دور المرأة في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية ـ المرأة الإيرانية نموذجاً
د. محمد شعيتاني
إنّ قضية المرأة هي قضية كلّ مجتمع في القديم والحديث، فالمرأة تشكل نصف المجتمع من حيث العدد، وأجمل ما في المجتمع من حيث العواطف، وأعقد ما في المجتمع من حيث المشكلات، ومن ثم كان من واجب المفكرين أن يفكروا فيها على أنها قضية المجتمع، أكثر مما يفكر أكثر الرجال فيها على أنها قضية جنس متمّم أو مبهج.
وقد تميّز عصرنا هذا بمميّزات منها أنه عصر الدعاية، فللدعاية تأثير كبير على تفكيرنا واتجاهاتنا وإقبالنا على الشيء أو إعراضنا عنه، وقد لعبت الدعاية في قضية المرأة دوراً في تبلبل الآراء وتشتّت الأهواء وتغطية وجه الحق السمح المنير.
إذ مثلت قضية المرأة سؤالاً كبيراً يطرحه النموذج المعرفي الغربي على أمم الأرض كافة، وعلى الأنساق الثقافية الموجودة في العالم اليوم، وفي مقدّمتها النسق المعرفي الإسلامي في محاولة من النموذج الغربي لإحراج الأنساق الثقافية الأخرى، ودفعها للإحساس بالدونية تجاهه، والاستعداد عن خصوصياتها لصالح خصوصيات وتعاليم النموذج الغربي الذي نراه اليوم يضيق ذرعاً بسائر الأنساق الأخرى التي تساعد على احتفاظ الأمم بخصوصيات لا يستطيع النموذج العلماني التفكيكي تذويبها أو القضاء عليها.
ولقد حظي الإسلام بنصيب الأسد من هجمات الغرب واتهاماته انطلاقاً من موقفه من قضية المرأة، وكيلت له كلّ الأوصاف الرجعية التي اشتملت عليها القواميس الغربية بجميع اللغات الأوروبية والأميركية.
رداً على هذه الهجمات المعادية للإسلام، جاءت هذه الدراسة لتكون كفيلة بأن تعيد للمرأة المسلمة ثقتها بدينها واعتزازها بهويتها، فليس كالإسلام نظام أو منهج أعطى للمرأة من الحقوق ما يحفظ لها كلّ أنواع كرامتها وتكريمها، وليس كمثله نظام أو منهج ألزم المرأة بالواجبات التي تستقيم معها الحياة الإنسانية في أكرم صورة وأرضاها لله، فكان ذلك شرفاً لها وتشريفاً، إذ لا تتبيّن مكانة الإنسان، رجلاً أو امرأة، ولا يعرف على وجه الدقة مكانة في الحياة ومكانته، ولا يبلغ بحال درجة التكريم التي كرّمه بها ربه سبحانه وتعالى إلا إذا كانت له حقوق فتمسك بها، وكانت عليه واجبات فالتزم بأدائها.
فنموذج المرأة الإيرانية، نموذج حيّ أثبت جدارة المرأة وقدرتها على تحمّل المسؤولية، وقدّم الردّ الرادع إلى كلّ من اتهم المرأة بالنقصان، أو حجابها بأنه عائق يحول دون تحرّرها ومساهمتها مساهمة فعلية في مجتمعها.
ومن الجدير بالذكر أنّ المرأة الإيرانية تتمتع بقوة شخصية، وصلابة موقف، وقدرة على تحمّل الصعاب مما جعلها تتبوأ مكانة مرموقة في مجتمعها الجديد، فهي المعلمة والطبيبة والمهندسة والمقاومة والمحاربة، وهي أيضاً البرلمانية والصحافية والممثلة والرسامة والحرفية، وهي بعد كلّ ذلك بطلة رياضية تنافس مثيلاتها من الشعوب الأخرى بخصوصيتها وظهورها وفق تعالم الدين الإسلامي بشكل محتشم لا يعيقها عن أداء أيّ دور في المجتمع، وتتطلع المرأة الإيرانية لتحقيق ما تصبو إليه من مكاسب وحريات وفرص لإبراز إبداعها وقدراتها في مجتمع كبير تعداده ثمانون مليون نسمة وتتجاذبه منظومتان فكريتان في الإطار الإٍسلامي أولاهما: متشدّدة تدعو إلى التقييد وإلزام المرأة للبيت، ومنعها من القيام ببعض الأمور، والثانية: معتدلة تدعو إلى الانفتاح واستثمار طاقة المرأة مع الحفاظ على هويتها وأخلاقها الإسلامية… وتنظر كلّ المحاور والأقطاب السياسية والفكرية داخل وخارج إيران إلى المرأة باعتبارها عاملاً مؤثراً وأساسياً في أيّ محاولات قادمة أو معارك فكرية حاسمة في المستقبل.
شخصية المرأة الإيرانية ودورها في التنمية
بالرغم من مضيّ قرون عديدة على تحجيم دور المرأة الطليعي في الحياة، وتقليص مهامها الكبرى لتتحدّد في إطار المسؤولية الزوجية والمنزلية فحسب.
انطلقت محاولات خيّرة في العقود الأخيرة تطالب بإعادة إدماج المرأة المسلمة إلى الساحة لتأخذ حجمها الطبيعي في المسيرة الحياتية، جنباً إلى جنب شقيقها الرجل مستفيدة من المعين الإسلامي الفياض الذي لم يكن ليبخس للمرأة حقاً.
وقد برزت المرأة الإيرانية لاستعادة هذا الدور المعطل، لتساهم مساهمة فعّالة في البناء والتطوّر الذي تشهده الجمهورية الإيرانية الإسلامية.
لقد استعرض الرئيس الإيراني في كلمة ألقاها في ملتقى المشاركة والتخطيط لشؤون النساء، المكانة المتميزّة للمرأة الإيرانية وحقوقها العادلة في مختلف مجالات الحياة، مؤكداً الدور الملقى على عاتق المرأة في المجتمع المعاصر.
وتساءل الرئيس الإيراني قائلاً: أيّ مكانة أفضل من مكانة الأمّ في عالم الوجود، وأعتقد بأننا لا يمكننا أن نجد في عالم الوجود دوراً موازياً لدور الأمّ من الناحية العاطفية والقيمية، وحتى من الناحية الاقتصادية والسياسية، وعلينا أن نوفر الأرضية المناسبة من أجل أن تكون الأمّ عالمة ومربية أجيال.
وأضاف أنّ النساء اللواتي يعملن في البيوت، يجب ألا يفكرن بأنهن أقلّ مكانة من النساء اللاتي يعملن خارج البيوت. مشيراً إلى انه لا فرق بين المرأة العاملة والمرأة غير العاملة وينبغي علينا توفير الظروف المناسبة لنمو الشخصية الاجتماعية والثقافية للمرأة غير العاملة.
والمرأة المسلمة في ظلّ الجمهورية الإسلامية تبذل قصارى جهدها لإزالة الموانع غير الشرعية عن طريقها، لتشارك في عملية التنمية التي تشمل كلّ المستلزمات الحضارية على المستوى العلمي والثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي وما إلى ذلك.
وقد أثبتت جدارتها في كلّ المواقع التي تساوت الفرص فيها بينها وبين الرجل.
والجمهورية الإيرانية تحترم شخصية المرأة، وتدعم حضورها في كافة الساحات، وفي جميع الشؤون الاجتماعية وتعتبره ضرورياً. وقد أكد، على دور المرأة الإيرانية مشيراً إلى الحضور الفاعل لها في جميع المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية.
واعتبرت سائحة أميركية زارت المعالم التاريخية في إيران، أن المرأة الإيرانية قدوة مناسبة لجميع نساء العالم.
