المفاوضات السعودية ـ الحوثية… ظروفها ونتائجها واستحقاقاتها اللاحقة
محمد شريف الجيوسي
تضاربت المصادر حول مفاوضات سعودية ـ حوثية، عُقدت في مسقط والعاصمة الأردنية عمّان وعند منفذ العلب الحدودي وربما في الرياض، ويدلّ التضارب في التصريحات حولها إلى حرج سعودي كبير، فأن يبادر الطرف البادئ في الحرب بقبول التفاوض مع الطرف الآخر سراً، يدلّ على ضعف يعتوِر ذاك الطرف «القوي» المبادر في الحرب، بغضّ النظر عما إذا كانت المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، ولأيّ اعتبار قد يُلبس للمفاوضات.
هذه المفاوضات تذكر بالمفاوضات الأميركية ـ الفيتنامية السرية إلى جانب مفاوضات علنية كانت تعقد كلّ يوم خميس بينهما وعندما كشفت فيتنام الديمقراطية في حينه من طرف واحد عن تلك المحادثات، أُستُفزت واشنطن فشنّت ما يسمّى الحرب الجيوفزيائية مدمّرة سدود فيتنام ومغرقة العديد من قراها، لكن ذلك العدوان لم يمنع الفيتناميين من متابعة الدفاع عن وطنهم.
ويدلّ التضارب في التصريحات على عدم وجود تنسيق حول المفاوضات بين أطراف التحالف السعودي ذاته، وبخاصة بين الرياض وما أصطلح عليه الحكومة اليمنية الشرعية بقيادة هادي.
حيث يقول نائب رئيس مجلس الوزراء ، إ ّ هكذا يسمّيها، .
« » ، ّ سعودية مع أي أنه لا يوجد تنسيق مسبق بين السعودية وحكومة هادي وإنما تمّ مجرد إبلاغ الحكومة الشرعية ذلك، رغم أنّ التحالف قام على أساس حماية وإعادة الشرعية لليمن!؟
وطالب المخلافي ّ ، وأ ّ ته 14 الماضي، راء ناء ، ة، وظيفة المخلافي أن ينتظر، فيما السعودية تتفاوض مع الحوثيين.
لم يلاحظ المخلافي المستجدات على ساحات السياسة والقتال سواء في اليمن أو في جنوب السعودية وتوالي الفشل في تحقيق مكاسب على الأرض، كما لم يلاحظ تمدّد «القاعدة» و»داعش» في جنوب اليمن وخشية الغرب من ذاك التمدّد، وتحميل جهات دولية السعودية المسؤولية عن معظم ضحايا الحرب على اليمن، وبدء تململ داخل أصدقاء التحالف تجاه «الحكومة الشرعية»، سواء لجهة ارتكاب جرائم حرب أو لجهة عدم تحقيق نتائج إيجابية كانت متخيّلة، وعدم تعريض السعودية لمخاطر هي في غنى عنها، فضلاً عن حالة التململ المتنامية سواء داخل الأسرة المالكة أو الشعب في الحجاز ونجد والمنطقة الشرقية والمناطق اليمنية التي ما زالت في يد السعودية.
استكمل المخلافي بـ أنّ ما جرى هو مجرد ل قاء .. وأنه با ّ قاء !؟ وهو يؤكد صحة ما ذهبنا إليه، فالسعودية تنظر الى الأمور في معزل تماماً عن الحكم والحكومة الشرعية، وعن وضع حدّ للتمدّد الحوثي في اليمن على حساب الشرعية .
وفي حين كان من أهداف الحرب على اليمن تقصير النفوذ الإيراني والشيعي فقد صرح الجنرال مسعود جزائري نائب رئيس هيئة اركان القوات المسلحة الايرانية، لوكالة «تنسيم» للأنباء، بأنّ بلاده قد تدعم الحوثيين بنفس أسلوب دعمها للرئيس بشار الأسد في سورية، وبذلك تعيد السعودية ومعظم دول الخليج وغيرها، ذات الخطأ الذي ارتكبته في سورية، بطلبها من دمشق قبل سنوات قطع دمشق علاقاتها مع إيران، وحيث لم تلبّ سورية هذا الطلب، إلى جانب جملة أسباب أخرى، أصبحت سورية هدفاً، وبالتالي ازداد الدعم الإيراني والروسي واللبناني المقاوم لسورية، في مواجهة التحالف الأميركي والإقليمي للإرهاب، وهو ما قد يتكرّر في حال إصرار التحالف السعودي على ممارسة ذات الخطأ، ما يعني أنّ السعودية في ما يبدو معنية باستباق هذه الإمكانية، بالقبول بالأمر الواقع وربما بما هو أسوأ منه.
