16 عاماً من الردع التراكمي
محمد شادي تونجي
بكلّ وضوحه وصراحته وصدقه ترك السيد نصرالله الأبواب مشرّعة أمام الكثير الكثير من الأسئلة التي يعتريها الغموض ودهشة السائلين.
كما عادتهم، إعلام ومحللون سياسيون وخبراء أمنيون وعسكريون وقارئو لغة الجسد وكبار المفكرين والمخططين الصهاينة تربّصوا أمام الشاشات يترقبون ما سيقول السيد نصرالله لأنّ الصهاينة من مستوطنين وقيادات يعلمون أنه الوعد الصادق.
في حوار العام الذي أطلّ فيه السيد نصرالله على مدى ما يقارب الساعتين ونصف الساعة، كان أقلّ ما تكلّم به يخصّ الكيان الصهيوني، ولكن ماذا حدث؟
السيد وضع كلّ الخطوط الحمراء، ورسم خطوطاً جديدة لقواعد الاشتباك، ودمّر الجبهة الداخلية الصهيونية، وأسقط الجبهة الداخلية للأمن الصهيوني، ورفع السقوف، وأكد أنّ وجود الكيان الصهيوني أصبح على المحك.
فالسيد في كلامه الأخير لم يقفز درجة واحدة في مستوى التهديد الأمني للكيان الصهيوني، بل قفز سلماً كاملاً بمستوى التهديد من الأمن إلى الوجود، وأرسل رسائله على أجنحة الصواريخ القاهرة للقبة الحديدية فجعلها من ورق كما فعل من قبل وجعل الكيان الصهيوني واهياً كـ»بيت العنكبوت»، فماذا إذاً يتبقّى من الكيان الصهيوني؟
السيد بحزبه وحلفائه، يراكم الردع منذ ستة عشر عاماً من الانتصارات والهزائم المتلاحقة للكيان الصهيوني، يثبت للعالم من جديد أنّ البوصلة واضحة ومعروفة ومحدّدة تماماً، لا يشوّش عليها لا جامعة أعرابية ولا جيوش عبرية مستعربة. فالكيان الصهيوني اختبر كلّ خيارات السيد من بعد خروجه منسحباً ذليلاً مدحوراً صاغراً من الجنوب اللبناني عام 2000 تحت وطأة عمليات المقاومة الأمنية والعسكرية، وتلمّس الكيان الصهيوني أنّ لدى السيد وحزبه ومقاومته ما يردع الكيان ولكن…!
أراد جيل الأغبياء من الكيان الصهيوني اختبار السيد في حرب تموز 2006، فوجدوا أنّ ما كانوا يظنونه توازن رعب بعمليات موضعية أصبح قوة ردع لا يمكن تجاهلها، وخرجوا من الحرب بكوارث نفسية وأمنية أصابت جيش الكيان ومستوطنيه، وأكدت لهم أنّ جبهة الأمن الداخلي ساقطة فعلاً، وأنّ عقيدة الضاحية لا تردعها العقيدة النووية، وأنّ سماحة الأمين العام في حرب تموز المباركة إنْ كان تجنّب استهداف المنشآت النووية والتي تودي بوجود الكيان الصهيوني عندما قال بالصوت العالي «ما بعد بعد حيفا»، فإنها اليوم أصبحت واضحة، فالسيد قال: «في أيّ حرب مقبلة على لبنان لن تكون هناك سقوف للردّ، وكلّ الاحتمالات مفتوحة».
وألحق السيد بوضوحه كلاماً صاعقاً: «لدينا قائمة كبيرة وواضحة ومحدّدة لكلّ الأهداف النووية والبيولوجية والكيمائية والمفاعلات النووية ومراكز الأبحاث داخل فلسطين المحتلة»، وكان ذلك نصراً ربما لم يفهم معناه الكثيرون، فالسيد أكد أنه كما انتصر في الميدان في حرب تموز 2006، فإنه اليوم راكم انتصاره الميداني في «حرب الأدمغة» وحرب الاستخبارات، وهذا ما أصاب عقول الصهاينة بالذهول، فالمستوطنون يؤمنون بصدق السيد تماماً، وقد أرسل لهم السيد رسالة واضحة بأنّ قياداتكم تعرّض كلّ وجودكم البشري للخطر بزرعها تلك المراكز والمفاعلات قرب المدن، وإنْ كنا في حرب 2006 قد تجنّبنا قصفها، ففي أيّ حرب مقبلة على لبنان ستكون على رأس الأهداف.
وراكم السيد انتصاراته وتفوّقه بتحطيم كلّ التكنولوجيا العسكرية التي يمتلكها الكيان الصهيوني، حيث كان واضحاً ومحدّداً ومختصراً بكلامه مما زاد في غموض الأجوبة على ما يملكه السيد، حيث قال: «يوجد لدينا من الصواريخ ما تستطيع إصابة تلك الأهداف وبدقة بالغة ولا يمكن ردّها لا بقبة حديدية ولا بغيرها».
لا بل أكثر من ذلك فالسيد الذي أرسل منذ مدة عبر طائرة «أيوب» إمكانية اختراق أجواء الكيان الصهيوني، وأثبت فشل كلّ منظومات الدفاع الجوي لجيش الاحتلال، قفز إلى أعلى سلم التهديدات العسكرية والكاسرة لتفوّق العدو الصهيوني الذي يعتمد في كلّ حروبه على الحروب الخاطفة عبر سلاح الجوّ لديه، وألحق الضربة القاضية بجيش الكيان الصهيوني عندما تحدّث بصراحة عن استباحة طيران العدو لسماء لبنان. وأكد أنّ هذا الأمر لن يستمرّ بعد الآن، وأنه قد ترك الفرصة الكافية للدولة لتأمين الحماية للأجواء اللبنانية والأمن القومي اللبناني المستباح من قبل طيران العدو الذي يسرح ويمرح فيها، وبأنّ هذا الأمر أصبح خارج قواعد الاشتباك، في رسالة واضحة بكلّ غموض عما يمتلكه السيد وحزبه من إمكانيات دفاع جوي تخرق التفوّق الصهيوني.
ولعله بعد هذا الجزء من كلام السيد عن وضع العدو الصهيوني وبهذا التصعيد والثقة والقوة، فإنّ أيّ حديث عن باقي الكيانات الأعرابية يُعدّ تحصيلاً حاصلاً، فأولئك المتهافتون على الانبطاح التطبيعي مع كيان العدو الصهيوني، وصل بهم العهر إلى أن يدعوا علناً لإخراج العلاقات والتطبيع مع الكيان الصهيوني من تحت الطاولة إلى فوقها، والتي وصل بعضهم إلى درجة طلب الاندماج الكامل بالكيان الصهيوني، وعدم العمل على تحرير فلسطين، بل جعلها دولة يهودية يقطنها العرب لئلا تزيد الدول الفاشلة في جامعة الأعراب دولة فاشلة أخرى، بل وزادوا في طلب إعلان ضمّ الكيان الصهيوني إلى جامعة الأعراب علناً….!