بين حجم ما يُخفى ومرارة ما يظهر!

فاديا مطر

بين إظهار الحقيقة وإخفائها يكمن الفعل وتكمُن معه الأسباب والتداعيات، فمع وصول حقائب الإرهاب مجدّداً إلى العاصمة البلجيكية بروكسل يتكشّف حجم ما أخُفي ومرارة ما يظهر من التجاهل الأوروبي للبترو ــــ وهّابية التي تنتقل عبر الحدود الأوروبية بجوازات سفر أوروبية رغم إدراك أوروبا ما يجري وعلمها بكمية التواصل الإيديولوجي بين ممالك النفط ووهابيته. فباريس التي خبِرت بعضاً منه أواخر العام الماضي، لم تكن رادعاً أو منبّهاً كافياً، لكنّ بروكسل اليوم تضفي إلى المشهد زماناً ومكاناً آخرين، رغم ما كانت قد نشرته صحيفة «الإندبندنت» في تشرين الثاني من العام الماضي عن نفوذ السعودية وتأثيره في الأوساط الإسلامية في أوروبا عموماً، وبلجيكا خصوصاً، التي تدرك حجم ما تختزن من وهّابية في داخلها بكلّ مقتنياتها منذ سبعينيات القرن الماضي الذي شهد افتتاح مركز يُخرِّج دُعاة إسلامويين في بلجيكا مقابل أموال سعودية وتأمين صفقات نفطية، بحسب «الإندبندنت» أيضاً.

إنّ الدعم الأوروبي للإرهاب في سورية لا يحتاج إلى تفنيد وتجربة فرنسا مع الإرهابي عبد الحميد أبو العود المسمّى بـ«البلجيكي» لا تزال ظاهرة، فهل ما تمّ إخفاؤه من دعم لشبكات تجنيد الإرهابيين في بلجيكا للقتال في سورية سيظلّ في ضوء القمر؟

لا يبدو المشهد واقعياً مع عدم قدرة القبضة الأمنية الأوروبية على كبح جماح ما تمّ إنتاجه مقابل البترودولار، ولا مكان للهرب من الإخفاق الأوروبي في تبنّي سياسات خليجية بدأت تدقّ أبواباً واسعة في أوروبا، رغم تطابق ما فعله ويفعله الإرهاب في سورية وما يفعله الآن في أوروبا، فالثنائية بدأت معالمها تتضح بين ما هو صناعة سعودية واستيراد أوروبي، وتقادم الفكر الوهّابي المتطرف في عواصم الصناعة والاستيراد، ومحاولات غضّ البصر عن التمدُّد الإرهابي «الداعشي» وتحويل خطره إلى اتجاهات إقليمية أخرى، فالنماذج الإرهابية بدأت تتضح معالمها منذ هجمات 11 أيلول 2001 وحتى أحداث لندن في تموز 2005، وصولاً إلى الإرهاب الذي بات يطرق في يومنا هذا باب السكوت والدعم الأوروبي له. فهل سيتضحّ الدور «السعو ـــ وهّابي» مجدّداً في عواصم أوروبية أخرى؟

ربما ورغم التشديدات الأمنية الأوروبية، فوقوع التفجيرات في بروكسل بعد أقلّ من يومين على اعتقال المشتبه فيه الرئيسي في تفجيرات باريس صلاح عبد السلام يحمل دلالات واضحة ويرسل رسائل كثيرة بعد إعلان تنظيم «داعش» الإرهابي مسؤوليته عن التفجيرات وإعلان قناة تلفزيونية بلجيكية عن ارتباط بين انتحاريي بروكسل وعبد السلام. فهل الصمت والدعم سيُجديان نفعاً بين مطرقة الرأي العام الأوروبي وسندان ما يتزايد من مال وهابي خليجي في البنوك الأوروبية؟

هي معادلات ستكشف تداعيات ما تمّ إخفاؤه ومرارة ما سيظهر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى