تقرير

رجّح تقرير نشره مركز «ستراتفور» للدراسات السياسية والاستراتيجية أن تشهد التحالفات الحالية في المشهد اليمني تغيّراً كبيراً في وقت تمضي الأمور قدماً نحو التوصل إلى تسوية للأزمة التي تحوّلت إلى حرب أهلية منذ قام الحوثيون الموالون للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، بالسيطرة على العاصمة صنعاء، وما تلا ذلك من تدخل عسكري لقوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية دعماً للرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي.

يشير التقرير إلى المثل العربي القديم: «أنا وأخويا على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب». ويعني ذلك أن التحالفات الفضفاضة يمكن أن تتشكل في مواجهة العدو المشترك، حتى في حالة وجود نزاع بين الأطراف الموحدة.

يتجلى ذلك أكثر في اليمن، حيث تشكّل عدد من التحالفات خلال السنة الماضية وسط حرب أهلية مطوّلة في البلاد، ولكن بينما تلوح في الأفق بوادر حلّ للقتال على نحو متزايد، فإن الشراكات سوف تنهار وستتغير الولاءات، ما سيمكّن المنافسات والتوترات القديمة لأن تطفو على السطح. وحتى لو تم التوصل إلى صفقة سياسية، فلن يكون من شأنها أن تجلب السلام إلى اليمن.

بحسب التقرير، تشير التطورات الأخيرة إلى أن الصراعات بين رئيسَي اليمن السابق والحالي، والمتمرّدين الشيعة الحوثيين، ربما تكون قد شارفت على الانتهاء. في 20 آذار، أعلنت الحكومة اليمنية وقف إطلاق النار بعد أن تسربت أخبار في شأن هدنة جزئية على طول الحدود، تم التوصل إليها بين قوات التحالف التي تقودها السعودية والمقاتلين الحوثيين.

وجاء وقف إطلاق النار أيضاً، في غضون أيام، بعد أن قالت السعودية إن عملياتها في اليمن ستتقلص تدريجياً في وقت قريب. وعرضت الكويت استضافة محادثات السلام عند استئنافها، التي يقول مسؤولون يمنيون إنها ستجرى خلال الأسبوع أو الأسبوعين القادمين.

وذكر التقرير أن التحول في ميدان المعركة خلق فرصةً للمضي قدماً في المفاوضات. وقد تقدمت قوات التحالف التي تقودها السعودية بنجاح في صنعاء وأجزاء من تعز، ما أضعف الموقف السياسي والعسكري للمتمرّدين الحوثيين.

ردّاً على ذلك، تدافع قادة الحوثيين للاستفادة مما تبقى من قوتهم التفاوضية. بدأ الحوثيون في التعامل مباشرة مع السعوديين من دون حلفائهم المناوئين لهادي، بما في ذلك الحرس الجمهوري الموالي لصالح والمؤتمر الشعبي العام.

على رغم أن الحوثيين شكّلوا جبهة موحدة مع أنصار الرئيس صالح خلال محادثات الأمم المتحدة الأولية في 19 و20 آذار، سيسعى كلا الطرفين إلى حماية مصالحه الخاصة خلال المفاوضات حول مستقبل اليمن، وفقاً للتقرير.

وتابع التقرير بقوله إنه على رغم كونهم حلفاء، فإن الحوثيين يرغبون في نتيجة مختلفة كثيراً للحرب الأهلية عما يرغب فيه الموالون لصالح. تشكل تحالف الحوثيين وصالح رسمياً في أيار عام 2015. وعندما بدأت قوات التحالف التي تقودها السعودية في شن ضربات جوية ضد صنعاء، انضم الحوثيون والموالون لصالح إلى القوة العسكرية.

ومع ذلك، يريد صالح وأنصاره استعادة السيطرة على اليمن كله ـ وهو الهدف الذي يتناقض جزئياً مع هدف الحوثيين بتأمين قدر أكبر من الحكم الذاتي لمعقلهم الشمالي التقليدي المتمثل في صعدة.

يأتي تخطيط الحوثيين وأنصار صالح لتسيير مسيرات منفصلة في صنعاء في وقت لاحق هذا الأسبوع احتجاجاً على تدخل التحالف السعودي في اليمن، كدليل على الانقسامات العميقة التي لا تزال قائمة بينهما.

في 21 أذار، اتفق المسؤولون الحوثيون مبدئياً على الانضمام إلى قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن الدولي، والذي يدعو المقاتلين إلى وضع أسلحتهم والانسحاب من المناطق المحتلة مثل صنعاء.

مقابل الحوثيين في النزاع هم مؤيدو هادي، الرئيس اليمني الحالي، وحليفهم، الحركة الجنوبية الانفصالية المقاومة سابقاً. كانت المقاومة الجنوبية عنصراً عسكرياً حاسماً لتحالف هادي، ولعبت دوراً حاسماً في السيطرة على عدن وتعز بدلاً من الحوثيين وقوات صالح خلال الأشهر القليلة الماضية.

مع ذلك، ذكر التقرير أن قرار الحركة، لتتماشى مع المقاتلين الموالين الهادي، كان مدفوعاً إلى حدّ كبير بالعداء للحوثيين ـ وليس بالولاء لهادي. إذا لم يعد الحوثيون جزءاً من الحرب، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت حركة المقاومة الجنوبية ستكون أيضاً جزءاً من الحرب أيضاً.

يقول التقرير إنه، وعلى رغم أن اتفاق سلام بين السعوديين والحوثيين، يمكن أن يساهم في تهدئة المعركة، فإنه لن يضع حداً للاقتتال والعنف الذي يعاني منه اليمن منذ سنوات.

بدلاً من ذلك، فإنه ببساطة سيحوّل تركيز القادة تجاه التهديدات الأمنية الأخرى، والقضايا الخلافية. على سبيل المثال، لم تتم الإجابة على سؤال: أين سيذهب صالح عندما يتم التوصل إلى تسوية للأزمة، خصوصاً أن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، ونسبة كبيرة من المواطنين اليمنيين سيتحركون لمنع عودته إلى البلاد.

علاوة على ذلك، فإن العداء للمقاومة الجنوبية تجاه الشمال سيستمر، والحركة يمكن أن تجدّد مطالبها الانفصالية. جنوب اليمن، المجتمع الشيوعي الوحيد في العالم العربي، شكل اتحاداً متوتراً مع اليمن الشمالي في عام 1990، ولم يختف العداء تجاه الشمال في العقود التي تلت. وزادت القدرات العسكرية للمقاومة جنوباً بصورة كبيرة خلال السنة الماضية نتيجة للدعم الذي قدّمته القوات الموالية لهادي للحركة في مقابل دعمها.

وفي الوقت نفسه، فإن المتطرّفين الإسلاميين، خصوصاً أولئك الذين ينتمون إلى تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» وتنظيم «داعش»، استغلوا فراغ السلطة الذي خلّفته الحرب الأهلية في اليمن في زيادة نشاطهم في البلاد.

إن أي وقف لإطلاق النار ـ بحسب التقرير ـ بين المؤيد الهادي وقوات صالح، سيكون له تأثير قليل على العنف الذي ترتكبه هذه المجموعات، حتى في المناطق التي تحرّرت من سيطرتهم.

ورغم أن «المجتمع الدولي» «بقيادة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي» سيحاول مكافحة الجماعات المتطرفة، فإنه سوف يحتاج إلى حشد قوات على الأرض في اليمن للقيام بذلك.

وأخيراً، ذكر التقرير أن الضغط الدولي يتزايد على السعودية من أجل انهاء حربها في اليمن ودعم تشكيل حكومة جديدة. وقد ضغط مجلس الأمن الدولي على الرياض لتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية إلى اليمن بسبب مشاركتها في القتال، وصوت الاتحاد الأوروبي على حظر بيع الأسلحة للمملكة.

لذلك، فإن الرياض ستدفع في اتجاه التوصل إلى اتفاق سلام قريباً. ولكن سيمثل نهاية نشاط التحالف الذي تقوده السعودية في البلاد سيمثل فقط بداية لمرحلة جديدة من المعاناة بالنسبة إلى اليمن. ستضطر صنعاء إلى الاعتماد على مساعدة خارجية للتعامل مع زيادة ندرة المياه والتهديدات الإرهابية. ومع استمرار الحديث عن وقف إطلاق النار ومفاوضات السلام، فإنه من الواضح أن الأزمة لم تنته بعد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى