إيران والسعودية إلى طاولة غزة
ناصر قنديل
– المسار التفاوضي الذي افتتحته هدنة غزة الممدّدة والمدعوّة إلى المزيد من التمديد تحت العنوان الإنساني، مسار معقّد متعرّج ومتشابك وفوق ذلك متعدّد الأطراف، فوقف إطلاق النار هو إعلان اليقين المتبادل بين طرفي الصراع أنّ استخدام المزيد من القوة لن يجعله أقرب من الأهداف التي يمكن تحقيقها باللجوء إلى القوة، ولن يساعده بإيصال المزيد من الرسائل التي أراد إرسالها، فحكومة نتنياهو وقادة جيش الاحتلال يدركون أنّ نزع سلاح الصواريخ والتخلص من الأنفاق هدفان بعيدان عن التحقّق، والمزيد من القوة سيقتل ويدمّر المزيد لكنه لن يحقق هذين الهدفين، ما أرادت «إسرائيل» إيصاله من رسائل، للأميركي والسعودي والمصري والتركي والقطري، عن الحاجة إلى التصرف كحلف واحد في مرحلة دقيقة وحرجة كالتي تعيشها المنطقة قد وصلت، وتأكيدها أنّ قوتها ومصيرها ينعكسان مباشرة على منسوب قوة كلّ منهم ومصيره قد وصل أيضاً، وبالمقابل أكدت المقاومة أنها قوة عسكرية لا يمكن كسرها، وأنّ التأييد الشعبي لمشروعها لا يمكن الرهان على ضربه، وأنّ التغيير الجيوسياسي في المنطقة لم يصب مشروع المقاومة سياسياً وعسكرياً وشعبياً بما يغيّر التوازنات، وأنّ الاستقرار لن يتحقق في المنطقة من دون فك الحصار عن غزة وإعادة إعمارها، والرسائل التي أرادت المقاومة إرسالها من أنها تملك قدرة جعل «إسرائيل» كلها تحت النار قد وصلت، وأنها قادرة على إنهاك جيش الاحتلال بالعمليات البرية ومفاجآتها قد فعلت فعلها، وكذلك من أن تغيّر واقع تحالفات قواها في المنطقة وأوزانهم، تغيّر عن رسائلها الخاطئة في الحرب الأخيرة، فتغيّر حال الإخوان المسلمين لا يغيّر بقدرتها، وجفاف العلاقة بحلفائها في سورية وإيران لا يبدّل بمواقفهم، وقربها من تركيا وقطر لا يجعلها في جيبهم.
– وقف النار هنا يصير تعبيراً عن استنفاد القوة دورها، فالمزيد منها لن يسمح لنتنياهو بدخول غزة ولن يمنح المقاومة قدرة فك الحصار من طرف واحد أو الشروع بعمل مقاوم أكبر، يصير استمرار القوة هو دليل صمود من طرف المقاومة وعلامة على المأزق مع الرأي العام من الجانب الإسرائيلي، وتصير الحاجة إلى ربط مموّه بالأهداف المعلنة لكلّ من الطرفين ضرورة، شرط عدم ترتيب الإحراج للفريق الآخر، لذلك كانت ضمانات جون كيري مزدوجة في رسالته عن هدنة الأسبوع، فهو يقول لنتنياهو إنّ المفاوضات تهدف إلى بلوغ مرحلة لا وجود للأنفاق والصواريخ في غزة، ويقول للفلسطينيين إن المفاوضات لبلوغ مرحلة تنعم فيها غزة بحياة طبيعية يبدأ فيها الإعمار ويفك فيها الحصار.
– ردم الفجوة بين الرسالتين المتعاكستين يحتاج وقتاً وجهداً، وتمديداً تدريجياً للهدنة كلّ أربع وعشرين ساعة، ليقول كلّ طرف إنّ ما هو أكثر من هدنة إنسانية وقف على تحقيق الأهداف، ونقطة البداية أنّ غزة بلا صواريخ وبلا أنفاق أمر لا يمكن تخيّله بلا حلول تضع القضية الفلسطينية برمّتها على سكة الحلّ، مما يعني أنّ الاتفاق سيتضمّن عنواناً سياسياً كبيراً يتصل بالحلّ الشامل، ومن ضمنه وعود بعيدة المدى للإسرائيلي بتحقيق طلباته، كما أنّ القبول الإسرائيلي بالمقابل بفك الحصار بعد التصعيد الكلامي والعسكري لا يبدو سهلاً، خصوصاً أنّ المطلب الفلسطيني يجعله مرتبطاً فوراً بوقف النار، ما يستدعي رسم إطار وسيط بين حلّ شامل يعد الإسرائيلي بالأمن النهائي والكامل، وفي الطريق إليه جملة إجراءات يرد من بينها فك الحصار، وسيكون النموذج اللبناني هنا حاضراً لاستلهام الصيغ الممكنة من القرار 1701 والحوار الوطني حول استراتيجية للدفاع، بما يعني أنّ وقف النار سيربط فك الحصار بتسلّم السلطة الفلسطينية للمعابر بمعونة دولية، كحال انتشار الجيش في الجنوب بدعم «اليونيفيل»، وهنا تستطيع «إسرائيل» القول إنها مكاسب تحققت لحسابها بفعل الحرب وبالمقابل لا تزعج هذه الشروط قوى المقاومة المنضوية في حكومة المصالحة الوطنية بل تعتبرها مكاسب وطنية كبيرة ونصراً لحربها وثمناً لصمودها.
– بلوغ هذه المرحلة يستدعي تمديداً متقطعاً بالمناوشات العسكرية للهدنة، ووصولاً إلى ترتيبات التفاهم الكبير، الذي يحتاج لبلورته الطرفان الرئيسيان في لعبة المنطقة ولو من خلف الطاولة إنْ لم يكن عليها وهما إيران والسعودية، لأنّ التفاهم هو بداية الترتيبات المتصلة بخريطة المنطقة، فليس ممكناً الحصول على ضمانات حقيقية بالتعاون بين السلطة والمقاومة في فلسطين بلا السعودية وإيران، لأنّ ما تضمنه تركيا وقطر بالنسبة لحماس لا تستطيعان هما ولا حماس ضمانه بالنسبة إلى الجهاد، والسلطة التي ستتسلّم أموال إعادة الإعمار وإدارة الأمن ستكون بحكومة تحظى بالدعم الإقليمي، خصوصاً السعودي والإيراني كنقطة بداية لترتيبات الحكومات الجديدة خصوصاً في اليمن ولبنان والعراق.