مكافحة إرهاب المنظمات واجب… ماذا عن إرهاب الحكومات؟
د. عصام نعمان
شاركتُ على هامش الدورة 31 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في ندوة جامعة جرت فيها مناقشة موضوع الساعة: «مكافحة الإرهاب من دون انتهاك حقوق الإنسان». قلتُ في مداخلتي إنّ مجلس الأمن الدولي اتخذ جملة قرارات حيال أحداث عدّة تضمّنت إدانة للإرهاب والمنظمات الإرهابية، لكن لم يتضمّن أيٌّ منها إدانة إرهابيين من عملاء الحكومات أو حتى مجرد إشارة إليهم.
الأخطر من ذلك أنّ أيّاً من قرارات مجلس الأمن الدولي لم يتضمّن تعريفاً واضحاً وشاملاً للإرهاب يمكن اعتماده في أحكام القانون الدولي.
إلى ذلك، ترسملت الولايات المتحدة الأميركية وبعض من حلفائها على هذه الليونة الفاضحة إزاء الإرهابيّين من عملاء الحكومات واستغلتها في خدمة سياساتها. كذلك استخدم تنظيم «الدولة الإسلامية» داعش ببراعة هذه الليونة، شأن حكومات انتهازية، لتعزيز قوته العسكرية ولتصفية مَن جرى تصويرهم لها بأنهم أعداء مشتركون.
ثمة حقيقة راسخة أنّ الولايات المتحدة ساعدت في نشوء منظمات إرهابية. يجزم روبرت كنيدي الابن أبوه كان وزيراً للعدل خلال عهد أخيه الرئيس الراحل جون كنيدي أنّ بول بريمر، «نائب الملك»، الذي عيّنه الرئيس جورج دبليو بوش حاكماً للعراق غداة احتلاله، «اتخذ قراراً كارثياً بأن أنشأ فعلياً الجيش السنّي الذي يُسمّى الآن الدولة الإسلامية». كذلك كشف دكستر فيلكن، أحد كبار الكتّاب في مجلة «ذي نيويوركر» أنّ «الدعم العسكري الأميركي البالغة قيمته 500 مليون دولار الذي خصّصه أوباما لسورية أيّ لدعم تنظيمات المعارضة السورية المناهضة لـِ «داعش» انتهى في شبه المؤكد لمصلحة الجهاديين المتطرفين» راجع ما قاله روبرت كنيدي الابن ودكستر فيلكن في:
htt/www.politio.com/magazine/story/2016/rfk-jr-why-Arabs-don t-trust-amarica-213601
يبدو أنّ الولايات المتحدة وعت أخيراً الخطر المميت الذي يمثله تنظيم «الدولة الإسلامية». فقد كشف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون برينان في شهر شباط /فبراير الماضي أنّ في مقدور «داعش» إنتاج كميات كبيرة من الكلورين وغاز الخردل، وأنّ لدى الاستخبارات الأميركية دلائل عدّة تشير إلى أنّ «داعش» استخدم أسلحة ومواد كيميائية في ميادين القتال، ولا سيما في سورية والعراق، وانّ في وسعه أيضاً تصدير أسلحة كيميائية إلى دول الغرب لتحقيق أرباح.
أمام هذا الخطر المميت، يقتضي أن يهبّ الرأي العام العالمي ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المحبة للسلام لممارسة أقوى الضغوط على الحكومات في جميع أنحاء العالم لترتفع، بلا إبطاء، إلى مستوى الخطر المميت المحدق من أجل الموافقة على المشاركة في اجتراح وتبنّي برنامج متكامل وفعّال لمواجهة الإرهاب عموماً و»داعش» خصوصاً وذلك من خلال التدابير الآتية:
أولاً، وضع وتنفيذ خطة سياسية وثقافية وأمنية شاملة ومتكاملة لمواجهة الإرهاب على المستويين الشعبي والحكومي، يقرّها مجلس الأمن الدولي ويجري تنفيذها بصرامة تحت رقابة شفافة، حكومية وشعبية.
ثانياً، إقرار واعتماد تعريف أممي شامل للإرهاب كفعل جرمي يتضمّن تحديداً واضحاً لعناصره المعنوية والمادية، كما للأحكام والعقوبات الواجب إنزالها بمرتكبيه بقرارات من المحاكم الوطنية والدولية.
ثالثاً، إقامة وكالة متخصّصة للأمم المتحدة تتولى كلّ المهام والتدابير المتعلقة بالإرهاب كخطر يهدّد العالم برمّته، كما تتولى توفير مناهج ووسائل مواجهته، على أن يُصار إلى إدخال جرائم الإرهاب وغسل الأموال وتهريب المخدرات في صلاحية المحكمة الجنائية الدولية، فلا تبقى حكراً على محاكم دول كبرى تشكّل أحكامها، غالباً، خرقاً لسيادة دول أخرى وانتهاكاً لحقوق الإنسان.
رابعاً، إقامة جهاز دولي لرصد وملاحقة وتوقيف الإرهابيّين وإحالتهم على المحاكم القضائية ذات الاختصاص في دول العالم كلّها.
خامساً، إقامة مؤسسة أممية لرعاية ضحايا التعذيب وتأهيلهم.
باختصار، بات الإرهاب جريمة من الخطورة القصوى تركها للحكومات أو للمحاكم الوطنية وحدها. أكثر من ذلك، بات من الحماقة بل من الجنون الاكتفاء بإدانة الإرهابيين الأفراد من دون إدانة وملاحقة الإرهابيين من عملاء الحكومات التي تستخدم، بلا وازع من ضمير أو مسؤولية، الإرهاب نهجاً ووسيلة في تنفيذ سياساتها.
وزير سابق