الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتميّز العنصري
رفيق حاج
لما كان من الأساسي ان تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أريدَ للبشر ألا ينظروا آخر الأمر إلى اللياذ بالتمرّد على الطغيان والإضطهاد. «من مقدمة الشرعة العالمية لحقوق الإنسان».
1 – مداخلة في التعريف
من البديهي أنّ كلمة تميّز وتمايز هي التفاضل واختلاف الشيء عن الآخر حتى أنها اختلاف المعايير والموازين والمعاملة بين البشر قد جعلت الخلافات أحياناً حادة في تفسير هذا المدلول وقد وضع عشرات من الباحثين والمفكرين ومن الأدباء عدة مفاهيم مختلفة وأحيانًا متطابقة في تفسير هذا المدلول الإستعلائي.
وأصبحت حالة التفاضل الإستعلائي بين البشر كأفراد أو كمجموعات أو كجماعات أو متحدات أو مجتمعات أو أمم علة تمييزية أدّت إلى حروب أبادت حضارات وثقافات وشعوب.
من الطبيعي وجود اختلاف بين الفرد والفرد كاختلاف البصمة في الإبهام أو حتى البصمة الجينية «DNA». وقد ينعكس ذلك على الجماعات البشرية في مختلف مكونات الكرة الأرضية في اختلاف اللون أو العنصر أو العرق أو الدين والمعتقد والبيئة والأخلاق والطبقات، ولكن رغم أنّ الفلسفات القديمة والحديثة والأديان دعت بمعظمها إلى تكريم النفس البشرية، كالقول الكريم «وقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلاً» صدق الله العظيم .
فإنّ النفس البشرية فضلت التفضل الذاتي على التكريم للآخر فمن هنا ربما تكون قد نشأت العنصرية كعامل تفضيلي وتعصّبي أدّى في كثير من الأحيان إلى صراع غايته إلغاء الآخر أو الحط من وجوده وكرامته ولدينا الكثير من الأمثلة من تاريخ البشرية وحضاراتها السابقة، وبالأخص في بلادنا كنتائج للغزو والاستعمار الإستبدادي.
2 – في إختلاف معايير تطبيق
القوانين الدولية ومقارنتها تاريخياً
وقد حاولت لفت النظر أثناء دورات معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين إلى توضيح مسألة اختلاف المعايير في تفسير حقوق الإنسان وفي اختلاف المعايير أيضًا في تطبيق قوانين المعاهدات الخاصة بالحق الإنساني ومواثيقهما حتى أن رئيس الصليب الأحمر الدولي إعترف في أثناء محاضرته بوجود الإختلاف في تطبيق معايير الحقوق العامة لمواثيق الأمم المتعلقة بحقوق الإنسان في الشرق الأوسط. بل انه اعترف بوجود قوانين عرفية سابقة لمواثيق الأمم المتحدة كانت أفضل من هذه المواثيق غير المطبقة.
كما اعترف أكثر من باحث بالدورة الحالية لمعهد حقوق الإنسان المنعقدة في نقابة المحامين في بيروت بوجود جرائم عنصرية ترتكبها الدول الكبرى لا يمكن معاقبتها عليها رغم أنّ مراكز الأمم المتحدة والهيئات المختصة لحقوق الإنسان تقع فيها مما يشكل عنصرية بحق غير أبناء هذه الدول التي تحفظ لحكوماتها وشعوبها حق التفوّق والحياة الكريمة دون غيرهم.
وحيث انّ اختلاف القيم واختلاف المبادئ واختلاف طبيعة النوع البشرية الشكلية والخارجية أدّت إلى احتكار حق التفاضل لمصلحة كلّ فئة تظنّ أنها مبدعة ومتفوّقة وانّ عنصرها أو لونها أو ذريتها هي الأعلى من غيرها حتى أباحت لنفسها إلزام بقية الأنواع البشرية بالتسليم بأنها «شعب الله المختار» أو أنّ العنصر الأدبي هو المتفوّق أو أنّ وجودها على الكرة الأرضية هو سبب نشوء الكون.
ومع ذلك ظلت الشعوب القديمة حتى قبل الميلاد تحافظ على الكائن البشري عبر «القوانين العرفية» ومجموعة الشرائع المكتوبة المتبقية كشرائع نينوى والبحر الميت وبابل وحمورابي والمكتشفات الحديثة لأوغاريت وماري وايبلا والمسلوبات المدوّنة في متاحف فرنسا والمانيا من حفريات بعلبك وجبيل وصور وبيروت وبغداد. إضافة إلى المدوّنات الموجودة في إهرامات مصر والمسلة الحقوقية الفرعونية القديمة ومدوّنات الحقوق الوضعية لديانات شرق آسيا والهند إضافة إلى الشرائع السماوية في الانجيل المقدّس والقرآن الكريم إضافة إلى القوانين العرفية في الحروف التي سجلها التاريخ عن شعوبنا القديمة.
ولكن عقلية التسلط والاستبداد والعنصرية التي واكبت الصراعات على السلطة في العالم أدّت إلى كوارث بسبب «طبائع الاستبداد» المخالفة لكلّ آراء الفلاسفة والمفكرين والحقوقيين، وحتى لرجال الدين المتنوّرين، بل انّ النكبة الكبرى أنّ هؤلاء المثقفين أصبحوا للأسف أدوات في مسايرة الاستبداد المؤدّي إلى العنصرية والتمايز الذي يحاول إلغاء الآخر.
ورغم أنّ المعايير الأوروبية ومعايير هيئة الأمم المتحدة كانت ولا تزال تدعو إلى تطبيق قوانين الحقوق الفردية للإنسان فإنها أيّ هذه الدول والحكومات كانت ولا تزال لا تقيم أيّ وزن للحقوق الفردية والجماعية والمجتمعية لغير الدول العميلة أو السائرة في نطاق مشروعها السياسي بحجة الحضارة الأوروبية والعنصرية المغلفة بطابع التفاضل والتمييز للسيطرة على موارد العالم الثالث وظلت مشاريع السلام والتعاون مشاريع عقائدية سياسية إما بحجة الديمقراطية أو بحجة السلام العالمي أو بحجة حقوق الإنسان الأوروبي في السيطرة على موارد النفط وموارد الأدمغة أو موارد المواد البشرية والأولية في العالم من أجل حفظ التفوّق النوعي حتى بالغذاء والدواء والعلم وغير ذلك من مقومات الحاجات البشرية لمصلحة من؟ لمصلحة هذه الأمم الكواسر التي أرهقت الكرة الأرضية بحروبها منذ الحرب اليونانية والفارسية والرومانية والمغولية وحتى الحربين العالميتين الأولى والثانية مروراً بالفتوحات المختلفة حتى أصبحت المواثيق الدولية مواثيق المنتصرين حتى على الشعوب والدول، التي لم تدخل الحروب.
3 – في استكمال التمييز العنصري
انّ الحروب هي التي تكشف مدى عنصرية الفئات التي تتربّى على مخالفة حقوق الإنسان والقيام بأعمال تمييز عنصري ولدينا أمثلة كثيرة في الحروب الأهلية والحرب «الإسرائيلية» على لبنان والمشرق العربي من فرز المناطق وقتل الأطفال والشيوخ وكلّ البشر بالحصار أو بالدمار الشامل أو بالأوبئة والتعديل الجيني للمواد الغذائية والحروب النفسية والإعلامية الإفتراضية.
أما في السلم فإنّ التمييز العنصري يتخذ طابع ممانعة الآخرين من نيل حقوقهم وهناك الكثير من الأمثلة التي يتاجر بها ومعظمها يتمّ بوضع الحواجز بين مختلف العناصر والفئات والطوائف وتقسيم البيئة الطبيعية للأوطان والاستيلاء على عناصرها الاستراتيجية من مواد أولية وحقوق وسيادة.
4 – مناقشة بعض الحلول
وحتى نتمكن من إزالة الفوارق والخلافات بين البشر لا بدّ من إيجاد منظومة مفاهيم وسلوك وليس فقط منظومة قوانين وبنود غير قابلة للتطبيق إلا بالاستبداد والتسلّط والاستعلاء العنصري أو الاحتلال العسكري.
وحيث مفهوم أنّ المدرسة المادية الجدلية قد نشأ بالتحالف مع مفهوم الليبرالية الروحية لتقاسم العالم بالحروب بينهما بعد إنشاء قواعد ناظمة على غير محور الانسجام لمصلحة البشرية وضدّ الأعراف التي كرّستها المبادئ العامة المتعارف عليها، وقد سبّب هذا الصراع والتحالف السلبي والبارد كوارث للبشرية وللبيئة الطبيعية للكرة الأرضية عبر التاريخ.
وحيث أنّ الحق بالحياة والحرية والاحترام وإزالة الحواجز والحصار عن بقية شعوب الكرة الأرضية هو واجب للأقوياء وحق للشعوب المستضعفة أو الضعيفة فإنني اعتقد أنّ البشرية يجب أن تلغي كلّ مفاعيل القوانين التي نشأت بسبب هذه الحروب والصراع على تقاسم النفوذ، وتطبيق القوانين التي ابتدعتها على شعوب الآخرين مثلما تطبّقها على شعوبها وتترك لهم مجال الحرية والتطوّر وإنشاء نظمهم دون اختلاق حروب داخلية للسيطرة على ثوراتهم وثرواتهم.
على صعيد هذا الشأن فإنني اقترحت بموجب دراسة قدّمتها إلى لجنة منع التطبيع مع العدو «الاسرائيلي» وحق العودة شرعة عالمية لحق المقاومة في نقابة المحامين واتحاد المحامين العرب، وعلى صعيد حرية الاختيار فإنني قدّمت إلى اللجنة الخاصة بتعديل قانون الانتخابات في لبنان «لجنة الأستاذ فؤاد بطرس» اقتراح استفتاء وإحصاء القاعدة الناخبة وإيجاد نظام داخلي لعملية الانتخاب، إضافة إلى اعتماد النسبية في أية عملية أو شكل انتخابي برلماني، واعتماد الأكثرية الانتخابية في انتخاب مجلس الشيوخ كحق طبيعي يمنع الاستعلاء والتفاضل والعنصرية الطائفية السياسية في لبنان لاستخلاص مبادئ عامة تفيد هذا الموضوع كفكرة للتجانس والانسجام الحقوقي.
ومن الحلول المقترحة عالمياً لتطبيق الأعراف والقوانين التي تحفظ حقوق الإنسان والنوع البشري بمختلف بيئاته وثقافاته إنشاء مجلس شعبي عالمي موازٍ لمجلس الهيئات الرسمية والدولية وهيئات الأمم المتحدة على الأقلّ في المؤسسات اللاحكومية التابعة للأمم المتحدة ويكون لها مجتمعة حق التصويت والفيتو بالأكثرية النسبية.
إعطاء الحرية بالتقاضي أمام أية هيئة قضائية أو تحكيمية في كافة الجرائم التي تطال الحقوق الأساسية والتعويض على المتضرّر بعد إعادة حقوقه الممكنة أمام الهيئات القضائية المتفرّعة عن المجلس الشعبي العالمي. واعتماد مبدأ الاستفتاء في المعادلات التي تسبق الانتخابات وتقرير المصير. وإزالة الحواجز العلمية عن كلّ الشعوب والامم وإلزام الدول الكبرى بتعويض الشعوب عن المظالم التي ألحقتها بالغير وتطبيق القوانين الدولية عليها قبل غيرها. واعتماد قاعدة قيم جديدة موحدة السلوك والعرف روحياً مادياً للإنسان المجتمع وليس فقط للفردانية الشخصانية. والحق الفعلي لتقرير مصير الشعوب بالحرية والمساومة لنظام عادل جديد استفتائي نسبي متمدن مدرحي على قاعدة التفاعل لا التفاضل المؤدّي للحروب والتمييز بين الأمم.
5 – اقتراح نظام عدالة إقليمي وعربي
متمّم للعدالة الدولية
بما أنّ اعتماد حق تقرير المصير لمجموع الأمم المتقاربة جغرافياً تاريخياً يكون بإنشاء مجالس موحدة الاتجاه الثقافي الحقوقي لمن تشاء شعوبهم في توحيد مصالحها كإنشاء وتطوير اتحاد دول عدم الانحياز وتفعيل دور المصالح المشتركة أو مجلس دول المشرق العربي وتفعيل دور الجامعة العربية في رعاية شعوبها في هذه المصالح المشتركة وتكريس حق التقاضي في إنشاء نظام العدالة والاقتصاد والأمن العربيين والسماح بإنشاء محكمة عدل عربية وفقاً لمنظومة ميثاق هذه الجامعة الذي تأسّس عام 1945 دون السماح حتى الآن بتفعيل حق هذه الشعوب والمؤسسات العربية في الدفاع الحقوقي والمصلحي المشروعين بدلاً من استباحة مصالح وموارد هذه الدول لكافة الاتجاهات الاستكبارية والاستبدادية العالمية، وكنت قد تقدّمت باقتراح لتنشيط دور العدالة باستحداث محكمة عدل عربية مستقلة عن وزارات العدل ولكن هذا الطموح قد تطيح به مجموعة هذه الدول، فأقترح أن يتمّ السعي أولاً لقيام نظام عدالة عربية مختلط كهيئة عامة مؤلف من:
أولاً: وزراء العدل العرب
ثانيًا: مجموع الرؤساء القضاة الأول لكلّ دولة عربية
ثالثًا: رؤساء نوادي القضاة
رابعًا: رؤساء جمعيات القضاة المتقاعدين
خامسًا: نقباء المحامين الحاليين والسابقين إضافة إلى الرئيس والأمين العامل لاتحاد المحامين والعرب ومساعديهم.
سادسًا: رؤساء مجالس حقوق الإنسان في الجمعيات الرسمية المعترف بها.
سابعًا: مجلس حقوق الإنسان التابع لجامعة الدول العربية.
ثامنًا: رؤساء النيابات العامة التمييزية في كلّ دولة عربية وعمداء كليات الحقوق.
تجتمع هذه الهيئات كهيئة تأسيسية عامة وتنتخب من بينها مجلساً أعلى للقضاة العرف كلّ ثلاث سنوات مداورة وعند فقدان النصاب أو وفاة أيّ قاضٍ، ويحق للهيئة العامة صلاحية التصويت لتعديل النظام وإنشاء المحاكم.
تحدّد عدد درجات محكمة العدل العربية بثلاث درجات.
تحدّد عدد الغرف الناظرة بأنواع النزاعات الممكن حصولها مثلاً:
أ ـ تعيين محكمة خاصة بحقوق الإنسان.
ب ـ تعيين محكمة خاصة بالنزاع حول الحدود وترسيمها والمشاكل الإقتصادية معاً.
ج ـ تعيين محكمة خاصة لمحاكمة الرؤساء والملوك.
د ـ تعيين مجلس أعلى للتحكيم العربي مهمته رعاية التحكيم العام بين الدول وحق الرقابة على الاستفتاءات والانتخابات وصيانة معايير الاتفاقيات والعقود.
هـ ـ إعلان بيروت مركزاً لمحكمة العدل العربية بمختلف هيئاتها وإعطاء الحصانة العدلية والديبلوماسية لكلّ قضاتها والعاملين فيها وإنشاء قوة ردع عربية لحماية مؤسسات وأفراد وقرارات هذه المحكمة.
وفي الختام أشكر معهد حقوق الإنسان ومؤسسة فريدريك ايبرت رعايتها هذه الدورة، واقترح إقامة ورشة عمل لدراسة مبادئ سلوكيات فلسفية جديدة لحقوق الإنسان في العالم.
دراسة قدّمها المحامي رفيق حاج بتاريخ 1/7/2011 في اختتام الدورة الدراسية التي دعا إليها معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين في بيروت بالإشتراك مع مؤسسة «فريدريش ايبرت».