نصرالله ومراكمة الرّدع التحذيري برّاً وجوّاً
حسين حمّود
حملت المقابلة التلفزيونية الأخيرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في شكلها ومضمونها، مفاجآت «استراتيجية» جديدة وفق أسلوب مراكمة الرّدع الذي تعتمده المقاومة في مواجهة العدو «الإسرائيلي».
في الشكل، بدا أنّ السيد نصرالله أراد أن تكون المقابلة تحت عنوان أساسي واحد وهو تحذير «إسرائيل» من مغبّة الإقدام على أيّة مغامرة عسكرية ضدّ لبنان، مستفيدةً من الأجواء العدائية لبعض الأنظمة العربية، وفي طليعتها السعودية، ضدّ حزب الله ووصمه بالإرهاب. الأمر الذي لم تستطع معه قيادات العدو من كتم بهجتها العارمة بهذا الوصف، فسارعت فور صدوره إلى التهليل له واعتباره «تطوّراً هامّاً ومدهشاً»، بحسب تعبير رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو، تعليقاً على قرار دول مجلس التعاون الخليجي.
أمّا ردّ السيد نصرالله فجاء أكثر دهشةً، وأربك المستويَيْن السياسي والعسكري «الإسرائيليَّين» وهما يُنصتان بإصغاء شديد إلى كلام السيد نصرالله خلال مقابلته التلفزيونية. فقد أعلن السيد نصرالله قبل كلّ شيء عن مراكمة عناصر الرّدع «الاستراتيجي» الذي يتجاوز وظيفته ودوره في منع «إسرائيل» من شنّ أيّ عدوان على لبنان إلى ما هو أخطر وأوسع وهو القبض على خناقها وحتى مصيرها على الخارطة السياسية كـ»دولة»، من خلال الكشف عن قائمة الأهداف التي ستنال منها المقاومة في أيّ حرب مُقبلة، ومن هذه الأهداف المعامل البيولوجية العسكرية والمفاعلات النووية ومخزونها، إضافةً إلى قدرة صواريخ المقاومة على الوصول إلى أيّ هدف تُريده على طول مساحة الكيان الغاصب. هذا هو المُعلَن حتى الآن، وبديهيّ أن تكون لدى المقاومة مفاجآت أخرى كبيرة، والتي قد تُعلَن في وقتٍ لاحق أو خلال احتدام الميدان.
وتقول أوساط سياسية في تحليلها لكلام السيد نصرالله وأسلوبه في الكشف عن قدرات المقاومة العسكرية، أنّ الأمين العام لحزب الله أراد في حديثه التلفزيوني أن يخاطب العقل «الإسرائيلي» على مستوى القيادة والرأي العام، وتحذيره من مغامرات عسكرية غير محسوبة الجدوى والنتائج، مستحوذاً بذلك على عنصر ردع جديد، و»تفجيري» للكيان في آنٍ واحد وهو «تكوين عامل ضغط شعبي شديد» على حكومة العدو لمنعها من جرّه إلى أيّ مواجهة مع حزب الله في لبنان، نظراً للمخاطر الوجوديّة التي تتهدّده هذه المرّة. وهنا مارس السيد نصرالله حرباً نفسية جديّة وجديدة في أسلوبها، ومبتكرة في التأثير من خلال الضغط النفسي على «الإسرائيليين».
هذا على مستوى الرأي العام، تضيف الأوساط، أمّا على مستوى القيادة، فقد أدخل السيد نصرالله عنصر ردعٍ جديداً أيضاً في المعادلة حين تطرّق إلى الخروق الجوية «الإسرائيلية» اليومية للسيادة اللبنانيّة، واضعاً في هذا المجال خارطة طريق لإيقاف الخروق المذكورة، قد يعمل لاحقاً على تسريعها ربطاً بمسؤولية الدولة اللبنانية، التي في حال لم تعمدْ إلى معالجة هذا الخلل «الأمني السيادي» ولن تفعل ، حينها قد يستلّ السيد نصرالله من مخزونه الرّدعيّ الاستراتيجيّ، وسائل تعامل مع هذه الخروق وهو يقول لـ»الإسرائيليين» بشكل مشفّر، إنّ «وسيلة ردع طيرانكم عن العربدة في سمائنا أصبحت في متناول يدنا»، وهذا بالمعنى الاستراتيجي يُدخِل إلى قواعد الاشتباك عنصراً جديداً يُضاف إلى العناصر المكوّنة للقواعد الحالية.
وتستدرك الأوساط بالإشارة إلى أنّ السيد نصرالله، استبعد شنّ «إسرائيل» حرباً جديدة ضدّ لبنان لأنّها تحتاج إلى إذنٍ أميركي لن تحصل عليه، لكن السيد نصرالله استخدم منطق الاستبعاد ليحذّر «الإسرائيلي»، وتحديداً رئيس الأركان غادي أيزنكوت صاحب نظرية «الضاحية» التي تنصّ على ضرورة القصف العشوائي الواسع للمناطق التي تُطلَق منها صواريخ على «إسرائيل»، حتى لو كان بثمن إبادة حيّ كامل، من أيّ مغامرة تدغدغ غروره لأنّ الكلفة الغالية تفوق بكثير جدّاً أيّة جباية منها.