إلى جانب ذلك، الأكلاف الباهظة الناتجة سواء عن تخفيض أسعار النفط وعن التدخل في سورية وعاصفة الحزم في اليمن، ما أوقع السعودية في أوضاع إقتصادية صعبة غير مسبوقة…
وكشف السعودي مجتهد الذي كثيراً ما أعلن في تغريدات له عن أشياء تبدّت كالخيال ليتضح لاحقاً أنها صحيحة، كشف عن إتفاق مبدئي جرى التوصل إليه بين السعودية والحوثيين، تضمّن هدنة دائمة على الحدود وعلى مختلف جبهات القتال، وانسحاب الحوثيين من المواقع المحتلة داخل الحدود السعودية، ورفع الحصار عن تعز، والسماح بتمرير المساعدات والمواد الإغاثية لمختلف المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
كما نص الاتفاق بحسب مجتهد على تشكيل حكومة انتقالية يشارك فيها الحوثيون، وتشكيل مجلس حكم محلي للعاصمة صنعاء، وفور استقرار الأوضاع تبدأ مرحلة إعادة الإعمار بعد عقد مؤتمر دولي للمانحين، ويتمّ دفع تعويضات للحوثيين وترضيات لبعض القيادات القبلية تحت مسمّى إعادة الإعمار.
وينص الاتفاق على تجميد تسليم السلاح لـ الشرعية وتسليمه للحكومة الانتقالية الحوثي جزء منها ويلتزم كلّ طرف عن ملاحقة الطرف الآخر بتهمة اقتراف جرائم الحرب، ورفع درجة التمثيل التفاوضي لجميع الأطراف لاستكمال المفاوضات في الأردن لمناقشة تفاصيل هذه النقاط وطريقة تنفيذها. وتتعهّد السعودية بالاعتراف بالحوثيين كمكوّن سياسي رئيس في اليمن وبالتنازل عن قرار مجلس الأمن الملزم بخروج الحوثيين من المدن وعن تسليم السلاح لـ»الشرعية». ورغم ذلك، يرى مراقبون أنّ الاتفاق المبدئي قد ينهار في أيّ لحظة على الأرض.
إنّ حرص السعودية على التقليل من شأن المفاوضات، يعكس حرجاً سعودياً، وكأنها مجرّد تفاهمات على تهدئة وليست هدنة، تقول السعودية إنها تمّت بوساطة قبلية، فيما وصل وفد حوثي كبير إلى عسير استكمالاً لاتفاقات مسبقة جرى طبخها على نار هادئة طوال 4 أشهر ماضية.
لكن وزير خارجية السعودية عادل الجبير قال إنّ ما تمّ الاتفاق عليه هو هدنة موقتة لتوصيل معدات طبية وأدوية إلى اليمن، وأنّ هناك أهمية لوقف إطلاق النار، لفتح المجال لوصولها وفق تفاهم بين القيادات العسكرية، وبموجبها تمّ التوصل، إلى تبادل بعض الأسرى من قبل السعودية واليمن، ولاحظوا هنا قوله بين السعودية واليمن وليس بين السعودية والحوثيين.
وكرّر الجبير التزام بلاده بالحلّ السياسي المبني على المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216، وأنها تدعم جهود المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وأنّ الحلّ السياسي يجب أن يكون يمنياً – يمنياً، للوصول إلى توافق، لكن مجرد التباحث السعودي الأحادي مع الحوثيين، ينسف ما سبق ويؤشر إنْ صدقت النوايا أنّ الرياض تريد الخروج من المغطس اليمني بأيّ ثمن، بغضّ النظر ليس فقط عن قبول أو رفض ما يسمّى الحكومة الشرعية ولكن أيضاً بغضّ النظر عن رضى الشركاء في التحالف السعودي، فكلّ الريح لا تساير السفن السعودية.
وفي حين كان موقف وزير خارجية هادي سلبياً من حيث التوصل إلى إتفاق، رحب أمين حزب الحق الموالي للحوثيين حسن زيد بالاتفاق قائلاً، إنّ ما جرى هو «تفاهمات إيجابية قد تفضي إلى وقف إطلاق النار»، وأنّ هذه التفاهمات تتضمّن اتفاقا على «استراتيجية لمحاربة داعش والقاعدة في اليمن ودول الجوار، وأنّ هذه التفاهمات لا تعني الاتفاق النهائي لكنها البداية لإعلان وقف إطلاق النار ومحاربة الإرهاب في اليمن ودول الجوار.
وأكدت مراسلة سرية لمبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، دخول السعودية في مفاوضات سرية مباشرة مع الحوثيين وأنها وافقت مؤخراً على استئنافها في العاصمة الأردنية عمّان.
وبغضّ النظر عن تباين التصريحات السعودية ـ الحوثية، حول المفاوضات والطريقة التي تمّت وتتمّ بها، تعتبر مؤشراً مهما جداً على تحوّل الموقف السعودي، تجاه تبعات استمرار التورّط في اليمن، ومن ذلك مباشرتها التفاوض مع من كانت تعتبرهم عدوها اللدود.
لا بدّ أن الموقف السعودي ستتبعه تغييرات على صعيد سياساتها الراهنة في المنطقةـ أو هكذا يفترض، بعد سنة من فشل ذريع وتأليب دول صديقة لها عليهاـ لكسب رهانها على حسم المعركة بسرعة، ليبدأ على نقيض ذلك توسع حوثي في مناطق يمنية احتلتها السعودية قبل عقود.
وفي آن حذرت مصادر مقرّبة من الحوثيين ومن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، من محاولات سعودية محتملة لشقّ الصف اليمني المواجه لها، لكن المصادر أكدت في آن استحالة التوصل الى حلول مستدامة دون صالح، فهو قوي على صعيد الجيش والقبيلة والحزب، بحسب حركة خلاص حليفة الحوثيين، وفي آن ليس مستبعداً أن يكون صالح قد تفاوض مع الإمارات العربية المتحدة، على أساس المبادرة الخليجية التي منحته الحصانة، سنة 2012.
وقال الناطق باسم الحوثيين عبد السلام، إنّ التفاهمات مع الرياض قائمة على أساس البدء ببناء الثقة لوقف الحرب بشكل كامل، مضيفا أنه تمّ تبادل كشوفات أسرى ومفقودين لدى الطرفين في خطوة أولى للوصول إلى حلّ سلمي لإنهاء الحرب، وأنه تم رفع نحو 70 جثماناً للطرفين من خطوط النار الأولى قائلا: «يفترض أن تؤدّي هذه الخطوات إلى وقف الحرب فوراً».
وفي حين لم يعلن أحد من التحالف السعودي ترحيبه بالتفاهمات، أعلن عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني النائب حسين نقوي حسيني، تأييد بلاده للأنباء التي تحدّثت عن بدء مفاوضات سرية بين حركة أنصار الله الحوثية والسعودية.
ولا بدّ أنّ الحوثيين حققوا بهذه المفاوضات مع السلطات السعودية، حصولهم على اعتراف سعودي بشرعيتهم كقوة رئيسة في اليمن، كون الدعوة وصلتهم من الرياض، وكون جانب من المفوضات تمّ على اراض سعودية، وفي آن جُنّبت العاصمة اليمنية صنعاء، معركة قاسية ويحقق الحلّ السياسي مطالب الحوثيين في ابعاد هادي وتأسيس مجلس رئاسي، وحكومة وحدة وطنية، ومرحلة انتقالية.
ثمة متغيّرات إقليمية ودولية كبيرة، فالاتفاق النووي الإيراني، بل زيارة أوباما لكوبا بعد عقود من القطيعة، وفشل التحالفات المعادية لكلّ من سورية واليمن في فرض أجندات إقليمية معينة، وأمور أخرى عديدة إقليمية ودولية، أشرنا إليها ربما أسهمت في إقناع الرياض بتغيّر العالم بخطوات واسعة ثابتة، وأنّ عليها لحاق نفسها، قبل ان تفلت الأمور من يدها ويد غيرها، وإقامة صداقات واقعية جديدة، وما يمكن إدراجه تحت بند المفاوضات مع اليمن الحقيقي الممثل بـالحوثيين ونفوذهم وحلفائهم ومع علي عبد الله صالح ونفوذه القبلي والعسكري والحزبي وسوى ذلك، وما يلي من استحقاقات إقليمية.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk