البراغماتية الدولية ومنتصف الطريق
فاديا مطر
بعد الحلول الاستراتيجية الأُممية الجديدة لتضييق هوة المراوحة بين طاولات «جنيف 3 السورية ـ السورية»، حلّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري ضيفاً على طاولات موسكو أول من أمس لمناقشة الوضع السوري وغيره من الأزمات الدولية وتركّزت المُحادثات على ما هو شفهي وما هو مكتوب بعد تسلّم مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري ورقة من المبعوث الدولي لبحثها في دمشق، وإيجاد تعريف واضح للمحادثات على أرضية مشتركة تسهل حركة الوساطة الأممية لاجتياز الهوة السياسية، وبذلك تتاح الفرصة للتسوية السياسية السورية من بوابات مستجدات أمنية طرقت باب أوروبا، والتقدم العسكري الاستراتيجي للجيش السوري وحلفائه، ما يستوجب وقف دعم الإرهاب من قبل مَن دقّ بابهم في العواصم الأوروبية، وعلى ضوء انقسامات تطال أبواب معارضة «الرياض» في فلك تصادم الأجندات مع فراغ الجعبة من قرارات المضمون وتحديد المسار التفاوضي. فالإرهاب الحاقد رسم لوحته في العاصمة البلجيكية بروكسل منذ أيام وأوقف أيدٍ وأذهاناً عن الاستمرار في دعمه وإعادة النظر دولياً في ممتلكاته من لوجستيات إقليمية، فضلاً عن تباين الرؤى الأوروبية والدولية في طريقة وأهداف الدعم والصمت، لأنّ الاعتماد على تغيير التوازنات والقوى في الإقليم لم يعد مجدياً. فهل مباحثات كيري ــــ لافروف هي تراجع أميركي إلى منتصف الطريق؟
ربما يمكن تفسير عوامل المستجّدات السياسية والأمنية، وصولاً إلى منتصف الطريق، لا سيما بين موسكو وواشنطن بعد تصريح المتحدث باسم «الكرملين» ديمتري بيسكوف أول من أمس، ومن السابق لأوانه الحديث عن نفاد صبر أي جانب في مفاوضات «جنيف 3 «. فالترابط بين «جنيف 3» ومستجدات الملفات الدولية يبدو واضحاً على وقع أوضاع إقليمية جرّت ملفات عديدة منها الملف الكردي إلى واجهة الخلاف التركي ـ الأميركي وتصاعد الخطوات الأميركية حول تركيا، على ضوء تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي في شباط الماضي بأنّ واشنطن «لا تعتبر أفراد القوات الكردية السورية التي تعارضها أنقرة إرهابيين ليبدو التورط التركي ـــ السعودي في الأجندة الأميركية والأوروبية يتجه نحو تحميل المسؤوليات والنتائج وإعادة النظر في الصفقات، فهل بدأ ما أخفته الوهّابية من بوابات المساجد في أوروبا وأميركا بالظهور؟
بالنظر إلى محاولات كسر جمود الطاولات السياسية الدولية وتفشي رائحة الوهّابية الأوروبية على ظهر صفقات يُعاد النظر فيها، لا يُخفي فقدان اليد الأممية والدولية من الخطة «ب» التي تشبه خطة واشنطن المفترضة، والانشغال بالحصول على ما تبقّى من مكاسب، ربما تحاول تحسين الصورة القاتمة للتورط السعودي ــــ الأوروبي في تأجيج الصراعات، واستثمار التقدم الحاصل حتى الآن في وجه وهّابية أوروبا التي خرجت عن السيطرة على وقع تفاقم مشكلة اللجوء إلى الداخل الأوروبي واستثمارها انتخابياً في أميركا، لتكون المستويات الأمنية والدبلوماسية الدولية مشغولة في تجديد عمل الورش والتفاصيل المتّصلة بالإرهاب «الداعشي»، الذي خضع لمقايضات باهظة الثمن يدفعها الحُكّام على حساب مُستترات حقوق الإنسان والديمقراطية المزيفة، التي بدأ جمرها يستعر تحت رمادها في عواصم الادّعاء والدعم، فأين الضمانات من امتداد الحريق؟