أردوغان والحصاد الانتخابي من خلال حرب غزة
هدى رزق
أدّت الحرب «الاسرائيلية» على غزة واستعمال الأسلحة الفتاكة والعنف المفرط ضدّ المدنيين العزّل، الى زيادة حدة الانقسام في الداخل التركي، مما ساهم في فرز الأصوات الانتخابية التركية على خلفية نصرة غزة.
أتى ردّ فعل كلّ من حزب الشعب الجمهوري، والمرشح الكردي ديمرطاش نقدياً ومتحدّياً أردوغان أن يكون على قدر تصريحاته النارية وانتقاداته لـ «إسرائيل»، وأن يسارع الى قطع العلاقات معها.
هاجم أردوغان «إسرائيل» بحدّة، واتهمها بالتفوّق على هتلر الذي تنتقد. صرّح خلال حملة انتخابية أمام مؤيّديه في مدينة «أوردو» على البحر الأسود، انه ليس لدى «الاسرائيليين» شرف ولا ضمير ولا كرامة. واتهمهم بافتعال مذابح دورية في حق الفلسطينين. حدث ذلك بعدما رفضت «إسرائيل» مبادرة قطر وتركيا لوقف إطلاق النار وقبولها التعاطي مع المبادرة المصرية، اعترضت «اسرائيل» على تصريحات أردوغان، واتهمته بأنه ضدّ السامية. دعت مستوطنيها إلى عدم زيارة تركيا، لا سيما أنّ تظاهرات دعم غزة طالت السفارة والقنصلية «الإسرائيليتين» في كلّ من اسطنبول وأنقرة، حيث تمّ انزال العلم «الاسرائيلي» ووضع العلم الفلسطيني مكانه.
تبدو «إسرائيل» وكأنها «مكسر العصا» في حملات الغضب الأردوغانية من أجل دعم مصالحه السياسية، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ودعمه لحماس. قرّرت «إسرائيل» خفض عدد دبلوماسييها إثر التظاهرات، مع العلم أنّ العلاقات الدبلوماسية لا تزال غير مكتملة بين البلدين منذ حادثة «مرمرة مافي» 2010، ولم تعد إلى طبيعتها بالرغم من وساطة أوباما لدى نتنياهو عام 2013 لإعادة ترتيب العلاقة.
لم يتأخر ردّ نتنياهو واتهم أردوغان بأنه يروّج ضدّ المحرقة اليهودية. كال اردوغان الانتقادات للغرب متهماً إياه بقيادة حملة صليبية جديدة ضدّ المسلمين. جاء الردّ سريعاً من قبل الخارجية الأميركية التي رأت أنّ هذه الملاحظات هجومية غير مساعدة وخاطئة. واعتبرت صحيفة «معاريف» أنّ تصريحات أردوغان تعود إلى قصوره عن التأثير على مجريات الأمور في غزة وإلى المنافسة الشرسة مع السعودية ومصر.
لقد جرى تهميش تركيا وتعويم المبادرة المصرية من قبل الأميركيين و»الإسرائيليين»، الأمر الذي قاد الى زيادة حدة التوتر وتبادل الاتهامات بين مصر وتركيا التي تعتبر السيسي انقلابياً، حتى ولو فاز في الانتخابات المصرية.
انّ شرط وقف إطلاق النار في غزة يبدأ بالنسبة لأردوغان بفك الحصار عن غزة أولاً. وهو يرى انّ المبادرة المصرية ترمي الى إخضاع حماس. اعتبرت مصر تصريحات أردوغان تدخلاً في شوؤنها، وشدّدت على انّ للمبادرة المصرية مصداقية دولية لا تتمتع بها تركيا. ورأت السعودية ان على أردوغان تقديم اقتراح يدعو حماس إلى قبول المبادرة المصرية. صراع على «الزعامة السنية» في المنطقة محوره غزة.
في خضمّ هذا التنافس أتت إجابة السفير الأميركي المعيّن حديثاً في أنقرة، اثناء جلسة الاستماع في الولايات المتحدة، حول منحى أردوغان نحو التسلط، لتوتر العلاقات بين الدولتين بعد ان استدرجه جون ماكين إلى هذه الإجابة. اعترض وزيرر خارجية تركيا أحمد داوود اوغلو واتهم أوروبا وأميركا بالعداء لكلّ ما هو مسلم. دافع أوباما عن تصريحات سفيره وأكد دعم حقوق الإنسان والحرية في تركيا.
في السباق الى الرئاسة التركية يحاول أردوغان الهجوم على «إسرائيل» والولايات المتحدة وأوروبا والحكومات العربية، ويدعم موقف حماس ليكسب صدقية لدى الأتراك المسلمين الذين يكنّون العداء لـ «إسرائيل» بسبب عدوانها المستمرّ على غزة ومناصرتهم القضية الفلسطينية. يرنو اردوغان الى مزيد من الأصوات حتى لو لم يؤدّ الأمر الى حلول في غزة.، بينما يزور نائب وزير الخارجية التركي فريدون سنيرليوغلو الولايات المتحدة شارحاً واقع سياسة أردوغان وأهدافها، وما يمكن أن يؤخذ منها على محمل الجدّ من عدمه، لا سيما أنه يخوض حملته الانتخابية الرئاسية ولا يخفي طموحاته بتغيير الدستور إذا فاز من الدورة الاولى. الحقيقة انّ أردوغان سوف يغيّر بعض مواقفه بعد الانتخابات لأنّ أنقرة تريد كسر عزلتها وإعادة كسب الثقة الدولية.