خلافات المحاور الإقليميّة تشجع الكيان «الإسرائيلي» على حربه ضدّ غزة
حسام زيدان
تستمرّ الحرب الهمجيّة التي يشنّها كيان الاحتلال «الإسرائيلي» على قطاع غزة والضفة الغربية وفلسطينيي 48، من دون أن ينتبه كثر من الفلسطينيين والعرب إلى أننا في حرب حقيقية، وأن الذين يستشهدون في غزة هم بشر مثلنا لهم عائلات تفجع بموتهم! يجب أن نعي أن لهؤلاء الشهداء حقاً في الحياة، بشكل متساو مع أي منّا، وأن غزة الفقيرة لا تفرق بين الموت بصاروخ من طائرة أو الموت على سرير مستشفى، فيما نحن مكبّلون لا نستطيع إلا أن نكتب لهم الشعر الركيك على صفحات «فيسبوك»، ولا ندرك أنها حرب ضد شعب بأسره، حرب تشمل الهوية الفلسطينية في الضفة الغربية ومناطق فلسطين عام 1948، فيما ينتشر الطاعون الأميركي و«الإسرائيلي» في ظلّ الخلافات العربية، مستغلاً كون سكان غزة بأطفالها وشيوخها ومقاوميها ونسائها من حماس، الفرع الفلسطيني لـ«الإخوان المسلمين»، ما جعل الشعوب العربية تطلق للمرة الأولى عبر التاريخ استهتارها الواضح بما يحصل في فلسطين، إلاّ من رحم ربي. وبهذا المشهد يكمل الكيان «الإسرائيلي» حربه في ظل استعار الخلاف بين المحاور الإقليمية التي لا همّ لها سوى إعادة ترتيب توازناتها الإقليمية والعربية على حساب دماء الشعب الفلسطيني، وهذه المحاور تختصر بالمحور الأول الذي يضم مصر والإمارات والسعودية وهو يحاول تصوير الحرب في فلسطين على أنها معركة لحماس، وأنها تصب في خدمة العدو المشترك لهذا المحور أي «الإخوان المسلمين». لذا، لا مشكلة لدى هذا المحور وهو مستعد للتحالف مع الكيان «الإسرائيلي»، لإنهاء المقاومة الفلسطينية في غزة وحتى في الضفة الغربية، متوسّلاً عداء واضحاً لـ«الإخوان المسلمين» كمبرر جاهز أمام شعوبهم، ما يجعل نتنياهو وحكومته يمضيان في الحرب ضد غزة ويوسعان رقعتها.
أما المحور الثاني فيختصر بالتحالف القطري- التركي، وهو ذو خصوصية لارتباطه الجدلي بالكيان «الإسرائيلي»، وينظر إلى الحرب المفروضة على فلسطين من زاوية التحالف القوي بينه وبين «الإخوان المسلمين»، ويستغل تحالفه مع «الإخوان» لمواجهة المحور السعودي، مستغلاً الحرب على غزة، لاستمرار الحرب الخفيّة بينه وبين المحور السعودي في الملفّين السوري والمصري، وليقول لشعبه إن علاقته بالكيان «الإسرائيلي» تفيد في وقف الحرب على فلسطين!
في المقابل، يختلف مع هذين المحورين الثالث، أي محور المقاومة الممتد من طهران إلى دمشق، مروراً بالضاحية الجنوبية في بيروت، إلى فلسطين، والذي يرى أن المعركة معركته وأن المقاومة دين يدان بها، بعيد عن أي خلافات مرحلية مع تنظيمات سياسية، كون القضية الفلسطينية هي القضية المركزية له. وهو يعلم أن الحرب على فلسطين هي الحرب الأصعب، ولن يسمح بكسر المقاومة فيها، والدليل الأسلحة النوعية التي تستخدمها المقاومة والتي يفتخر محور المقاومة بأنه من زودها إيّاها.
المشكلة في ما يخص الحرب على فلسطين لا تكمن في انقسام العرب إلى محاور، فمنذ بداية القرن الماضي وفي القضايا الكبرى والعرب منقسمون على أنفسهم، لكن الخلل الأكبر الذي لا يتعظ العرب منه، هو كيف يفيدون من هذا الانقسام في تحقيق مصالحهم الاستراتيجية لمصلحة القضايا المركزية. كذلك يتحمل الشعب الفلسطيني جزءاً من المسؤولية، إذ تنعدم لدينا نحن الفلسطينيين وجود قيادة حقيقية فعلية، وننقسم محورين أيضا، ولا نلجأ إلى استراتيجية عرفات وتكتيكاته السياسية من خلال اللعب على المحاور، والإفادة من تناقضاتها وعدم الانضمام إلى أي منها، مهما تكن الظروف، إذ أصبحنا مؤطرين ضمن هذه المحاور والأبعد عن فلسطين.
الأكثر ألماً أننا لم ننطلق لتوحيد الصف الفلسطيني والمشاركة الفعلية في مواجهة العدو، فالسلطة الوطنية وضعت جميع أوراقها في سلة الأميركي وتحالفت مع المحور الأول، فشعر الشارع الفلسطيني المحتقن أصلاً بأن ثمة تحالفاً مع الكيان «الإسرائيلي» في هذه الحرب، كون السلطة تشعر بوخز الانقلاب الذي مارسته حماس قبل سنين في غزة، بينما تتحرك حماس في كسب الرأي العام الفلسطيني والعربي من خلال المواجهة، بينما أوراقها السياسية جميعاً في يد المحور الثاني. أما باقي الفصائل فتلتزم ببرنامجها الوطني المتوافق مع المحور الثالث في المواجهة، بعيداً عن التجاذبات السياسية العربية والدولية.
هذا ما تثبته المواجهة العسكرية للتصعيد الذي يمارسه الكيان، تحديداً بعد معركة الشجاعية في غزة والمجزرة التي ارتكبت فيه، ما يدلّ على صوابية خيار الفصائل مع المحور الثالث، عقب هزيمة الكيان في معركة الشجاعية. فيما يراهن قسم كبير من الفلسطينيين على أن تدفع المجازر التي ترتكب في حق المدنيين في غزة الرئيس عباس القابع في مقاطعته المحاصرة في رام الله، وفي الحد الأدنى، إلى توقيع معاهدة المحكمة الدولية، إن لم نقل حل السلطة الفلسطينية والدعوة إلى المقاومة في الضفة الغربية، وأن يعلن أنه سيذهب إلى غزة كي يتقاسم مع شعبها الصمود أمام العدوان والحرب، مع قيام فتح الثورة بدعم الحرب في الضفة الغربية كي تتحوّل إلى حرب تحرير حقيقية.
هنا على الشعب الفلسطيني إن عاد أبو مازن إلى أي مفاوضات أن يضربه بأحذية الكون كلها، وأن يخرجه مجبراً من المقاطعة، وأن ندفع الشعب الفلسطيني إلى الوحدة من خلال البندقية والمقاومة، بجميع تشكيلاته وأطيافه الأيديولوجية، وأن تنتقل المعركة الحقيقة إلى الضفة الغربية، كون العدو يحاول توسيع الاستيطان هناك، وقضم مساحات من الأراضي.