ولد الشيخ في صنعاء والرياض إلى الوراء

ناديا شحادة

اشتهرت السعودية عبر تاريخها السياسي بعدم الدخول المباشر في مشكلات الإقليم، بل هي تكتفي باستخدام القوة المالية التي تملكها وطبيعة عقليتها التآمرية لتنفيذ مخططات استراتيجية متفق عليها مع حلفائها، وقد استمرت في إشعال أزمات المنطقة عن بعد لسنوات، في محاولة منها للإمساك بناصية القرار العربي ولعب دور مميز في صناعة القرار الإقليمي، إلا أنها فشلت في تحقيق هذا الهدف، وباتت تتلمس للمرة الأولى معنى التوحُّل في أتونها بعد أن انعكست عليها تلك الأزمات عسكرياً ومالياً، فالنفقات المالية الهائلة التي استخدمتها السعودية والتي تقدرها بعض الأوساط بمليارات الدولارات شهرياً أفقدت المملكة توازنها، وأصبحت تسعى إلى المبررات التي تمكِّنها من تسليك خروجها من تلك الأزمات من دون الإضرار بالتوازنات الداخلية بالغة الهشاشة.

حاولت السعودية أن تجد غطاء دولياً وعربياً وإسلامياً لكلّ تحرُّكاتها، وبالذات تدخلها العسكري والمباشر في اليمن الذي قطع الطريق أمام الحوار الوطني اليمني وزاد من معاناة الشعب اليمني الذي دفع ثمن هذه الحرب جراء المجازر التي ارتكبها «التحالف العربي» بقيادة المملكة التي دخلت في نفق مسدود.

ومع التهديد الخطير للمصالح العليا للدول الأوروبية بسبب إطالة أمد الحرب، وازدياد الفوضى الأمنية والسياسية زادت مطالب تلك الدول، وعلى رأسها ضرورة إيجاد تسوية لإنهاء هذه الحرب التي تقترب من عامها الأول وسط صفيح من الاقتتال والمجازر، حيث أكدت فرنسا ضرورة التوصل إلى اتفاق سياسي بين القوى السياسية في اليمن وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216 حتى يتسنى مكافحة الإرهاب بفاعلية. كما أكدت الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني دعم الكتلة الأوروبية للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة في اليمن والخاصة باستئناف المفاوضات، وشدّدت على ضرورة إيجاد حلّ سياسي شامل لإنهاء الصراع الحالي لمواجهة المحاولات المتزايدة لتقسيم البلاد ورفع المعاناة عن الشعب وتنامي الإرهاب.

يؤكد الخبراء أنّ لعبة الصراع وتشابك خيوطها استعصت في الحلّ على آل سعود وفقدت المملكة توازنها وأصبحت تحتاج إلى حلّ لعقدها التي تورطت فيها بدءاً من اليمن وانتهاء بسورية، ولم يعد هناك من مناص للحلّ إلا من خلال تسوية بأفضل الممكن، فكان التوجه نحو التراجع، بعد فشلها في تغيير طبيعة التحالفات ورسم خطوط جديدة لموازين قوى تحمي مصالحها، فالمعطيات والخطوات الجديدة التي قامت بها ما هي إلا انسحاب والإقرار بفشلها بعد عجزها المالي، وبعد تراجعها في سورية التي تحولت فيها من داعم مالي ولوجيستي لقوى الإرهاب التكفيري إلى مشارك رئيسي نشيط ومعلن في إدامة الحرب وتوسيع رقعتها وتجاوزت بذلك كلّ الخطوط المرسومة في السياسة الدولية، وبعد فشلها عسكرياً في اليمن، باتت تبحث عن تسوية ما فحاولت أن تُنهي الحرب على جارها الجنوبي ومن هنا جاء إعلان قيادة قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية عن هدنة على الحدود اليمنية مع المملكة في التاسع من آذار من العام الحالي، استجابة لمبادرة قدمتها شخصيات قبلية واجتماعية يمنية. هذا الإعلان الذي كان تتويجاً لمحادثات سرية بين وفد سعودي ووفد من جماعة «أنصار الله» في منطقة حدودية بين البلدين بطلب من الرياض التي عجزت عن تحقيق تقدم عسكري في اليمن وفي تحجيم «أنصار الله»، وباتت تخشى تعاظم قوة «القاعدة» و»داعش» قرب حدودها، ما جعلها تسعى إلى استمرار المفاوضات مع الحوثيين في محاولة للوصول إلى حلول لإنهاء الحرب في اليمن، حيث أكد الناطق باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام في 21 آذار أنّ التفاهمات مع الرياض قائمة على أساس بدء الخطوات وبناء الثقة لوقف الحرب بشكل كامل، مضيفاً أنه تمّ تبادل كشوفات الأسرى والمفقودين لدى الطرفين في خطوة أولى للوصول إلى حلّ سلمي لإنهاء الحرب.

ففي ظلّ التجاذبات بين الأطراف السياسية الدولية والإقليمية لإيجاد تسويات لأزمات المنطقة، يسعى المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ بدعم غربي إلى عقد جولة مباحثات جديدة للوصول إلى تسوية سياسة تنهي معاناة الشعب اليمني، بعد أن حاولت المملكة التي تقود التحالف العربي في البلاد حسم المعركة عسكرياً وفشلت، وحاولت فرض دورها العربي والإقليمي من خلال سياسات هشة وشعارات متهالكة لم تجد لها مبرّرات واقعية، كونها لا تملك الخبرة في قيادة المحاور فهي لم تكن يوماً إلا رقماً داعماً مالياً لكلّ المحاور التي تشكلت في القرن الماضي وبدايات القرن الحالي.

بعد أن اعترف العالم بدور إيران الإقليمي، خاصة الإدارة الأميركية، وجدت السعودية أنّ مخرجها لن يكون إلا بإعادة ترتيب أوراقها. ومع بلوغ آل سعود مرحلة النضج لقبول التسوية في اليمن، يبقى السؤال: هل تنجح المملكة في الخروج من ورطاتها التي دخلتها نتيجة سياسة استفزازية تجاه حلفائها قبل خصومها، سياسة تعبّر عن تمادٍ غير مسبوق تنتهجه دولة تابعة لاستراتيجية السياسة الأميركية التي أدانت وتحفظت على تلك السياسات التي تعتبرها متهورة ولا تخدم مصالحها ومصالح حلفائها؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى