جمال محسن العفلق
خمس سنوات مرت والتجاذبات السياسية الإقليمية والدولية ما زالت بين مدّ وجزر… ومليارات الدولارات دُفعت لإشعال الحرب على السوريين وسورية، مناطق قليلة هي تلك التي رفضت الدخول في الحرب ولكنها بقيت مدافعة عن الوطن، والرفض هنا جاء في إطار محدّد… نحن لن ندخل في قتال الأخوة ولن نحارب على مبدأ الصراع المذهبي أو الديني، ولكننا سندافع عن الوطن بكلّ ما فيه وما يحمله، وسنحمل هموم الوطن وإنْ كنا اليوم نتعرّض لهجمات متتالية إعلامية هدفها دفعنا إلى القتال، ومحاولات رخيصة عسكرية حاولت الاقتراب من حدودنا لزجّنا في المعركة.
فـ»النصرة» ومَن في فلكها في الغرب، و«داعش» وأعوانه في الشرق وبعض الذين جرّبوا إشعال نار الفتنة في الداخل والتهديدات من الجنوب، حيث تتجمّع فصائل الإرهاب في الأردن ملوّحة بالتهديد والوعيد وبأنّ الساعة الصفر آتية، وأنّ احتلال المدينة على جدول أعمالها التخريبي.
إنها محافظة السويداء التي استطاع العقلاء فيها، وبالتعاون مع السلطة، تحييدها عن المعارك لتصبح مركزاً لاستقبال الضيوف القادمين من كلّ المدن السورية. ورفض أهل السويداء أن يطلقوا عليهم اسم لاجئين أو نازحين أو حتى فارّين من الحرب إنما قالوا هم ضيوفنا إلى أن يجلي الله عن سورية هذه المصيبة.
مدينة السويداء وأهلها الذين حلّل دمهم بعض الرموز والزعامات التقليدية، جريمتهم أنهم مع الوطن، فـ»النصرة» هدّدت بذبحهم و«داعش» حاول اجتياز حدود مدينتهم وجرّب بعض السياسيين كسر معنويات أهل الجبل، فكانت تصريحات هدر دمهم مثل النار في الهشيم تتناقلها وسائل الإعلام المعادية لسورية الوطن، فقد صرّح مَن كان يدّعي أنه يخاف على مصير أهل السويداء قائلاً: مَن هم مع النظام مع النظام ومن هم ضدّ النظام جزء من الانتصار ومَن هم مع النظام حلال دمهم فجاء ردّ أهل السويداء مزلزلاً في معركة مطار الثعلة… ولم يقبل أهل السويداء الالتحاق بالمؤامرة على سورية، وحاول الكيان الصهيوني زرع الفتنة وتمويل حركات مسلحة تحت غطاء مذهبي وديني، لكن أهل السويداء استطاعوا وأد الفتنة والتفاهم بينهم أنّ وحدة سورية خط أحمر، وأنّ السلم الاجتماعي ممنوع المساس به، وانّ السياسة تكون بالحوار لا بالسلاح، وأنّ سورية هي أمّ لكلّ السوريين، وأنّ أصحاب المصالح الضيّقة وأتباع السفارات والعواصم العربية والغربية لا يمثلون أهل سورية، وأنّ عاصمتهم الأبدية دمشق. وبقي الضباط والجنود من أبناء السويداء على عهدهم في الجيش السوري، ولم يتراجعوا عن الصفوف الأمامية، وشكلوا درع الوطن واستقبلوا الشهداء بالزغاريد… فأهل السويداء ورثوا من أجدادهم «أنّ الدين لله والوطن للجميع»، وكما رفع أجدادهم العلم العربي في المرجة وكانت طلائعهم أو الطلائع الواصلة مع الثورة العربية، وكما حاربوا الانتداب الفرنسي هم اليوم خلف الجيش السوري وعلمهم السوري لا يبدّلونه ولا يقبلون بتغييره، فهو علم شهداء سورية وعلم الوحدة وعلم الجمهورية العربية السورية.
فكانت فكرة »مضافة وطن»، والمضافة في مفهوم أهل السويداء مكان استقبال الضيوف، وهي مكان اللقاء ومكان يجتمع فيه الناس لبحث همومهم وطرح الأفكار وتبادل الآراء.
في «مضافة وطن» التقت مجموعة من أبناء السويداء الذين همّهم كيف يساندون الوطن، فكان لا بدّ من طرح الحلول والانتقال من مرحلة الحديث وتبادل الأفكار إلى مرحلة العمل، فكانت فكرة أسواقنا وهي فكرة بسيطة، ولكنها تحمل الكثير من المعاني، حيث قرّروا أن يتمّ بيع المواد الغذائية بأقلّ الأسعار وأرخصها لمساعدة المواطنين على الصمود والتخفيف من الغلاء الفاحش الذي أصاب كلّ السلع التموينية وتوفير ما أمكن من منتجات لتقديمها للناس بأسعار معقولة لإجبار المتحكّمين بالأسعار على تخفيضها، ولكسر الحصار الاقتصادي الدولي الذي يستهدف لقمة عيش الأبرياء.
كما أخذ رواد «مضافة الوطن» على عاتقهم التواصل مع المسؤولين ومع الفعاليات الشعبية والمدنية لإيجاد حلول رعائية لهموم المواطنين، محاولين بذلك التخفيف عن القطاع الحكومي ومساعدة الجميع على تجاوز المحنة، خصوصاً أنّ الحرب على سورية بشكلها الاقتصادي أخذت بالتوسّع اليوم بعد فشل الجماعات الإرهابية والعصابات المسلحة بالبقاء في الأماكن التي كانت تسيطر عليها.
قد لا تتسع مقالة لكلّ الأفكار التي يريدها أصحاب فكرة هذا التجمّع، ولكن طموحهم أن يلتقي كلّ أبناء سورية في «مضافة وطن» وحلمهم أن تفتح أبواب بيوت السوريين كما كانت لكلّ الضيوف، وحلمهم أن يبدأ السوريون بالبناء من جديد…
الحرب أخذت الكثير ولكن ما زال في جعبة السوريين أكثر. وليست هذه الحرب الأولى على سورية وشعبها، وقد لا تكون الأخيرة، ولكن السوريين انتصروا، فالشعب الذي صمد أمام أكثر من مئة دولة، وتحمّل الحصار والتدمير، يمكنه النهوض بالتأكيد. و«مضافة وطن» اليوم ترسل إلى كلّ محبّي سورية رسائل محبة، والدعوة مفتوحة للجميع لطرح الأفكار والعمل على تنفيذها، فزراعة الأشجار هي عمل وطني وتنظيف الشوارع والمدن وتزيينها هو عمل وطني، ودعم أسر الشهداء والجرحى هو عمل وطني، والدفاع عن الوطن هو واجب أخلاقي وإنساني ولا يحتاج المقاوم إلى شهادة تقدير أو شكر، لأنّ مَن يدافع عن وطنه يدافع عن الناس جميعاً.
إنّ سورية ولّادة وستبقى كذلك… ونحن اليوم لن ننتظر من أعداء سورية رفع راية الاستسلام، ولكننا نحن السوريين من سيرفع رايات النصر.