طبّارة: التوافق الإيراني ـ السعودي مفتاح الحلّ لأزمات المنطقة
حاورته روزانا رمّال ــ تحرير محمد حمية
اعتبر سفير لبنان السابق في واشنطن د. رياض طبارة «أنّ ما جرى في بروكسل هو إثبات كبير على أنه لم تعد هناك أي حدود في مسألة الإرهاب وأنّ الكلّ معني بذلك والمشكلة اليوم ليست في معرفة المتورطين بل في إهمال ما هو أهم بكثير من هذا وهو مناقشة أسباب الإرهاب».
واستبعد طبارة أن تشكل الأحداث فرصة لحركة سياسية جدية، معتبراً «أنّ ما جرى ليس وليد الساعة بل نتيجة أزمة متراكمة في أوروبا سببها إهمال الحكومات».
من جهة أخرى، أوضح طبارة «أنّ اللغة الأميركية في التعامل مع الإرهاب هي مصلحية بالدرجة الأولى، حتى أنه لا يوجد تعريف موحّد للإرهاب كمصطلح، فما يعتبره العالم إرهاباً قد لا يكون كذلك بالنسبة إلى واشنطن، والعكس صحيح».
وعن الانتخابات الأميركية، قال طبارة: «إنّ اللوبيات اليهودية لا تزال هي صاحبة القرار الأهم وهي قادرة على دعم أي مرشح تجد أنه يحاكي المصلحة الإسرائيلية»، كاشفاً أنها «لم تحسم بعد مسألة دعم مرشح واحد بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب.
وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً.
بعد تفجيرات بروكسل بات العالم يتشارك الهم نفسه، لكنّ اللافت هشاشة الأمن الأوروبي. كيف تصف هذا الوضع وكيف يمكن لـ«داعش» أن يتحرك بسهولة هناك؟
ـ حدثت تفجيرات مشابهة مرتين، في فرنسا وفي أميركا وأيضاً في سان برناردينو وفي كلّ أنحاء العالم. العبرة الأولى أنه لم يعد هناك حدود لا للإرهاب ولا للاجئين. في الماضي، بعد قضية فلسطين كان هناك مليونا لاجئ لم تشعر بهم أوروبا، رغم أنّها شاركت في خلق «إسرائيل». أما اليوم، فقد تغير كلّ شيء وأصبح عندنا لاجئون وعندهم أيضاً والحدود ذابت وهذا برهان على أنّ الحدث اليوم في وسط أوروبا، فلم يعد ممكناً ضرب ليبيا مثلاً، من دون تداعيات في أوروبا.
العبرة الثانية أنّ هذ النوع من الإرهاب من الصعب جداً التصدّي له، فعندما يقرّر شخص ينتمي إلى «داعش» أو «النصرة» أن يقتل من حوله من دون أي رادع، نذكر هنا على سبيل المثال رجل وزوجته في سان برناردينو تركا ابنتهما الصغيرة وحيدة لتنفيذ عملية من دون أن يتصور أحد أنّ هذا قد يحصل. إذاً هذا النوع من الإرهاب صعب.
نلاحظ أنّ الأهداف دقيقة جداً. كيف يحصل هذا في أوروبا؟ ألا يُفترض أن يكون التشديد الأمني أكبر؟ وهل خرجت الأمور عن السيطرة؟
ـ هذه تُسمّى أهدافاً سهلة، وما جرى في مطار بروكسل كان في ردهة المسافرين. نعم، لقد خرجت الأمور عن السيطرة لأنّ الشخص المستعد للموت يحضِّر بشكل أساسي للإنجاز وليس للهرب، لذلك فإنّ مسؤولية الدول الكبرى، والأوروبية تحديداً، معرفة أسباب هذا الإرهاب. لم يعد ممكناً خلق جو إرهابي في بلد ما والقول إنّ اصحاب البلد عليهم تحمُّل المسؤولية من دون أن يتحملوا هم تبعاته التي ستلاحقهم.
كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يقول «داعش لا يؤثر علينا» بداية الأزمة، لكنه قال في مقابلته مع مجلة «أتلانتيك»: «لم نتدخل في سورية وغيرها لأنها لا تهمنا وليبيا كانت خطأ». هو يرى أنّ كلّ ردود الفعل جاءت معاكسة، ويجب معالجة أسباب الإرهاب وليس تعقبه فقط، كشرطة تلاحق المجرمين، فهناك شقّ مُهمَل وهو أسباب الإرهاب.
