من يحمي لبنان من الزلزال الإرهابي؟

علي بدر الدين

الإرهاب المتمادي الذي يوسّع من دائرة استهدافه من دون رادع، فرض خطره على معظم دول العالم وبات يهدّد ما يسمّى بالسلام العالمي، الذي كشف حجم الزيف والخداع للدول التي تدّعي حرصها على تعميم ثقافته، والحفاظ على عالم خال من الصراعات والحروب، فإذا بها شريكة فاعلة في تمادي هذا الإرهاب من خلال تمويله وتسليحه والتخطيط له، للقيام بعملياته الإرهابية حتى في دول افترضت او اعتقدت أنها بمنأى عن الإرهاب وضرباته الموجعة وهي التى ترفع عناوين الديمقراطية وشرعة حقوق الإنسان، وتتبنّى حرية الرأي والمعتقد، واحترام الآخر وتعتبر أنّ مصدر الإرهاب هي الأنظمة المستبدة والمتسلّطة التي تقمع شعوبها وتحرمها من أبسط الحقوق وتقيّد حرياتها.

لكن الواقع أثبت أنّ الجميع شركاء في صناعة هذا الإرهاب وفي تمدّده وتوفير عناصر قوته، لأنها ببساطة شجعته من خلال التمويل والتسليح وعدم مواجهته والتصدّي له قبل استفحاله، وبخاصة بعض الدول الغربية التي أرادت منه تحقيق ما تهدف إليه وتخطط له من أجل السيطرة ووضع اليد على العديد من الدول العربية والآسيوية والإفريقية. حتى وصل «موسى» الإرهاب إلى قلب أوروبا، ربما أيضاً بهدف إضعاف بعض دولها وخلخلة استقرارها السياسي والأمني والاقتصادي، وإلا فكيف نفسّر العمليات الإرهابية التفجيرية والانتحارية التى ضربت باريس ثم بروكسل، خاصة أن هاتين الدولتين وفق الوقائع والمعلومات المستفيضة تحتضنان مئات الآلاف من العرب والمسلمين الذين يعيشون بأمان وضمانات اجتماعية ورواتب ومحفزات وظيفية وصحية وتعليمية؟ وكيف نفسّر لماذا فشلت عشرات الدول التى اجتمعت بتحالفات دولية وعربية في القضاء على الإرهابيين وفي مقدمهم ما يسمّى بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» حيث تطالعنا وسائل الإعلام الغربية يومياً عن مئات الغارات الجوية وآلاف الصواريخ والقذائف التى تنهمر على مواقع هذا التنظيم وتدّعي أنها دمّرتها وقتلت المئات؟ وكيف لهذا التنظيم الإرهابي الذي اجتمع العالم على مواجهته بهدف القضاء عليه واقتلاعه من جذوره يزداد قوة ويوسّع من بنك أهدافه لتطال مالي، وبوركينا فاسو وابيدجان في القارة الأفريقية، واندونيسيا في آسيا وفرنسا وبلجيكا في أوروبا فضلاً عن مواصلة إرهابه في سورية ولبنان واليمن وتونس وليبيا والعراق، ألا تثير هذه الوقائع والمعطيات التساؤلات وتطرح علامات الاستفهام حول جدوى التحالفات الدولية والعربية ومدى قدرة وفاعلية العمليات العسكرية التى يبدو أنها فقط لتدمير المدن والقرى وإبادة سكانها وربما إزالتها عن الخارطة؟

إنّ لبنان الذي استهدفه الإرهابيون ولا يزال في عين العاصفة الإرهابية وقلبها، كيف له أن يخرج سالماً من الزلزال الإرهابي المتصاعد في ظلّ انكشاف العالم بأسره أمام الهجمات الإرهابية بعد أن ضربوا في أكثر من دولة وقارة، حيث تساوت في دفع أثمان باهظة في الأرواح والممتلكات وفقدان الكثير من الهيبة الدولية والسياسية ومن استقرارها بعد ان طالها الإرهاب وضربها في عقر دارها.

كيف للبنان، هذا البلد الصغير، ان ينجو وينأى بنفسه ويحصّن جبهته الداخية ويحافظ على وجوده كدولة ومصير إذا لم ترتدع طبقته السياسية الحاكمة ومكوّناته السياسية عن انغماسها في صراع المصالح والتسابق على كسب المواقع المتقدّمة في السلطة وعلى تحقيق المكاسب المالية كيف للبنان ان يخرج سالماً وما زالت هذه الطبقة متحجّرة في مواقفها السياسة والمصلحية والطائفية ولا تقدّم على أي خطوة إيجابية توحي بتحسين الأداء السياسي وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة؟

ألم يحن الأوان لهذة الطبقة أن تستفيق وتعي حجم الأخطار المحدقة بلبنان من كلّ حدب وصوب؟ خصوصاً أنها تعلم أنّ الهيكل إذا سقط لن تنجو منه، وهي أول من سيدفع الثمن، لأنّ انهيار النظام السياسي الطائفي على «علاته» وسيئاته يعنى انهيارها وسقوطها؟

إنّ الواقع المأساوي يقتضي قبل كلّ شيء أن تفك هذة الطبقة أو بعضها ارتهانها للخارج أياً كان وعدم انتظار الترياق من حدوث تقارب سعودي إيراني الذي لم يأت أوانه بعد، ومن واجبها ومسؤولياتها ان تحرك المياه السياسية الراكدة بإحداث صدمة في جدار الخلافات الفعلية والوهمية والمصلحية على كثير من الملفات والقضايا. وعليها قبل فوات الأوان أن تسرع الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والا تكتفي بتعداد جلسات الانتخاب التي وصلت الى رقم قد يدخلها في كتاب «غينيس» للأرقام القياسية، وأن تفعّل جلسات الحوار الجماعية والثنائية، والا تكتفي أيضاً بتعدادها، وأن تعلن للرأي العام اللبناني المتحمّس جداً لهذه الحوارات عن مضمونها ونتائجها، وما تحقق منها وما هو غير قابل للتحقق، أقله في المدى المنظور، وإذا كانت غير قادرة على إحداث ثغرة في جدار الفشل والعجز فعليها مصارحة اللبنانيين والاستقالة من مسؤولياتها لأنها تصبح عالة على الدولة وسبباً لمزيد من الأزمات والمشكلات التي تنفضح يوماً بعد يوم… من ملف النفايات إلى الفساد المستشري والصفقات المشبوهة والقمح الفاسد والأدوية المزوّرة وغيرها الكثير مما فاحت رائحته وبات خطراً فعلياً يهدّد الأمن الاجتماعي لمختلف شرائح الشعب اللبناني.

لماذا لا تتعظ هذة الطبقة أو بعضها على الأقلّ مما يحدث حولنا وأبعد من لبنان والأمثلة كثيرة. وآخرها استقالة وزيري الداخلية والعدل في بلجيكا بعد تفجيرات بروكسل، ونحن لم نشهد استقالة ايّ مسؤول فيما لبنان يغرق في المجهول بفعل فاعلين حاكمين متسلطين لا أحد يقدر على إزاحتهم عن كراسي الحكم والتسلط سوى الموت.

ولكن «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل»، وآمال اللبنانيين معقودة على المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وعلى المقاومة لردع المعتدين والتصدّي للإرهابيين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى