي يحاول التغطية على «روج آفا» بما يسمى «شمال سورية»، ويحاول التغطية على الغالبية الكردية المتحكمة بالعباد هناك بشخص تركماني غير مدعوم تركياً ولكنه كارهٌ لسورية، أو حتى سريانيّ مغلوب على أمره بات خياره محصوراً بين جزية «داعش» ورايته السوداء، والخضوع القسري للإرادة الكردية والراية الصفراء، من دون أن نغفل هنا الإجماع الدولي غير المسبوق على مظلومية الكرد، والتزام أبناء أوجلان بتغيير الأولويات الكردية «البناء» 2 آذار 2015 «المخاوف الأميركية من البندقية الكردية وإمكانية الانقلاب على سياسات واشنطن، وحتى إحراج البيت الأبيض أمام تحفظات بوابة الأطلسي الشرقية، ستزول تدريجياً إذا ما تمّ السير في مشروع أوجلان لنقل البندقية من تركيا إلى شمال شرق سورية، مع إعطاء بعض الحقوق السياسية لأكراد تركيا الأقرب إلى حزب العمال».
«كردستان إلى الأمام» «البناء» 14حزيران 2014 ، لا أحد يريد الاعتراض عليها، هي لتخويف تركيا كما يراد الترويج له، لكن هل هذه هي الحقيقة؟ هل كل هذا التغاضي وتقسيم مناطق العمل العسكري الميداني في سورية بين واشنطن وموسكو من أجل تخويف تركيا؟! أليس ما جرى تتمةً للمشروع الكردي الذي بدأ يتبلور في سورية منذ كانون الثاني 2014 بما يسمّى مشروع «الإدارة الكردية الذاتية»؟ ماذا عن السيناريو الأميركي في شمال العراق؟ حتى أنه يتكرّر بالاسم ذاته، فنحن اليوم أمام سيناريو ثنائي القطبية أو حتى متعدّد الأقطاب في شمال سورية.
الحدود المتحرّكة وتحريك خطوط التماس، والتقدّم الكردي الموازي لتقدّم الجيش السوري بعد التدخل العسكري الروسي في المنطقة، كل ذلك يزيد من منسوب علامات الاستفهام. هل من الممكن لأقل من نصف الكرد من مجموع الأكراد في سورية والذين يشكّلون في أحسن الأحوال 10 في المئة من السكان أن يسيطروا على مساحة أكبر من مساحة لبنان تمتدّ من شمال شرق سورية إلى شمال غربها، مسيطرين ضمناً على أكبر الحقول النفطية في سورية، وأكبر مساحات لزراعة القمح رمز استقلالية القرار السوري ، فضلاً عن أكبر السدود وبالتالي المخزون المائي في سورية؟
هل نعود إلى التاريخ السوري لنرى المظلومية التي يتحدّث عنها الكرد؟ فهم المكوّن السوري الأكثر الذي سيطر على مراكز القرار الديني والسياسي في سورية، حتى أن غالبية رؤساء سورية من الكرد ابتداءً من محمد علي العابد الذي حكم من 1932 إلى 1936، و مروراً بحسني الزعيم الذي حكم من 20 آذار 1949 إلى 14 آب 1949، و ليس انتهاءً بفوزي السلو الذي حكم من 1950 وحتى استلام أديب الشيشكلي السلطة عملياً في 1953.
يضع الأكراد اليوم مشروع حلمهم وانفصالهم الاجتماعي العقائدي عن سورية مرحلة التنفيذ، سائرين على درب نظرائهم في العراق في لحظة احتضان دولي غير مسبوقة، وافتراق إقليمي لا يدير لهم بالاً في هذا التوقيت. فالوقت لاستخدامهم في المعركة، كما هم أنفسهم يراهنون على ورقة استخدامهم في الحرب على الإرهاب لابتزاز الجميع والقفز إلى الأمام، في مرحلة حربٍ طويلة تولّد ديناميكياتها الذاتية بانتظار من يضحك أخيراً.
كاتب ومترجم سوري