تقرير
تطرّقت صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية إلى الضربة التي وجّهها دونالد ترامب إلى مؤسّسات السياسة الخارجية الأميركية والأوروبية، مشيرة إلى أنها تهدّد منظومة الأمن في الغرب.
وجاء في المقال: وجّه رجل الأعمال المرشّح إلى منصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، ضربة قوية إلى السياسة الخارجية الأميركية وكذلك الأوروبية، عندما وضع موضع شك حجر الزاوية في منظومة الأمن الغربي ـ قيادة واشنطن لحلف شمال الأطلسي «الناتو». جاء ذلك خلال لقائه بهيئة تحرير صحيفة «واشنطن بوست».
فقد أشار ترامب إلى أن «الناتو يكلّفنا كثيراً. نعم نحن بهذه الصورة نحمي أوروبا، ولكننا ننفق أموالاً كثيرة. لم يعد بإمكاننا تحمل هذا، لذلك يجب إعادة النظر في هذا. إبقاء الناتو ولكن بتحمل نفقات أقل».
تناقش مسألة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة على مختلف المستويات، وليس غريباً أن تكون لرئيس الدولة أو عضو الكونغرس أو أي خبير أو وسائل الاعلام وجهة نظر مخالفة تماماً لوجهة النظر السائدة. حتى مثل هذا يحدث بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية مثلاً، كما حصل في مسألة قصف سورية. في واشنطن لا يخفون انزعاجهم من أنهم يتحمّلون العبء الأكبر، في حين أنّ حلفاءهم لا ينفقون على الأمور الدفاعية حتى 2 في المئة من الناتج الاجمالي المحلي كما اتفق عليه في الناتو. ولكن لم يجرؤ أحد حتى الآن على وضع قيادة الولايات المتحدة منذ 70 سنة لهذا الحلف موضع تساؤل كما فعل ترامب.
يتساءل ترامب: «إن ما يجري في أوكرانيا يمسّ الولايات المتحدة أقل بكثير من باقي الدول الأعضاء في الناتو، ومع ذلك نحن نتحمّل العبء الأكبر. فمثلاً، لماذا لا تتعاون ألمانيا مع الناتو في مسألة أوكرانيا؟ أو باقي البلدان المجاورة لأوكرانيا؟ لماذا نسير في مقدّمهم دائماً، هل نستعدّ للدخول في حرب عالمية ثالثة ضدّ روسيا؟».
من المحتمل أن يكون مفعول هذه التصريحات في بولندا ودول البلطيق التي تطلب وتلحّ على الولايات المتحدة والناتو على إنشاء قواعد عسكرية على أراضيها، كمفعول انفجار قنبلة. وطبعاً سوف ينضمّ زعماء هذه البلدان إلى الجوقة التي تنتقد ترامب.
لم يكتف ترامب بانتقاد حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا فقط، لا بل في آسيا أيضاً معبّراً عن شكوكه في جدوى الاستثمارات العسكرية في هذه المنطقة. وقال: «كوريا الجنوبية دولة غنية جدّاً وصناعية متطوّرة، ومع ذلك نحن لا نحصل على تعويضات عادلة لما نقدّمه لها من خدمات، إذ إنّ سفننا وطائراتنا هناك ونجري مناورات حربية معهم ولا نحصل سوى على جزء يسير ممّا ننفقه». وأضاف: «لا أعتقد أننا نحصل على شيء مفيد من وجودنا في هذه المنطقة. لقد كنّا دولة غنية لها نفوذ. أما الآن نحن دولة فقيرة ومدينة».
بعد السلسلة الكارثية لتدخلات جورج بوش الابن والأزمة الاقتصادية عام 2008 تضاءلت شهية الولايات المتحدة في تسوية المشاكل العالمية بـ«الحديد والنار» وبصورة أدقّ باستخدام حاملات الطائرات وصواريخ «توماهوك». اليوم لم تدعُ إلى الدهشة الدعوة إلى عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى تحت شعار الديمقراطية.
ولكن من جانب آخر، لم يسكت «الصقور» في واشنطن، فقبل فترة نشرت مجموعة من السياسيين الراديكاليين الذين يؤيّدون مواقف واشنطن العدائية، رسالة يحثّون فيها الأميركيين على العودة إلى رشدهم وإدراك الكارثة التي ستجلبها السياسة الخارجية لترامب الذي يتصدّر قائمة المنافسين الجمهوريين على منصب الرئاسة.
لم تلقَ هذه الرسالة أذنا صاغية بين الناخبين، وعبّروا عن دعمهم للمرشح ترامب، إذ لم يبقَ بين المنافسين أي «صقر» جمهوري. ولكن بقيت الديمقراطية هيلاري كلينتون القريبة في تفكيرها منه، ولكنها تميل إلى مواقف متشددة في السياسة الخارجية.
ومن الجدير بالذكر أن الرئيس أوباما انتخب لمنصب الرئاسة لأنه طرح فكرة تخفيض الوجود العسكري الأميركي في العالم خلال حملته الانتخابية، وفي تصريحات أدلى بها مؤخراً لمجلة «The Atlantic» عبّر عن أسفه من وجود دول «free-rider» حليفة للولايات المتحدة في أوروبا والشرق الأوسط التي تستخدم «القوة الأميركية في حلّ مصالحها الضيقة». أثارت هذه التصريحات ردود فعل سلبية في السعودية وتركيا و«إسرائيل» وبعض دول الاتحاد الأوروبي.
وختم ترامب حديثه بالقول: «لقد شاهدت كيف تفجّر المدارس التي شيّدت من قبلنا في العراق. نحن نبني المدارس وهم يفجّروها ثانية. ولكن لا يمكننا بناء مدرسة في بروكلن، لأننا لا نملك الأموال اللازمة للتعليم، نحن لا نبني في بلدنا. لذلك أتساءل ألم يحن الوقت للتفكير بأنفسنا وبلدنا؟ صحيح العالم موجود خارج حدود الولايات المتحدة… ولكن بلادنا تنهار إلى أجزاء…». وأضاف خاتماً: «علينا إعادة بناء بلدنا».