مترادفات

سياسة النفايات أم نفايات السياسة؟!

إن مشيت في شارع لا يؤدي إلى هاوية، قل لمن يجمعون القمامة شكراً. هكذا قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش منذ حوالى عقد من الزمن. لكنه لو كان يعلم أن في لبنان ليس ثمة شارع لا يؤدي إلى هاوية، وليس ثمة من يجمعون القمامة، لكان حتماً اختلق بيتاً آخر نقيض ما قاله، كرسالة شكر لمن تحمّل القمامة على مدى ثمانية أشهر من دون المشي في الشارع. فكل شوارع لبنان آيلة إلى السقوط بفعل التصدّعات التي أصابتها من «ثقل دم» النفايات التي صمدت وقاومت وعانقت الأرض حتى أضحت هي والأرض توأمين لا يفصل بينهما سوى السياسة.

فهل النفايات أيضاً بحاجة إلى سياسة؟ الجواب هو نعم وألف نعم. وهي أيضاً بحاجة إلى رئيس نفايات ووزارة نفايات، ومجلس نيابة النفايات كي لا يخسر السياسيون النفايات التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الرحيل إلى بلد الاغتراب! ولو حصل ذلك لخسر لبنان ثروة «نفاياتية» هائلة تعزّز الناتج القومي السياسي الذي اعتاد على تحويل «اللاشيء» إلى شيء, و«اللانفايات» إلى نفايات.

فلو لم يكن ثمة نفايات، كيف كانت ستُجرى المناقصات؟ وكيف سيكون شكل قالب الحلوى المرتقب؟ وكيف ستبقى خريطة لبنان على رتابتها دونما تغيير؟ وكيف ستسلّط الأضواء على حثالة المجتمع التي باتت اليوم حديث الساعة؟ سارقة الأضواء والشهرة والقلوب والعقول، ناهيك عن الأرواح التي ستخطف هي الأخرى من جرّاء ما تنشّقته أجسادها من سموم وغازات في بلد يتمتّع بجمال طبيعته ومناخه. فهنا لا الجسد منفصل عن الروح، ولا تعاقب الفصول يسعف الفصل الذي خيّم على لبنان وغيّر طبيعة مناخه. ففصل النفايات هو الذي يضرب لبنان منذ ثلاثة فصول.

فيا روح محمود درويش الراقدة في مرقدك الجميل، هل ثمة من يستحق كلمة «شكراً» في هذه البلاد؟ فالذين يجمعون القمامة مسيّسون ولا يمكن التحدّث إليهم على انفراد. والمطامر الصحية مسيّسة هي الأخرى ولا تكترث إن هي فتحت أم بقيت طيّ الكتمان. ففي باطنها أسرار لا يعلمها إلا سرّ السياسة. فهل الطمر يستحق الحياة؟!

ليت الطمر يبدأ بعقول سياسية انتهت صلاحيتها، وباتت دخيلة على عصر النفايات إذا صحت التسمية. فنعم، نحن اليوم في عصر النفايات. كل شيء ينتمي إلى النفايات. ثورة نفايات ضربت كلّ لبنان من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. ففي الغذاء نفايات في قلب الغذاء، وفي الماء نفايات سائلة، وفي الطبابة نفايات صلبة، وفي الأفكار نفايات أيديولوجية، وفي الأخلاق نفايات أخلاقية، وفي السياسة نفايات سياسية حان الوقت لطمرها أو إعادة تدويرها أو فرزها من المصدر. إلا أنّ المصدر القابع تحت الكرسي الأول معطّل. فكيف تفرز الأمور؟ وكيف ننجو من ثورة النفايات؟ أسئلة برسم ذلك الشارع الذي يؤدّي إلى هاوية… وشكراً.

إيمان شويخ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى