حرب غزة: للسوريّ الإعجاز… وللمقاومة الإنجاز من ينصر فلسطين تنصره وتثبّت أقدامه
حاتم الشلغمي تونس
… وأخيراً، عادت القضية الفلسطينية الى صدارة الإعلام بعد تغييب مقصود أحدثه مشروع «اللافصل العربي» المشؤوم ما يُسمّى بـ«الربيع العربي» وكان بين أبرز أهدافه الاستراتيجية جعل بيدر القضية الوطنية الفلسطينية ونضالات الشعب العربي في فلسطين نسياً منسيّاً في كومة رماد. فنسي المطبّلون والمهلّلون وسدنة معبد «الربيع» من الأعراب والأغراب والعثامنة الجدد، أن الشعب الفلسطيني هو الأجدر والأحق بالشعارات التي رفعت في المنابر والمجالس الدولية حول تقرير المصير والانعتاق والحرية وحقوق الإنسان والتحرير والكرامة. واستثنوه من تلك الحقوق المشروعة كلّها في شبه مسرحية تراجيدية راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشعب العربي بعامة والسوري بخاصة…
سورية أوّل من كشف اللثام عن حقيقة هذا «الربيع» القاتل منذ أن عارضت مع الجزائر قراراً عربياً يقضي باستدعاء «الناتو« الى ليبيا لـ»يخلّص» شعبها من «معاناته من نظام العقيد»، تواجه منذ تلك اللحظة – أفظع حرب وأشدّها جنوناً وهمجية. حرب تحالفت فيها كلّ المتناقضات والأضداد، وانتفت فيها أصول التاريخ والحضارة والقيم والأخلاق كافة. سورية القلعة الحقيقية للنضال العربي لأجل الوحدة والتحرير، والحصن الحصين لمفهوم المقاومة وتفكيك المؤامرات وصدّ العدوان. سورية التي رفعت شعاراً بقي في الوجدان أنّ «فلسطين قبل الجولان»… قالها قائد صلب ومقدام لم تنطل عليه أكذوبة السلام. سورية التي تنتصر اليوم في الميدان وتستعيد الجغرافيا والهوية، المقاومة والقومية فتذكّر العالم والأنظمة العربية بأن لا نداء إلا نداء فلسطين القضية.
«نحتفظ بالردّ في الزمان والمكان المناسبين»، العبارة البليغة والمربكة لكيان العدو الصهيوني ومن سبح في فلكه والتي جعلها السطحيّون محلّ سخرية لم تكن إلاّ وعداً صادقاً من عقل مقاوم ها نحن نرى ونشاهد بأم أعيننا مدى صدقيته. ولأن إيمان الجمهورية العربية السورية بمركزية ومبدئية القضية في فلسطين، لم تشغل حرب الاستنزاف التي يقودها وكلاء «إسرائيل» في كامل الجغرافيا القيادة السورية عن قضيتها المركزية الوجودية، فلم تقطع سورية أوصالها بجميع فصائل المقاومة، بالتنسيق مع جميع أطراف المحور إيران وحزب الله ، مزودة إياهم كلّ ما يلزم لخوض حرب مفتوحة مع الكيان الغاصب، مخترقة بذلك أجهزة الاستخبارات «الاسرائيلية» والأميركية كافة، كاشفة مدى ضعفها والخور الحاصل فيها. فالصواريخ النوعية الجديدة التي انطلقت من أرض غزة لتصارع «القبة الحديد» في ضحى «الجرف الصامد» لتجعل «إسرائيل تحت النار» وفي رواية تالية «في الملاجئ» كما وصفت صحيفة «هآرتس» العبرية كانت صواريخ سورية الصنع. الأمر الذي هزّ إدارة الكيان وفضّ تحالفاته السياسية وأربك ادارته العسكرية. فالسؤال الرئيسي في «إسرائيل» اليوم هو كيف وصلت تلك الصواريخ الى القطاع وبهذا الكمّ؟ فالصواريخ التي سقطت على فلسطين المحتلة والتي اعترضتها «القبة الحديد» تجاوزت 200 صاروخ يومياً. بلى، إنه الإعجاز السوري وعقله الأسطوري في تسطير أعتى الملاحم وتعديل جميع التوازنات وتسوية المعادلات كلّها.
«إسرائيل» التي باتت في حالة ضعف استراتيجي منذ هزيمتها عام 2006، والتي اختارت أن تسابق الزمن في خوض حروب الوكالة، يتأكد ضعفها وانكسارها بنجاح محور المقاومة في إيصال المخزون الصاروخي في غزة وتثبيته وحمايته، قالباً موازين الردع بمقاومتها التي تنجز النصر العملي والاستراتيجي. «إسرائيل» التي أرادت استغلال «الخصومة» بين القيادة السورية وحماس لأغراض تضعف الموقف الفلسطيني وتسدّ أفقه في المفاوضات لأجل افتكاك اعتراف السلطة الفلسطينية بيهودية الدولة وتنازلها عن حق العودة من ناحية، واستغلال «الخصومة» بين القيادة السياسية الجديدة لمصر وحماس لتحويلها إلى خصومة بين مصر وقطاع غزة ولإرباك فصائل المقاومة من ناحية ثانية، تقف اليوم شبه منذهلة من طبيعة الرد المقاومي، صابّة جام غضبها ووحشيتها بأسلوب «داعشي» على المدنيين والمنازل والمزارع في غزة، كاشفة عورتها التي حاولت سترها، خائبة، بمشروع «الربيع- الحريق» العربي منذ سنوات.
إن حرب غزة تمثل جزء من الحرب على محور المقاومة وحلقة من حلقاته، فلا يمكن فصلها عمّا يحدث في لبنان وسورية والعراق واستطراداً إيران التي تواجه أعتى الحروب الديبلوماسية لتثبيت حقها النووي ودورها الإقليمي. إنّ حرب فلسطين هي حرب جميع أطراف المقاومة الذي أعلن استنفاره لأيّ مستجدات في الحرب التي فرضت عليها. فمثلما قال صاحب الوعد الصادق السيد حسن نصر الله: «نحن لا نريد الحرب ولكن لا نخشاها لأننا في مرحلة جديدة عنوانها: نُقصف ونَقصف، نُقتل ونَقتل، نُهجر ونهجر، نواجَه ونواجه».ها هي المقاومة والممانعة تقدّم لفلسطين القوة والعزة والتمكين، وها هي سورية – حزب الله حاضرة مجدّداً في قلب الحرب بصواريخها التي تحمل توقيع القائد الشهيد داوود راجحة وعقل الشهيد الحاج عماد مغنية. ها هي سورية تفعل وتدعم وتثبّت نصرها السوري في فلسطين، فلا تجد لحلف الأعداء من «الدواعش» و«الإخوان» وقطر والأتراك والسعودية وغيرهم من بيادق العدوان إلا النفاق أو الصمت أو الغباء بإتقان.
إنّ الإعجاز السوري الذي يتمثل أساساً في صمودها كدولة وهوية وكيان في وجه أعتى المؤامرات التي سطر صفحاتها الصهاينة من برنارد لويس في الولايات المتحدة صاحبة شعار «الحياة والحرية وتحقيق السعادة» التي رأينا تجلّياتها مع الهنود الحمر وصولاً الى الأفغان والعراقيين، الى برنار هنري ليفي في فرنسا «الثورة بمقاصلها والأنوار بنزعتها الاستكبارية الاستعمارية»، والتي نفذّها أبناء جمال باشا السفاح في تركيا وأبناء «لورنس العرب» من ملوك الخليج وأمراء مشيخاته، يتعزز ويتثبت من خلال دعمها للمقاومات بلا قيد أو شرط. أما المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها الجديرة بالسلاح والأمينة عليه فإنّها تنجز الردع وتكشف المفاجأة تلو الأخرى لكي تبقى فلسطين البوصلة والعنوان، بعيداً عن مختلف مظاهر الابتزاز، تأكيداً على أنّ لسورية الإعجاز… وللمقاومة الإنجاز. سورية التي تنصر فلسطين هي حتماً منتصرة في حربها على جنون العالم، تأكيداً على أنّ من يرفع راية فلسطين لا يخيب مسعاه، وأن النصر الذي عمّد بالدم لا يضيع أبداً.
فلسطين… ما أعظمك!
ينكسر العالم ويصبح مثل طاحونة
تتغيّر الوجوه… والأشياء
السياسات… والساسة
التاريخ… والخرائط
المفاهيم… والأقنعة
الأسماء… والمشاريع
الحلفاء… والخصوم
كل شيء… يتغيّر
وينقلب… حتى القيم
حتى… عصا موسى
وتبقين أنت… وحدك القضية والبوصلة
المحرّك، الوازع، الكلمة… والإلهام!
فلسطين… انتفضي… أعيدي للربيع فصله… ناره… برده وسلامه.
فلسطين… ارفعي راية الحق
وصومي في زمن أفطر فيه الجميع على دمك… ودمعك !
فلسطين قومي… واقتلعي الخنجر والميركافا وازرعي الزيتون في حيفا ويافا.
فلسطين… يا بوصلة الضمير
وحلم الدرة… وأبو خضير
فلسطين… يا امرأة من رخام
قالها شاعر لاذقيّ محبّ على الدوام
فصدق الوصف وأدّاه على الكمال والتمام
فلسطين… انتصري، وانصري… وثبّتي الأقدام
فمن خذلك اليوم بعدد… اشطبي له الأرقام.