وقالت الدكتورة الإيرانية فيكامسيني: لقد رأيت بعد تجوالي في المدن الإيرانية بأنّ النساء الإيرانيات يعملن في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية إلى جانب الرجال، مضيفة: إنّ اهتمام الحكومة الإيرانية بالمرأة أدّى لأن تكون للنساء مشاركة فاعلة في مختلف الميادين.
إنّ الأرقام والإحصائيات تشير إلى أنّ النساء في إيران يتمتعن بمكانة مرموقة حيث بإمكانهن ارتقاء أفضل المناصب، فمنهن من تعمل مستشاراً لرئيس الجمهورية ومستشاراً لرئيس السلطة التشريعية كما يوجد في مجلس الشورى الإسلامي عدة نائبات، وهي مشاركة في الحكومة.
إنّ الدستور الإيراني ينصّ في المادة 5/20 على حماية القانون لجميع أفراد الشعب نساء أو رجالا بصورة متساوية وهن يتمتعن بجميع الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ضمن الموازين الإسلامية.
كما ينص الدستور على أنّ الحكومة مسؤولة في إطار الإسلام على تأمين حقوق المرأة في كلّ المجالات وعلى الحكومة القيام بما يلي:
1- إيجاد الظروف المناسبة المساعدة لتكامل شخصية المرأة وإحياء حقوقها المادية والمعنوية.
2- حماية الأمهات لا سيما في مرحلة الحمل وحضانة الطفل ورعاية الأطفال الذين لا عائل لهم.
3- إيجاد المحكمة الصالحة للحفاظ على كيان الأسرة واستمرار بقائها.
4- توفير تأمين خاص للأرامل والنساء العجائز وفاقدات العائل.
5- إعطاء الأمهات الصالحات المسؤولية عن أولادهن عند فقدانهم الولي الشرعي من اجل رعايتهم.
وحول مسألة فرض الحجاب في إيران قالت صحيفة «سالزيوغر» النمساوية إنّ الغرب ظلّ لعشرين عاماً يعتبر الحجاب كعلامة ضغط على المرأة الإيرانية، ولكن هذا الأمر جعلنا ننسى أنّ المرأة الإيرانية تتمتع بحقوق كاملة.
وأضافت الصحيفة: إنّ المرأة الإيرانية مقارنة بالمرأة في بقية الدول الإسلامية تحظى بالمزيد من الحريات، فالمرأة الإيرانية يمكنها أن تعمل في الجهاز الإداري أو كنائبة في مجلس الشورى الإسلامي.
وأردفت الصحيفة: القوانين الإيرانية أتاحت للمرأة فرصاً كثيرة للمشاركة في المشاغل العامة، ومنذ أن سادت إيران القوانين الدينية، بات الآباء يسمحون لبناتهم والأزواج لزوجاتهم بالمشاركة في الأوساط العامة.
إنّ ارتداء الحجاب ليس قانوناً في الجمهورية الإسلامية الإيرانية فحسب وإنما هو قانون قرآني رباني، وقد شرّع هذا القانون في إيران امتثالاً لتعاليم القرآن الكريم، والحكومة لا تتدخل في الشؤون العائلية داخل البيوت، فبعض النساء لا يعتقدن بوجوب الحجاب ولا يرتدينه أمام الأجانب في بيوتهن، ولا أحد يراقبهن في ذلك أو يحاسبهن، أما عند خروجهن إلى الشارع والأماكن العامة فإنّ قانون الحجاب يجب أن يُحترم ويُنفذ كما تُنفذ قوانين المرور والسير.
وكتبت صحيفة «كازاخستانسكايا براودا» التي تصدر في العاصمة الكازاخستانية الماتا «انّ الحجاب بالنسبة للمرأة الإيرانية يعتبر رداءً دينياً وشعبياً وتقليدياً».
وصرّحت هذه الصحيفة بأنّ المرأة الإيرانية المسلمة كانت ملتزمة بالحجاب وعاشت معه على مرور الأيام، والنساء الإيرانيات يعتقدن بأنّ ارتداء الحجاب يجعل الناس يحترمون شخصياتهن بالشكل الذي يليق بمكانتهن ومنزلتهن.
أنّ محاكم الجمهورية الإسلامية تضمّ حالياً نساء يعملن في المجال القضائي، ويلعبن دوراً مؤثراً لا سيما في متابعة وإصدار الأحكام بشأن الملفات المتعلقة بالنساء.
السلطة القضائية في إيران اليوم تضمّ نساء يعملن في السلك القضائي وإصدار الأحكام، تعدّ هذه القضية خطوة أساسية في طريق رفع المكانة القضائية للمرأة في الجمهورية الإسلامية، ونهوض القضاة من النساء بأداء دور أساسي في إصدار الأحكام القضائية.
المشاركة السياسية
تعتبر المرأة مدخلاً رئيساً لأيّ تغيير اجتماعي وفكري وثقافي في أيّ مجتمع، فهي بحسب ما لديها من قدرات فائقة في إقامة علاقات وطيدة مع كلّ شرائح النسيج الاجتماعي، تستطيع بملكاتها الفطرية والعاطفية أن تكون عنصراً مؤثراً، وبداية هادئة لأي عملية تغيير فكري… ولقد حرصت كلّ حركات التغيير أن تجعل المرأة ضمن أولوياتها وأدواتها الأساسية لغرس ونشر قيمها وأفكارها.. وتتحوّل موضوعات وقضايا المرأة في المجتمعات التقليدية – ومنها العربية والإسلامية – إلى إشكالية اجتماعية وفكرية وثقافية، لحساسية تناول شؤونها في الموروث الفكري، وتشتّتها بين التيارات المحافظة والتيارات المتحرّرة… والنظر إليها كتابع يتبع الأصل ويرتبط بقيم الكرامة والعرض والشرف. وفي عام 1979 حين ولدت الثورة الإيرانية وبدأ فجرها كانت المرأة الإيرانية ضمن الصفوف الأولى التي عملت قبل الثورة… وأثناءها… وساهمت في انتصاراتها الأولى… ثم ما لبثت أن شاركت الرجل في الحروب مقدّمة كثيراً من التضحيات، حتى إذا ما سكتت طبول الحرب التفتت إلى قضايا التنمية بكلّ مجالاتها المتعدّدة. ولقد استطاعت الثورة الإيرانية بما طرحته من مفاهيم إسلامية تدعو إلى المحافظة والحشمة والعفة إلى استثمار طاقة المرأة وتشجيع الأسر على زجّ بناتهن في حقول التعليم والوظائف العامة بشكل يدعو إلى الاطمئنان، كما عمدت الثورة إلى توفير حالة لا بأس بها من الحرية للمرأة الإيرانية، الأمر الذي أوصلها إلى عضوية البرلمان، وعمادة الجامعة، ورئاسة تحرير عدة صحف، بل وتعمل المرأة مراكز قيادية.
للمرأة الإيرانية دور بارز في مسيرة التنمية على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والفضل في ذلك يرجع إلى توجيهات الإمام الخميني، الذي دعا إلى استثمار طاقة المرأة وفتح المجال أمام إبداعها، فشاركت الرجل الإيراني انتصارات الثورة منذ البداية، وخرجت إلى التظاهرات حاضنة طفلها الرضيع، وانضمّت إلى صفوف الجيش تشارك في الحرب الإيرانية، ثم ساهمت ولا زالت في مرحلة الإعمار والبناء بعد مرحلة الحرب، إنّ هذا الدور لم يكن للمرأة إمكانية القيام به لو أنّ الأمر استمرّ على ما كان قبل الثورة حيث كانت الحرية الفردية الغربية هي التي تسود حال المجتمع، ولم تكن الظروف الاجتماعية والفكرية تشجع الأسر لفتح مجال المشاركة لبناتهن في العمل العام بحرية، بعكس ما هو الأمر في الوضع الراهن، والذي من ثماره أنّ البرلمان الإيراني يشارك فيه أكثر من أربع عشرة نائبة، وهو يتزايد في كلّ دورة انتخابية، كما أنّ انتخابات البلديات أفرزت عدداً كبيراً في المجالس البلدية في إيران… وهذا يدل على أنّ وضع المرأة في المشاركة في بناء المجتمع وضع مطمئن ومشجع.