إذا سلمنا جدلاً بأنّ وجود التطرف هو جزء من حرية المعتقد والديمقراطية، هل يمكن أن نقول إنّ هناك ثغرة في الأنظمة الديمقراطية؟ هل هو فخّ أم قرار بالإيواء؟
ـ لا أعتقد أنّ السبب هو النظام الديمقراطي وحرية المعتقد. فمن نفذوا أعمالاً إرهابية في فرنسا مثلاً، ينتمون إلى الجيل الثاني أو الثالث من المواطنين. أي أنهم من السكان الذين أسّسوا في البلد. إذاً هم مسؤولية البلد الذي يحتضنهم. والسؤال المطروح: لماذا يهاجم هؤلاء بلادهم؟
هل السبب، في رأيك، السياسة العنصرية؟
ـ أعتقد أنّ السياسة العنصرية هي في المناطق حيث يقطن الجزائريون المسلمون، هؤلاء معظمهم يتوزعون في أماكن لا يتصورها العقل: بطالة وإهمال مقصودان بعلاقة تلك المناطق مع العاصمة باريس. اليوم خرجت ظاهرة «الإسلاموفوبيا». أوروبا يقطنها حوالى 510 ملايين شخص يقولون إنّ مليون مسلم قدموا إلى أوروبا وسيغيرون وجهها وثقافتها، بينما في لبنان هناك شخص من أصل اثنين لاجئ. لقد اشترط عدد من المسؤولين، خصوصاً في أوروبا الشرقية، لقبولهم لاجئين سوريين أن يكونوا مسيحيين. إذاً هذه هي «الإسلاموفوبيا». في الانتخابات الأميركية أيضاً، نلاحظ الحديث عن «الإسلاموفوبيا» من المرشحين دونالد ترامب وتيد كروز. هذا الجو خلق تمرّداً داخل المجتمعات فلا يمكن اللوم بعد.
هذا الكلام يأخذنا إلى المخيمات الفلسطينية حيث هناك خلايا خطيرة تُستخدم لمشاريع إرهابية. هل هناك استغلال للفقر والبطالة والظروف الاجتماعية الأخرى؟
ـ طبعاً، وهذا يعود إلى البيئة الحاضنة لأنّ الدول تخلق بيئة حاضنة لاستخدامها. فـ»داعش» مثلاً لا يمكنه دخول منطقة المورمون في أميركا لأنّ أحدا لن يعيره اهتماماً. إذاً هناك خلق لبيئات حاضنة للفكر المتطرف. وهناك أقليات صغيرة تخرب العالم لأنّ طريقة معاملتهم ليست سهلة. ولا أعتقد أنّ هذه الأقليات مسيطر عليها، فهناك أشخاص وقيادات متطرفة تساعد وتجند، لو لم يكن في فرنسا هذا الجهل لو كان هناك تعليم وفرص عمل لدخلوا المجتمع بطريقة طبيعية.
يقول أوباما لـ«أتلانتيك» إنّ السعودية تغذي الإرهاب وتموّل بناء مساجد في أوروبا وأميركا وترسل الأئمة والدعاة. هل ستتغير طريقة التعامل مع الخليج بعد حادثة بروكسل وتكون هناك جدية في مكافحة الإرهاب؟
ـ لا أتصور أنه ستكون هناك جدية على الأرض أو نتائج، وكلام أوباما متنوع ومباشرة بعد هذا التصريح بحقّ السعودية سارع كيري إلى الرياض ليقول إنّ المقابلة قديمة. لا أعتقد أنّ تصريحات أوباما ستغير شيئاً على الأرض فالدول تتعامل بالمصالح وأوباما أكثر رئيس أميركي يركز على المصالح. فهو لا يتأثر بأي شيء أخلاقي، بل بالمصلحة. في حديثه مع «أتلانتيك» بدا أوباما لا يهتم بالأخلاقيات حتى أنه أعطى مثالاً: إذا قام أحد بقتل شعبه، وليست لنا مصلحة لنتدخل فلا نتدخل، متناسياً أنّ أميركا تخترع مفاهيم حقوق الإنسان. في كوبا مثلاً، حاضر أوباما عن حقوق الإنسان وسجن غوانتنامو بعيد 50 كلم عنه وهو اعترف بأنّ جلّ الموجودين في هذا السجن أبرياء، ناصحاً كاسترو بالانتباه إلى حقوق الإنسان.
تطلق أميركا تقريراً سنوياً حول خروقات حقوق الإنسان في العالم ولا تذكر أي خرق أميركي. هل يصدق أحد هذا؟
الإرهابي بالنسبة إلى أميركا ليس إرهابياً بالنسبة إلى غيرها والخلاف حول تصنيف الإرهاب واضح وها هي الأمم المتحدة تعجز عن ذلك. ما هو الإرهاب؟ لا يوجد اتفاق على تعريف موحّد.
هل يمكن أن نعتبر أنّ الاتفاق النووي مع إيران يأتي ضمن المصلحة الأميركية حتى لو أضرت بمصالح أخرى لها؟
ـ نعم هناك عقيدتان لأوباما: الأولى إذا ارتدّت الأمور عليه يدخل في حرب. ففي العراق مثلاً يُعاود حضوره وفي سورية بات موجوداً أيضاً. ربما أدرك أنّ الانسحابات ارتدّت سلباً والعقيدة الثانية هي أنه «إذا انفتحت أميركا على بلد مثل إيران أو كوبا، فإنّ ذلك من شأنه تغييرهما لصالح واشنطن فتتغلغل أميركا في هذه البلدان وتقوي المعتدلين وتضعف المتشدّدين، فيتغير البلد ويعود إلى المجتمع الدولي بشروط أميركية.
هل يعني ذلك استدراجاً أم حاجة إلى التعاون مع إيران؟
ـ أظنّ أنّ هناك حاجة طبعاً، وأوباما يعتبر اليوم أنّ المقاطعة لم تنفع إلى درجة كبيرة واليوم لديه مجال أن يتعامل بشكل آخر، هو يقول يجب تقوية المعتدلين وإضعاف المتشدّدين، فتصبح إيران تدريجياً مع أميركا، فنربح إيران بهذه الطريقة أفضل من العقوبات. كوبا مثال أوضح فهي صغيرة جداً أمام أميركا، فمساحة الأخيرة أكبر من كوبا تسعين مرة. الإنجاز الذي تحدث عنه أوباما هو أنه يريد أن يضع أميركا اللاتينية تحت مظلته، وهذه نهاية الحرب الباردة.
هل نعتبر ذلك نوعاً آخر من الغزو الأميركي بطريقة سلمية؟
ـ بالتأكيد، فالهدف ليس حقوق الإنسان.
هل كانت زيارة كوبا تمهيداً أو مقدمة للشعب الأميركي لتبرير الانفتاح على إيران؟
نعم، وأعتقد أنّ قوة الاقتصاد الأميركي في كوبا ستخلق كوبا جديدة متعلقة بأميركا وعندما تصبح هناك تجارة ومصالح وسواح يصبح من الصعب على كاسترو أن يطلب من شعبه أن يبقى شيوعياً. أوباما قام بتنفيذ هذه الخطة مع إيران، وهو إذ يصنفها دولة ترعى الإرهاب، يقدم الانتخابات الإيرانية كإنجاز للمعتدلين، والهدف ربط الاقتصاد الإيراني بأميركا.
ألم يكن التوقيع نتيجة ضغط فرضته إيران وعدم القدرة على تجاهلها، أم أنه قرار أميركي بالغزو الثقافي والمالي الذي تتحدث عنه؟
ـ ما قام به أوباما كان ضدّ رأي الكونغرس، ومن جهة أخرى، كان للعقوبات على إيران مساندة كبيرة من الكونغرس وترامب اليوم يقول إنه في اليوم الأول لفوزه سيقوم بإلغاء الاتفاق مع إيران. أوباما أجّل البرنامج النووي عشر سنوات، وهذا ما لا يجب أن ننساه وخلال السنوات العشر هذه يراهن أوباما على أنّ ايران ستتغير تحت الضغط.
هل تحدى «إسرائيل» أم أنه عمل لمصلحتها على المدى البعيد؟
ـ تصعب مرضاة «إسرائيل»، فترامب مثلاً أخطأ مرة وقال إنّ علينا أن نقبض ثمن السلاح من الدول التي نمنحها إياها، فتمسّكت «إسرائيل» بهذا التصريح وها هو يعدل موقفه في اجتماع «إيباك» ويقول لم أكن أقصد «إسرائيل» فهي مثل أميركا بالنسبة إلي. أما نحن فيجب ألا نتأمل أن أي تغيير سيحصل بعد الانتخابات الأميركية.
من هو المرشح المفضل لدى «إسرائيل»؟
ـ يفضلون كلينتون على ترامب ولا يزالون يتذكرون غلطه، وفي «إسرائيل» كلينتون أكثر شعبية من ترامب، لكن ليس بكثير، فـ«الإسرائيليون» لم يحسموا بعد من هو مرشحهم الأفضل. اللوبيات اليهودية في أميركا لم تقرّر بعد من تريد، طبعاً تأثير اللوبي «الإسرائيلي» قوي جداً.
ما هو الأمر الكبير الذي تتحكم «إسرائيل» بالولايات المتحدة على أساسه؟
ـ الناخبون اليهود يصوتون بأغلبيتهم وكلّ الأموال التي تُصرف على الحزبين هي يهودية من خلال اللوبي بين أصحاب شركات وغيرها، لذلك يسارع المرشحون دائماً إلى كسب رضا «إسرائيل».
هل تعني أنّ علاقة أوباما ونتنياهو غير متكافئة؟
نعم بعض الشيء، أذكر حين كنت سفيراً في واشنطن عام 1996 وكان نتنياهو حينها رئيساً للوزراء كان أحد موظفي البيت الأبيض يروي قصة مفادها أنّ كلينتون عندما جاء إلى البيت الأبيض زاره نتنياهو وقال له أعرف أنك حاولت إسقاطي في الانتخابات ولم تستطع، الآن دورك وأنا إذا أردت يمكنني أن أسقطك في الانتخابات. فغضب موظفو البيت الأبيض لإهانة رئيسهم من قبل نتنياهو. خطاب نتنياهو في الكونغرس كان بدعوة من الكونغرس ونذكر كم صفقوا له ووقفوا أكثر من 18 مرة. علينا ألا نتوهم أن تغير أميركا في المستقبل المنظور نظرتها تجاه «إسرائيل».
تقول هيلاري كلينتون إنها ستعيد النظر بالاتفاق النووي الإيراني ويقول ترامب أنه سيلغيه، ما رأيك؟ وماذا عن دول الخمسة زائداً واحداً؟
ـ لا أعتقد أنّ الاتفاق سيُلغى حتى لو فاز ترامب. قد تحصل تعديلات. أما بالنسبة إلى الدول الخمس الباقية، فإنّ روسيا فقط قد تعاند، أما البقية فكلهم أتباع أميركا.
هل هناك تقارب حالي بين الدول؟ وإلى أي مدى يمكن أن نرى دفعة جدية نحو الحل؟
ـ الخلاف الأساسي في المنطقة سعودي ـ إيراني، وأوباما قال في آخر تصريح له: «يجب على السعودية وإيران التعاون لاقتسام المنطقة». أعتقد أنّ الحل الأساسي لمشاكل المنطقة هو اتفاق إيراني ـ عربي وأتصور أنّ الطرفين يدركان ذلك جيداً.
أعتقد أنّ الحلّ النهائي لن يكون من دون توافق إيراني ـ سعودي. إيران تتغير اليوم وأتصور أنها ذاهبة إلى الاعتدال أكثر من التشدُّد.
هل سيستغل أوباما ما تبقى من ولايته من أجل الحلول السياسية؟
ـ أعتقد أنه سيتغل ما تبقى ليترك إرثاً للتاريخ يحكي عن عقيدته. كلّ ما فعله في كوبا لم يدخل فيه الكونغرس وقد استخدم صلاحياته الرئاسية وبقرارات رئاسية، يريد للتاريخ أن يذكر له نظريته انفتح على عدوك وراقب كيف يتغير.
ما رأيك بثنائية لافروف ـ كيري ؟
ـ هما متفاهمان أكثر من غيرهما لكن تبقى اللعبة لعبة مصالح. اختلفوا مثلاً على مراقبة وقف إطلاق النار وغيرها من الأهداف تقاطعت في وقت معين، لذلك أصبح ظاهراً. كان الثنائي مرحاً أو منتجاً، لكن في مسألة أوكرانيا مثلاً، لم تنجح الثنائية. إذاً عندما تتقاطع المصالح هناك إمكانية للتفاهم.
في ما يتعلق بالعقوبات على حزب الله الذي صُنف، عربياً وخليجياً، إرهابياً. كم سيساهم الضغط الخليجي في فرض عقوبات غربية على الحزب؟
ـ واشنطن لا تريد الفوضى في لبنان وليس لها مصلحة، لذلك كلّ ما تقوم به يمكن أن يصل لحدود معينة. الأميركيون لهم حدود في هذه العملية. أما العقوبات من جهة الخليج، فهي تراكمية بدأت في السعودية ثم الخليج ثم الجامعة العربية. اليوم الحديث عن الدول الإسلامية يعني الدائرة تتوسع جغرافياً. ولكن نسأل: هل انتهى التوسّع الجغرافي أم بعد؟ هل ستقنع أوروبا أم لا، خصوصاً أنّ بعض الأوروبيين أظهروا قابلية للمزيد من العقوبات؟
من الصعب الفصل بين حزب الله ولبنان لذلك تجب متابعة الموضوع بشكل دقيق. السيد حسن نصرالله قال للخليجيين في خطابه الأخير: «معركتكم معنا… حيّدوا لبنان»، أي أنّ هناك توافقاً كاملاً بين 8 و14 آذار على تحييد لبنان.