أوروبا في مرمى الإرهاب… مَن المسؤول؟
معن حميّة
في الثاني والعشرين من آذار الحالي لم يكن صباح بروكسل عادياً. فالعاصمة البلجيكية، المعروفة بصخب الحركة والحياة، تزنّرت بالأحزمة المتفجرة وكتل النار، من مطارها شرقاً، إلى محطة مترو الأنفاق، حيث عقدة المواصلات مع باريس ولندن ومدن أخرى. والحصيلة ضحايا بالعشرات وجرحى بالمئات، وحالة من الهلع والخوف امتدّت على اتساع مساحة الرقعة الأوروبية.
اختيار بروكسل هدفاً للأعمال الإرهابية، رسالة متفجّرة لكلّ الدول والمجتمعات الإنسانية، وخاصة الأوروبية. فالمدينة المستهدفة، تعتبر عاصمة الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو»، إذ أنها تحوي عشرات، لا بل مئات المقارّ والمراكز والمؤسسات التابعة للاتحاد الأوروبي، وبذلك، يكون الإرهاب قد ضرب في كلّ أوروبا.
هو الإرهاب، أدمى بوحشيته البلجيكيين، على غرار ما عاث إجراماً ووحشية ضدّ السوريين والعراقيين واللبنانيين وغيرهم، مستنسخاً الوحشية «الإسرائيلية» بحق الفلسطينيين منذ مجازر دير ياسين وكفر قاسم إلى مجازر غزة وقتل الأطفال.
هو إرهاب غرائزي، متأصّلٌ في أصحابه، لا يُكافَح بمواقف لحظوية عابرة تستبطن احتواء غضب الشعوب الأوروبية، بل يتطلب سياسات واضحة تترجم بخطوات جادّة وفاعلة للتخلص من آفة الإرهاب والتطرف.
مع اليوم الدموي الذي شهدته بروكسل، وحالة التأهّب التي شهدتها معظم البلدان الأوروبية، تُطرح أسئلة عديدة، وأول هذه الأسئلة، كيف تمكّن الإرهاب من طرق الأبواب الأوروبية، في حين أنّ دول الاتحاد الأوروبي تمتلك منظومات أمنية تُمكّنها من رصد التهديدات الإرهابية المحتملة، ومن اتخاذ التدابير اللازمة لإحباط أيّ مخطط إرهابي؟
والسؤال الذي يتبع، لماذا أخفقت المنظومات الأمنية الأوروبية في رصد العناصر الإرهابية خلال فترة التحضيرات لشنّ الهجمات الإرهابية التي ضربت بلجيكا، وقبلها فرنسا؟
ما هو مؤكد أنّ هناك قطبة مخفية، استفاد منها الإرهاب لتنفيذ عملياته الإجرامية، وتتمثل هذه القطبة بإخراج العناصر الإرهابية من دائرة المسح الأمني الأوروبي، فمنذ بدء الحرب الإرهابية على سورية، انخرط العديد من الدول الأوروبية في هذه الحرب، إعلامياً وسياسياً، ورفعت كلّ إجراءات المراقبة عن العناصر الإرهابية، وسهّلت لها الانتقال إلى سورية لقتال الدولة السورية وقتل السوريين.
الأمن الأوروبي بكليته اعتمد سياسة رفع العناصر الإرهابية عن كونترول المراقبة الأمنية، على خلفية أنّ دفع هذه العناصر إلى سورية يحقق هدفين، الأول استخدامهم في الحرب بغية إسقاط الدولة السورية، والثاني التخلص من أعداد كبيرة منهم جراء سقوطهم قتلى في هذه الحرب.
هذه السياسة التي اعتمدتها أجهزة الأمن الأوروبية، وضعت كلّ أوروبا في مرمى نار الإرهاب. فغضّ الطرف عن العناصر الإرهابية، ورفعهم عن قائمة العناصر التي تشكل تهديدات أمنية، أتاح لهذه العناصر سهولة الحركة، كما عزز التطرف من خلال خلق بيئة حاضنة للإرهاب في العديد من المناطق الأوروبية، وخلال سنوات الحرب على سورية، تكشّفت حالات تجنيد مئات المواطنين الأوروبيين في صفوف المجموعات الإرهابية. وهذا أمر لم يكن ليحصل، لولا سياسة «رفع الإبط» الأوروبية عن أنشطة الإرهابيين وتحركاتهم، وتسهيل انتقالهم إلى سورية عبر تركيا ودول أخرى بهدف إسقاط الدولة السورية.
المواقف الأوروبية الداعمة للمجموعات الإرهابية، منحت الإرهابيين فرصة جذب آلاف الأشخاص لاعتناق غريزة الإرهاب. فآلاف العناصر التي خرجت من الدول الأوروبية للقتال في سورية، فرّخت آلافاً أخرى ضمن الساحات الأوروبية، وهذا التفريخ هو نتيجة حتمية للتماهي الحاصل بين الإرهاب وداعميه.
هذه الحقيقة الدامغة، لا تستطيع الحكومات الأوروبية والغربية الإفصاح عنها أمام شعوبها، لأنّ الاعتراف بها يشكّل إدانة صريحة لسياساتها ومواقفها. وبالتالي فإنّ الحكومات الأوروبية، لا يمكن أن تنحو باتجاه محاربة الإرهاب بصورة جدية وفاعلة، إذا لم تعلن هذه الحقيقة وتعترف بأخطائها الفادحة، وتعيد تشديد إجراءاتها الأمنية على الإرهاب الذي يهدّد مجتمعاتها، كما عليها أن تعيد النظر في سياساتها حيال المنطقة، وتحديداً تجاه سورية.
إعادة النظر في السياسات الأوروبية العدائية تجاه سورية، هي كلمة السرّ السحرية لمحاربة الإرهاب. فالمبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أعلن صراحة «أنّ مأساة بروكسل تؤكد، من جديد، ضرورة عدم إضاعة الوقت والعمل لإخماد النار المشتعلة في سورية». لكن هذا الخطاب يحتاج إلى الوضوح أكثر، بتحديد أسباب «النار المشتعلة»، والتي في مجملها تعود إلى حصول الإرهابيين على دعم غير محدود من الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية.
إنّ ربط دي ميستورا الأعمال الإرهابية في بروكسل بـ «النار المشتعلة» في سورية، يسقط «النظرية» التي تتحدّث عن أنّ الأزمة السورية هي أزمة داخلية، وأنّ حلّ هذه الأزمة مرتبط بنجاح المفاوضات بين الحكومة السورية وما يطلق عليه اسم «المعارضة السورية»، فلو أنّ الأمر كذلك، فما علاقة «النار السورية» بالإرهاب الذي ضرب بروكسل؟!
حتى الآن لا تزال سياسات الدول الغربية والأوروبية موغِلة في استدعاء المخاطر الإرهابية على شعوبها ومجتمعاتها، ولا يبدو أنّ هذه الدول جادّة في دفع الأخطار الإرهابية عنها، طالما أنها لا تزال على نسق المواقف ذاته حيال سورية. فالرعاية المستمرة للكائنات التي تطلق عليها واشنطن والعواصم الأوروبية توصيف «المعارضة المعتدلة»، هو استمرار في دعم الإرهاب ورعايته.
إنّ مكافحة الإرهاب، تتطلب موقفاً دولياً موحداً، معززاً بإجراءات عملية. والحرب على الإرهاب لا تحتمل أخطاء ولا تحتمل مناورات سياسية، لأنّ الخطأ مهما كان صغيراً، هو قاتل، تماماً مثل الخطأ عند إعداد القنابل والمتفجرات. فالإرهاب كالقنبلة النووية، يهدّد الإنسانية جمعاء.
إذا كانت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون جادّين في القضاء على الإرهاب، عليهم وضع خارطة طريق لتحقيق هذا الهدف، وتحقيق هذا الهدف يبدأ بالتعاون الواضح والشفاف مع الدولة السورية، كما فعلت روسيا الاتحادية، التي استبقت الخطر الإرهابي الذي يتهدّدها بمحاربته في سورية. وهذا اتجاه يحتاج الى إرادة سياسية لدى هذه الدول مجتمعة، إرادة صادقة في محاربة الإرهاب والقضاء على خطره، بما يضمن حماية أمن الشعوب واستقرار البلدان.
أما إذا كانت الدول الغربية والأوروبية تعتمد «الجعجعة» في محاربة الإرهاب، فهي لن تتمكن من حماية شعوبها، ولا تستطيع ضمان استقرار بلدانها وأمنها. لأنّ «الجعجعة»، في نسختها اللبنانية تقوم على قاعدة «فليحكم الإخوان»، والتقليل من وحشية الإرهاب وإجرامه، أما نسختها العربية نسبة الى دول الاعتلال العربي فهي دعم الإرهاب وتوصيفه بأنه «ثورات»، وفي نسختها التركية مؤازرة عسكرية وقواعد خلفية للإرهاب، وفي نسختها الغربية والأوروبية، حرب إرهابية مفتوحة ضدّ دول وقوى المقاومة في المنطقة تحت ذريعة نشر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
ما هو مؤكد أنّ موجة الإرهاب التي ضربت بروكسل، ضيّقت هامش المناورة والتلاعب أمام الحكومات الأوروبية، وباتت هذه الحكومات ملزمة بمصارحة شعوبها، حول أمنها ومستقبلها، وبتحديد موقف واضح من الإرهاب. وحتى من مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تساءل قبل ثلاثة أيام من وقوع اعتداءات بروكسل، «عن المانع الذي سيحول دون وقوع تفجير في بروكسل أو أوروبا على غرار هجوم أنقرة»، وهذا التساؤل جاء في سياق انتقاده دول الاتحاد الأوروبي لعدم محاربتها حزب العمال الكردستاني!
أمام كلّ ما تقدّم، هل الهجمات الإرهابية التي ضربت العاصمة البلجيكية، ستدفع باتجاه وضع خطة دولية جدية وفاعلة لمحاربة الإرهاب؟
مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي