عامٌ على حرب اليمن النتائج والتوقعات
جمال الكندي
تفاجأ الشارع العربي ونخبه السياسية بتاريخ 26 مارس 2015 م بإعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ومن واشنطن بدء حملة الحزم، وهي الحملة العسكرية للتحالف العربي ضد أعداء الشرعية في اليمن، كما تسمّى، لتطهير اليمن من اليمنيين الانقلابيين الحوثيين وأنصارهم الذين يشكلون خطراً على الأمن اليمني والعربي، فجاءت هذه الحملة لإعادة هادي إلى منصبه المسلوب من قبل أعداء استقرار اليمن، ولا يهم ما سيحدث بعدها المهم إرجاع حليف الخليجيين والعروبة إلى عرينه في صنعاء.
المشهد الذي رأيناه جميعاً قبل سنة من الآن من التجهيزات العسكرية والحشهد الاستعراضي الإعلامي، وبيان بأرقام كل دولة بعدد طائراتها الحربية التي سوف تقصف اليمن واستهداف مقار الحوثيين كما يزعمون، كان يبعث بالحيرة وكثير من التساءلات، هل اصبح الحوثيون وأنصارهم خطراً على الأمن الإقليمي العربي، كما يزعمون؟ وهل حركتهم من أجل الشراكة الوطنية في إدارة شؤون اليمن، والخروج باليمن من الوصاية لأي دولة كانت هو تهديد للأمن القومي العربي؟ إنها أسئلة محيّرة فعلاً لم تجد إجابة من قبل هذا الحلف ألا عن طريق القنابل والصواريخ التي استهدفت طوال عام كامل الإنسان اليمني والبنى التحتية اليمنية. إنها حرب جاءت لتكسر الثورة اليمنية، لأن الثورة كان عنوانها لا لأي هيمنة على اليمن وان اليمن لجميع اليمنيين بكافة مكوناتهم واطيافهم الوطنية، ولن تكون اليمن بعد اليوم حديقة خلفيةً لأي دولة مهما كان حجمها.
عام على الحرب في اليمن والمشهد اليوم لم يتغيّر كثيراً من ذي قبل، فما زالت طائرات التحالف العربي ضد الحوثيين وأنصارهم تخترق سماء اليمن وتقصف أرضه وإن كان التغيّر البارز هو انخفاض عدد الدول التي بدأت حملة الحزم وبعدها الأمل وأصبحت القوة الكبرى لهذا الحلف تتركّز في دولتين أو ثلاث، وانتهت تلك الهالة الإعلامية التي صاحبت الحملة العسكرية في بدايتها وبأنها جاءت لتحقق الوحدة العربية، والكرامة العربية وكلمات طنانة أخرى سمعناها لكنها اختفت وتبخّرت، بعد ان أدركت دول كثيرة أن هذه الحملة تسببت بمآسي للشعب اليمني وان الدمار لحق بكل جزء في اليمن وليس بجغرافية معينة يوجد فيها أعداء حملة الحزم فقط، وانها كذلك تسبّبت بظهور الدواعش والقاعديين، إن صحّ التعبير في جنوب اليمن.
عام على حرب اليمن ومن بدأها بشّر بأنها حرب خاطفة سريعة ستعيد الأمور في اليمن إلى نصابها، وستلجم مخالفيها وتعيدهم إلى جحورهم في جبال صعدة وعمران. فقد أخذت الموافقة الأميركية وما الإعلان عن الحملة في واشنطن إلا أشارة إلى أن أميركا معنا وتبارك هذا التحرك العربي ضد دولة عربية. ولكن الحرب لم تكن خاطفة وسريعة، كما توقعها قادة حملة الحزم وتقديراتهم كانت خاطئة، والدليل أن الحرب التي كانت مقدرة لها بقترة زمنية لا تتجاوز الشهر الواحد تكمل عامها الأول وتدخل العام الثاني، فقد نقل عن وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن بأول في مقابلة له في قناة فوكس الأميركية أنه قال «أخطأنا بترك السعودية تهاجم اليمن وكان علينا ألا نصدق وعودهم، فقد أكد لنا سلمان وابنه ان الحرب على اليمن لن تستمر 10 ايام وان الجيش السعودي قادر على دخول صنعاء بعد اليوم السابع من بدء الهجوم والنتيجة كارثية، وكانت بعد 41 يوماً من القصف سمعنا صراخ حلفائنا السعوديين يطلبون النجدة، لأن اليمنيين خلقوا مفاجأة لم يتصوّرها أحد بالداخل اليمني وعلى الحدود دخلوا مدناً سعودية وقتلوا الجنود السعوديين وصادرو أسلحة سعودية، رغم اننا قدمنا دعماً كبيراً عسكرياً ولوجستياً للسعوديين وخطأنا أننا راهنّا على جيش ضعيف ووزير دفاع ليس لديه فكرة عن كلمة حرب».
عام على حرب اليمن، والنتائج لم تكن كما وعد قادة «الحزم والأمل»، فالرئيس هادي مازال يتنقل بين عدن والرياض والأهداف التي رسمت للحملة لم تتحقق بعد، فلا الرئيس هادي رجع إلى السلطة ولا عدن أصبحت بديل صنعاء ومنطلقاً لتحرير الشمال، كما كان يروّج في إعلام حملة الحزم.
عام على حرب اليمن، ومن نتائجها التغير الكبير في الساحة السياسية والعسكرية في الجنوب اليمني، فبعد خلو الساحة الجنوبية من الجيش اليمني واللجان الشعبية ومَن كان معهم من الجنوبيين، ها هي اليوم عدن الجنوب ترفع فيها أعلام داعش والقاعدة، والتي يعلم الغرب وحلفاؤه بأنها تحمل أجندات معروفة التوجه وهي خطر كبير على السلم الأهلي في اليمن جنوبه وشماله، وعلى مصالحهم في الخليج.
عدن اليوم لا تعرف لها هوية وليعذرني أبناؤها الشرفاء الذين أعلم بأنهم لا يرضون ما يحدث فيها، فهي اليوم محصورة بين الجنود العرب والمرتزقة وبين الجماعات التكفيرية، والقضية الجنوبية تبخّرت بينهما وخاصةً بعد خروج الجيش اليمني واللجان الشعبية من الجنوب.
عام على حرب اليمن، وجبهات القتال لم تحسم في الشمال، فمأرب مازالت منقسمة بين الجيش اليمني واللجان الشعبية من جهة وبين قوات هادي وحلفائه من جهة أخرى، وأختها تعز والجوف لا تختلفان عنها في شيء والوعود التي قطعت في بداية حملة الحزم بتطهير صنعاء من الحوثيين تبخرت، ومن أراد قلع الحوثيين من صنعاء يفاوضهم في السر لكي يحيّدوا الجغرافية السعودية من القصف مقابل الهدنة في المناطق الحدودية.
حرب اليمن هي قائمة أخرى من قوائم الحروب العبثية في المنطقة العربية، وانتكاسة من انتكاسات العرب، فهي لم تحقق شيئاً يضاف إلى رصيد العزة والكرامة العربية بل زادت من الشرخ العربي ووسعت من دائرة الدم اليمني، وأوجدت ثارات في الداخل اليمني لن تنسى بسهولة، فالدماء اليمنية التي سالت في هذه الحرب لا عنوان لها إلا إنها سالت من أجل خلق النزاعات المذهبية والقبلية في اليمن.
إذا كانت هذه هي نتائج حرب اليمن خلال عام مضى، فما هي التوقعات؟ التوقعات نقرأها اليوم في ظل نظرية لا غالب ولا مغلوب في اليمن، فأنظار تتجه إلى التسوية السياسية على قاعدة تفاهمات مسقط والجلوس على طاولة الحوار وتجنيب البلد عاماً آخر من الدمار والدماء، وهذا ما يسعى فرقاء الأزمة اليمنية وحلفاؤهم إلى تحقيقه، وما الإعلان عن اللقاء المرتقب في شهر إبريل في دولة الكويت برعاية أممية بين مَن هم في الرياض وأنصار الله والمؤتمر الوطني إلا بداية تحكيم العقل وإدراك قادة حملة الحزم بأن الحسم العسكري في اليمن هو بعيد المنال، ولا حل إلا الحل السلمي التوافقي والذي كانت لقاءات مسقط المعلنة وغير المعلنة تدعو جميع الأطراف إليه.
ختاماً أقول إن دماء اليمنيين تسيل في كل يوم والخاسر الأول والأخير هو الشعب اليمني الذي دمّرت دولته بسب هذه النزاعات السياسية والولاءات التابعة لها، فاليمن يعاني من الحصار الجائر الذي يحرمه من أبسط حقوقه المدنية في العيش بعزة وكرامة، ولقاء الكويت يعتبر حسب كلام ولد الشيخ الفرصة الأخيرة لتضع الحرب أوزارها في اليمن، فهل نشهد ذلك فعلاً في الكويت؟؟