بوتين تميُّز القرار… وردّ الانكسار

لؤي خليل

كثرت التأويلات والتحليلات وكتابة الأحرف والسطور المعارضة حول قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ يقول البعض إنه قرّر الابتعاد عن حلفائه لرغبة في تسوية غربية أميركية، بعد أن وصفوا قرار التدخل لدعم الدولة السورية بالقرار المتسرّع والدخول المتخلّف في المستنقع السوري.

وزيادة في رغبة الأطراف الغربية التي تواكب التحركات الروسية في الأجواء السورية لترتيب العلاقة مع القطب الجديد في روسيا، وبعيداً عن ترسّبات السياسة الخليجية المتخلفة أصلاً، فإنّ دراسة بسيطة لعمق القرار الروسي تؤكد أنّ الرئيس بوتين ربما اختار هذا التوقيت المنسجم مع المفاوضات الروتينية في جنيف لكسر الجمود السياسي، فالضخّ الإعلامي الكبير الذي واكب انتصارات الحلف السوري في الميدان ربما أثمر هذا القرار الذي وجده البعض مفاجئاً، فالهزائم المتوالية منذ جلسات مجلس الأمن والانكفاء الأميركي عن الضربة في المفاوضات الكيماوية وتوالي قرار التدخل، ربما المساحات وتوالي الانتصارات هي كانت في صلب القرار الروسي، وهي اننا ماضون في دعم الدولة السورية حتى تحرير كل اراضيها ضمن سيادة القانون الدولي. ولكن الفرصة التي اعطاها القرار الروسي ليست انكفاء او تخلياً او بعداً عن السياسة الداعمة للحلف المقاوم انما فرصة للخصم المساوم في تركيا والسعودية، وهو قرار جاء بطلب اميركي، أولا لإعطاء فرصة للانكفاء التركي السعودي وسحب تدخلهم في عمق الأزمة السورية وربما أدواتهم، وثانياً وللمرة الثانية مدّ يد التعاون كقطب عالمي جديد للقطب الأميركي الغربي بالقدرة على حلّ الأزمات الدولية بالطرق السلمية، وبأنّ الروسي أصبح قادراً على مدّ قوته العسكرية وبالسرعة الممكنة خارج الدائرة السوفياتية الضيقة.

طبعاً ومهما كثرت التحليلات وحدهم صنّاع السياسة الروس والسوريين يدركون حجم إدارة المعركة وشراستها والروسي الذي بدّد آمالهم في كسر الدولة والحلفاء لن يتخلى ولن يغوص اكثر حدّ المستنقع، بل حول هذا المدّ الداعشي الإرهابي الى قفص ضيّق يهاجمهم فيه متى يشاء ويبدّد أحلام الوهابية والسلطنة التركية.

فرسالة الرئيس بوتين ومنذ اليوم الأول للقرار دعم الدولة السورية ومنع كسرها، ومنع اي تدخل جوي في سورية. هي رسالة كبيرة تتخطى كلّ معايير السياسات الخليجية الضيقة، فالانسحاب التكتيكي هو فرصة للآخرين للانسحاب الكلي عن تدخلهم في شؤون الشعب السوري. ومدّ الجسور مع الأطراف الغربية لدعم الحلول السياسية الواضحة وترك حسابات الفوضى التي أنتجت ارهاباً سيدمّر جميع منافذ السلام في عقر الاتحاد الاوروبي. فمرة اخرى يتميّز الرئيس بوتين بقرار الفرصة الأخيرة للاميركي اولاً وللعرب ثانياً، بأنّ ابتعادهم الحالي عن صنع الحروب والأزمات سيوفر عليهم حروبهم التي صنعوها وحرائقهم الوهابية التي ترسل اجيال الحقد الى أصقاع الأرض، فالنهج المدمّر لآل سعود وبقرار الصهيونية العالمية بات تحت مجهر العالم بأكمله، ومع تصاعد القوة الإيرانية الروسية لم يعد من المسموح لهذه الآلة ان تزجّ الغرب ربما او الاميركي نفسه في حرائق المنطقة. فهل ستسمح «إسرائيل» العدو الرئيسي في هذه المعركة بنجاح هذه الفرصة الأخيرة، أم انّ القرار الروسي سيتحوّل الى قرار مفاجئ آخر، بعد ان يكسر كلام الحاكم الاميركي وربما يكون ردّ فعله موازي للقرار الروسي بسحب اليد عن حكام الخليج وتركهم لحرائقهم المشتعلة اصلاً.

فردّ الانكسار وسرعة القرار تجعل من الرئيس الروسي مرة أخرى الرجل المميّز عالمياً في صنع السلام وصدّ الاستسلام، فهل يفهمها يا ترى رجال المساومات، قبل ان يصنع تاريخ ثان بعد ردّ الانكسار لصنع حروف الانتصار. وعندها يقولون حقاً فعلها بوتين وأخذ القرار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى