نصرالله وتضييق الخناق
روزانا رمّال
قد لا يحمل كلام نصرالله جديداً أو مفاجأة بالنسبة لتل أبيب لناحية استعداد حزب الله وجهوزيته للدخول في أي حرب تفرض عليه، خصوصاً بعد ما سرّب قبل يوم من أجواء الحديث لصحف عربية عن اعتقاد نصرالله أن «إسرائيل» لن تقدم على حرب حالياً مهما قيل عن أنها قد تعمل على استغلال سحب الغطاء العربي – الخليجي عن «حزب الله» واعتباره منظمة إرهابية، لكن وعلى الرغم من كل هذا وصفت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» مستوى الكلام «بالقفزة الكاملة».
القفزة الكاملة التي جاءت في خطاب نصرالله تتجسّد في منطق ساد المقابلة ظهر فيه مستعداً بشكل غير مسبوق لكشف ما تمّ ستره لسنوات في بعض المحطات وكواليس لقاءات وتحليل أبعاد خطوات تمّ التغاضي عنها، عندما كان في ذلك مصلحة أساسية فطغت الثقة الكاملة على الحديث وإمكانية إرسال كل ما يفيد بأن بالنسبة لحزب الله كل الأمور تحت السيطرة وهو غير خاضع لا للابتزاز ولا بوارد التراجع رغم كل الظروف.
يلفت سعي نصرالله إلى تضييق الخناق أمام «الإسرائيليين» أكثر من مرة وكشفهم أمام ما لم يكن وارداً أن يتحدث فيه قبل عام 2000 وصولاً إلى عام 2006، رغم كل ما حكي حينها عن دور عربي في الضغط على «إسرائيل» لعدم إيقاف الحرب والتحريض على الحزب فقد تطرّق لأول مرة لما من شأنه أن يفسر اعتبارات وجودية للكيان «الإسرائيلي» كاشفاً عن تساؤلات عرضها مع نفسه تضع الإصبع حول أسباب الشعور «الإسرائيلي» بالأمان والاطمئنان وكيف يوظف ذلك في فرد على مساحة كبيرة من الكيان مخازن بتروكيميائية ومصانع ذات طابع بيولوجي، مفاعلات نووية، ومستودعات لما يبقى من النووي، ومستودعات لرؤوس نووية، وغيرها مما يمكن أن يلعب دوراً خطيراً في أي حرب قد تندلع مع العرب وإذ بنصرالله يأخذ المعنيين نحو اتهام مباشر لتواطؤ عربي في ضمان أمن «إسرائيل» منذ زمن بعيد أو منذ تأسيس الكيان.
هجوم نصرالله على النظام السعودي واعتباره مسانداً وممولاً للإرهاب ومعطلاً للحلول السياسي ومجرماً في اليمن، يعني انه لا يجب استبعاد تورطها في تقديم ضمانات أمنية لـ«إسرائيل» منذ فترة بعيدة وهنا فإن نصرالله يضع بعض الأنظمة الخليجية في الخانة نفسها من دون أي حاجة لمراعاة من هنا أو هناك.
ضمن تضييق الخيارات ولأول مرة يطرح نصرالله ملفاً أمنياً أساسياً أمام اللبنانيين ويتحدث عن انتهاكات «إسرائيل» للأجواء اللبنانية ويعد بأن ذلك الأمر سيتم نقاشه، لأن هذا غير مسموح وتعتبره قيادة المقاومة تحضيراً لحرب، أي أن كل طلعة «إسرائيلية» هي بمثابة طلعة تجسس وتدريب خدمة لاعتداء مقبل بلا شك على لبنان. يتقدّم نصرالله خطوة جديدة ومتقدمة نحو حفظ سيادة لبنان وأمنه ويرفع سقف ما كان غير متوقع عند الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» التي اعتادت على استباحة الأجواء اللبنانية لأكثر من 25 عاماً، وإذا كان الملف قد تمّ التغاضي عنه سابقاً فإن ذلك لن يدوم وسيعتبر واحداً من الخروق «الإسرائيلية» التي تحتم على حزب الله التصرف بما يتناسب. يخرج حزب الله بعد خمس سنوات من حرب دامية ليعلي من سقف شروطه مستقبلاً في تحوّل كبير يشرح عناوين مرحلة مقبلة تصبّ في خانة أهدافه وإنجازاته.
نصرالله الذي أسهب بإرسال إشارات عن كواليس بعض الماضي وخبأ الكثير منه يقول للعرب المهتمين إن أي ضغط منكم على «إسرائيل» غير مجدٍ، فهي لا تتحرك إلا إذا كان هناك مصلحة مباشرة لها أو بطلب أميركي على غرار حرب تموز، فيكشف أسباب تراجع الضغط العسكري على سوريا في العملية العسكرية السعودية التركية المشتركة المدعومة من العدو التي تمّ غض النظر عنها فجأة.
بدا نصرالله متحمساً للحديث عن بعض المستور حيناً ومتحفظاً أحياناً، عندما كاد يتعلق الأمر بالداخل اللبناني وبعض العرب، لكنه لم يتراجع عن تعزيز ما تعرفه «إسرائيل» عن انكشافها الأمني أمامه هذه المرة بالإثبات والدلائل بحديثه عما يتم ستره عادة في ما يتعلق بمراكز البحوث العلمية، وما تملكه من مواد محرمة دولياً وغيرها إثبات ذلك بالدلائل والإشارات، فأكد متابعة حزبه الدقيقة لأماكنها وكل ما يطرأ من تطورات وتحديثات وغيرها باعتبار أن تهديده السابق لا يقتصر على الأمونيا فحسب، بل على كل ما يعادلها مما يعرف عنه حزب الله الوافر لإتمام الغرض.
يرفع نصرالله سقف حضور حزبه أمنياً واستخبارياً من جهة ويرفع أيضاً سقف تحليلاته سياسياً، مؤكداً أن مرحلة بأكملها طويت وأن الحل السياسي بات هدف الكل فالأميركي والأوروبي يتحدث بقناعة عن ضرورة الحل وبيقين أن بديل الأسد سيكون داعش والنصرة، وبالرغم من اعتبار نصرالله أن واشنطن ترغب من الحل ما يحقق مصالحها، فإن هذا لا يعني تجاهل هذه القناعة الغربية، وروسيا انسحبت بشكل جزئي خدمة لهذا الحل.
نصرالله يؤكد ضيق الهوامش «الإسرائيلية»، لكنه يرسل بشكل مباشر ما هو مطلوب برسالة فيها الكثير من التلميح والإشارات بأنه لا يوجد اعتقاد لدى الحزب أن «إسرائيل» بوارد حرب حالياً ونحن كحزب الله لا نريدها أيضاً فلا تستفزونا رغم استعدادنا إذا وقعت حتى لو كان الزمن اليوم هو بداية دبلوماسية جدية في المنطقة.