جامعة الدول العربيّة وكر للمعوّقين
الياس عشي
رأت مدرّسة لذوي العاهات أن تصطحب بعض الصبية إلى «السيرك»، وكان بعضهم من العميان، والبعض الآخر من الصمّ. ولدى عودتهم سألت المعلمة عن انطباعاتهم، فقال صبيّ أعمى:
«استمتعت جدّاً، وإن آسف لشيء فلأولئك الصبية المصابين بالصمّ الذين لم يستطيعوا سماع جوقة الموسيقى وهي تعزف، والسباع وهي تزأر، والجماهير وهي تصفّق بل إنّهم لم يسمعوا حتّى صوت الفيلة وهي تنادي بعضها البعض».
رأت هذه المدرّسة أن تنقل تجربتها الناجحة هذه إلى مدرسة أخرى تهتمّ بذوي الاحتياجات الخاصة وبعد لأي اختيرت لجامعة الدول العربية، المدرسة «العريقة» في هذا النوع من «الاختصاصات» ولم يمضِ يومان حتى كانت في القاهرة، وفي مبنى الجامعة تحديداً، ومع ديبلوماسيين عرب «صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون».
كانت مَهمّتها واضحة، اصطحاب «سعادة» السفراء إلى مكان ما يختارونه هم لينقلوا مشاهداتهم وانطباعاتهم خلال يوم كامل من التجربة الميدانية. وعندما سألتهم عن مكان يختارونه كان جوابهم واحداً: «نريد الذهاب إلى السيرك، والاستمتاع برؤية الأسهم النارية».
أدركت المدرّسة للتوّ، وهي الخبيرة بعقول المعوّقين، أنّهم يطالبون بالتوجّه إلى غزّةَ، القطاع الذي جمع في كفن واحد دموع الأمهات وابتساماتهنّ، القطاع المعتقل الذي لا جدران له، ولا سقف، حتّى ولا ملجأ يخبئون فيه أطفالهم عندما تبدأ مواسم الصيد اليهوديّة .
تصوّروا هذا المشهد: مئات القتلى، وألوف الجرحى، وما زالت جامعة الدول العربية بممثليها الصمّ البكم العمي، تعتقد أنّ ما يحصل في غزّة ليس أكثر من سيرك، وأنّ الغارات «الإسرائيلية» برّاً وبحراً وجوّاً هي أسهم نارية غايتها إدخال البهجة إلى قلوب الأطفال الغزّاويّين وأمهاتهم وآبائهم! وإلاّ كيف نفسّر هذا التواطؤ المرعب والمهين والرخيص على فلسطين وشعبها ومقاومتها، وعلى كلّ من وقف في وجه «إسرائيل» رافضاً وممانعاً ومصرّاً على الموت بكرامة؟ فعلها العرب في حرب تمّوز، وهم يفعلونها الآن وبأسلوب أكثر وقاحة! إنّهم يتقاتلون على أرضها. لم تكفهم سورية ولا العراق. الآن يريدون رأس يوحنا .
استجابت المعلّمة لسعادة السفراء ونقلتهم بطائرة تابعة لجمعية حقوق المعوّقين، إلى غزّة. وبعدما قضوا يوماً كاملاً، عادوا فرحين إلى أروقة الجامعة، وسجّلوا الانطباع الآتي:
«استمتعنا جدّاً، وإن كنّا آسفين لشيء فلأولئك الصبية الذين يدفنون بلا كفن ومن واجبنا «القومي»، نحن العربَ، أن نؤمن لهم أكفاناً تليق بهم».