الفضل في ذلك يعود إلى ما أحدثته الثورة من تغييرات في الفكر والثقافة والتعليم شجع المرأة من قبل كافة تيارات اليمين واليسار للاشتراك في كلّ المجالات في بناء وخدمة المجتمع. والمرأة في إيران وصلت إلى البرلمان، وإلى منصب مساعد رئيس الجهورية، ورئيس جامعة، وهذا الوضع لم يكن قبل الثورة.
الوعي لدى المرأة الإيرانية في تزايد، وهي تدرك أهمية اشتراكها في صناعة القرار بالشأن الإيراني.
ولا بدّ من الإشارة في البداية إلى أنّ الشعب الإيراني مارس حريته التامة في اختيار ممثليه ونوابه من الرجال والنساء، وأرى أنّ تجربة دخول المرأة الإيرانية للبرلمان تجربة إيجابية، فالبرلمانيات يمارسن دوراً مؤثراً، وغالباً ما يكون تأثيرهن أكثر من الرجال، وبعضهن قام بتأسيس مؤسسات حكومية وأهلية للقيام بأنشطة أخرى خارج قبة البرلمان، كما تعمل البرلمانيات بإصرار نحو إعطاء المرأة حقوقًا أكثر، وحريات أوسع رغم وجود أصوات معارضة لذلك من بعض الرجال.
حرية التعبير والرأي
ومعلوم أنه ليس هناك من الناحية الشرعية ما يحول دون مشاركة المراة في الحقول السياسية والإدارية والاجتماعية، ولا يحرم الإسلام المراة من تبوؤ موقع سياسي او إداري رفيع المستوى، وذلك على أساس كفاءتها وجدارتها في القيام بالمسؤولية خير قيام.
انّ الكفاءة هي الملاك في توزيع المسؤوليات الاجتماعية والسياسية في ظلّ حكومة أسلامية، وانّ جدارة المرأة الإيرانية اليوم أكبر من موقعها الفعلي، لذلك يجب إعطاء الفرصة للنساء ليتحقق لهنّ حضور أوسع على المستوى الإداري.
ومن غير المعقول في العصر الراهن تعطيل قدرات المراة وتجميد مواهبها وتنحيتها عن مجال المساهمة في تقدّم الوطن وخدمة المجتمع، على الأخذ بعين الاعتبار جميع الظروف والعوامل التي تساعد على عدم الإضرار بوظيفتها الاولى ودورها الطبيعي في الأسرة.
إنّ المشاركة الشاملة لجميع شرائح المجتمع في نظام تكاملي إنساني هي من خصائص التنمية المستقرة، وانّ حق التمتع بالحياة الاجتماعية والسياسية والاستفادة من الحقوق الاقتصادية هو مصداق آخر من مصاديق هذه التنمية، وأهمية الحضور النسائي في كافة مناحي الحياة والدور المحوري لهن في أبعاد التنمية المختلفة، فتوجه المرأة للنشاطات الاجتماعية وسعيها الدؤوب في هذا المجال سجل نمواً ملحوظاً وفريداً بعد انتصار الثورة الإيرانية.
وفي هذا الإطار كانت المشاركة النسوية في الانتخابات الرئاسية الإيرانية كبيرة وفاعلة إلى درجة أثارت إعجاب المراقبين والمراسلين الذين راقبوا عن كثب سير العملية الانتخابية في إيران، وشاهدوا صفوف النساء والفتيات الناخبات وهن يدلين بأصواتهن بكلّ ثقة واعتزاز.
وحين سال أحد المراسلين فتاة قرب أحد صناديق الاقتراع: الشباب أمثالك يقولون نحن نريد الحصول على الحرية من وراء مشاركتنا فما رأيك؟ أجابته الفتاة: الحرية موجودة في إيران وأنا أشارك في الانتخابات للإسهام بدوري في تقرير مصير بلادي.
ومراسلة شبكة CNN الأميركية كريستين امانيور وجهت سؤالاً إلى إحدى الفتيات الشابات حول سبب مشاركتها في الانتخابات، فأجابت قائلة: إنّ شأني كشأن جميع النساء والرجال في إيران يدفعنا الحرص على مستقبل بلدنا.
اما السيدة بيشهت مراسلة وكالة الأنباء الدانماركية التي جاءت لتغطية الانتخابات الرئاسية قالت: انّ ما لفت نظري هو الإقبال الواسع للشباب على الإدلاء بالأصوات، ومن خلال حواري مع هؤلاء الشباب أدركت انهم يتمتعون بوعي سياسي وثقافي أعلى من نظرائهم في سائر دول العالم.
ويؤكد الدكتور لاريجاني قائلاً: لقد قمنا ومنذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران بإنتاج خطة من ثلاث مراحل وهي: رفع المستوى الدراسي للمرأة، وسنّ قولنين تسهّل عملية مشاركة المرأة في المجتمع، وكذلك رفع مستوى وعيها الثقافي والاجتماعي حيث حققت نجاحات كبيرة في هذه المجالات ولا زالت تسلك الطريق نحو التقدّم.
ومن الواضح أنّ المرأة الإيرانية تميل إلى تيار الانفتاح حيث كانت أصوات المرأة هي الأكثر ضمن إجمالي ما حصل عليه في الانتخابات الأخيرة.
وتشير الكاتبة منى كمال إلى دور المرأة الإيرانية الفاعل في عملية الثورة على النظام الفاسد والسعي لإسقاطه والدليل على ذلك دور المرأة الإيرانية المحجّبة المشهود في زعزعة النظام الشاهنشاهي المدحور.
وهكذا فإنّ المرأة عند تمسكها بالايديولوجية الاسلامية لا تصبح امرأة هامشية مستلبة بل يكون لها موقع مؤثر في الواقع السياسي والاجتماعي، في حين تحوّلها الأفكار المتحجرة الى طاقة خاوية وموهبة معزولة.
الميادين الثقافية
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ونظراً للأهمية الكبرى التي يوليها النظام الإسلامي للقضايا الثقافية، وبنظرة سريعة إلى دور المرأة الثقافي على الأصعدة المختلفة، ومن بينها الإطار التعليمي والإداري والتنفيذي وغيرها، نلاحظ سعة النشاطات والجهود النسوية في الميادين الثقافية المختلفة. واللافت للنظر أنّ عدد النساء العاملات في حقل التربية والتعليم يشكل أعلى رقم مقارنة ببقية الوزارات الحكومية، ويمكن القول إنهن جميعاً من أكثر نساء المجتمع إخلاصاً والتزاماً ونقاء.
ومن أبرز خصائص المعلمات الإيرانيات هي: الواقعية والسعي لبلوغ أهداف الجمهورية الإسلامية والقناعة لبساطة العيش والمحافظة على الأصالة الثقافية والهوية الدينية وغيرها وبصورة عامة فإنّ المعلمات يحملن مجموعة من المسؤوليات الأسرية والاجتماعية.
إنّ النساء العاملات في حقل التربية والتعليم يشغلن أكثر من 47 من مجموع ملاك هذه الوزارة. ولهذا أحسّت الحكومة الإسلامية بضرورة إيجاد لجنة شؤون المرأة في وزارة التربية والتعليم لمتابعة المسائل والمشاكل الخاصة بهن، والسعي لرفع مستواهن الثقافي والعمل من أجل إيجاد التسهيلات والإمكانات التي تساهم في نشاطاتهن الفضلى، والتخطيط لاستثمار الحدّ الأقصى من مواهب وطاقات وكفاءات المرأة الإيرانية.
رئيس هيئة حوار الأديان
باحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية والدينية