هذه أميركا التي يجب ألا ننساها
علي جانبين
ما يحصل في منطقة الشرق الأوسط هو أكبر دليل على رغبة الولايات المتحدة الأميركية في السيطرة على العالم وإحكام سلطتها على منابع الثروات الموجودة في المنطقة وإعادة رسم الخرائط الجغرافية. فتاريخ أميركا ملطَّخ بدماء الأبرياء في معظم بقاع العالم من الهنود الحمر، سكان أميركا الأصليين، إلى هيروشيما وناكازاكي، إلى أفغانستان والعراق وليبيا…
وها هي سورية اليوم التي تواجه مؤامرة كونية تستخدم فيها كافة أشكال الإرهاب الذي تنجزه أميركا وتنفذه أوروبا وتركيا وتدفع قيمته بشيك مفتوح مشيخات البترودولار السعودية والقطرية وتجني فوائده «إسرائيل» والصهيونية العالمية والسداد يتم من دماء الشعوب، ولم تخف وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون الأهداف الكامنة وراء عدائها لسورية وسعيها لتدميرها، إذ ذكرت بوضوح أنّ الهدف من ذلك كسر محور المقاومة للمشاريع الأميركية في المنطقة، وكلينتون التي تنكّرت لتعهّدات بلادها في مؤتمر جنيف ومجلس الأمن تنصّلت من هذه التعهّدات مرة أخرى وتجاهلتها متذرّعة بأنّ موقف بلادها ينطلق من الحرص على الشعب السوري الذي اختصرته بالعصابات المسلحة الموجودة في سورية، ما يشكل دليلاً واضحاً على انحيازها لمرتزقتها من الإرهابيين وعناصر «القاعدة» التي تدّعي محاربتها لهم.
تزايد تأثير الوجود الأميركي في أكثر من بلد على امتداد العالم؟
تنتشر القوات الأميركية اليوم في 75 بلداً على امتداد العالم، بينما كان انتشارها عام 2010 في 60 بلداً وتتبع لها شركات أمنية ومنظمات سرية، لها ميزانيات سرية لا يدرك أحد حجمها لأنها توظف عملاء ومرتزقة يعملون في الظلام.
فالحروب الأميركية القذرة والإجرامية في المنطقة خلال العشر سنوات الماضية والتي فتكت بالبشر والحجر على حدّ سواء تجسّد الإرهاب بكلّ صوره وأشكاله وهي التي كانت تُدار بأدواتٍ وأسلحةٍ وأيدٍ وعقولٍ أميركية، أما اليوم فماذا يمكن أن نصفها وهي تُدار بأيدي عملاء وعصابات مسلحة وبتكتيك أميركي وبتمويل عربي خليجي، كما يحدث الآن في سورية وفق الاستراتيجية التي تتبناها واشنطن حالياً .
العلاقة بين الإرهاب والظلم!
بين الإرهاب والظلم توجد علاقة قوية وصلة وثيقة منذ قديم الأزل، فحيثما وُجِدَ الظلم سيولد الإرهاب، وبحسب القاعدة الفيزيائية القائلة: لكلّ فعلٍ ردُّ فعل يساويه في القوّة ويعاكسه في الاتجاه، فكلما زاد ضغطُ الظلم المتمثل بدول الاستكبار والاستبداد على المستضعفين نما الإرهاب وتكاثر أثره، ولن يُنهي الإرهاب أو يحدّ منه إلا العودة إلى العدل والإنصاف على مستوى الأفراد والشعوب. وكلّ اليقين، أنّ الإرهاب ودوله والظلم وأهله إلى زوال.
باختصار… إنّ ما تسعى إليه أميركا الآن يشوبه الكثير من التشويهات فهي تريد محاربة «داعش»، ولكنها تمدّه بالأسلحة، وهذا ما يفضحه الكاتب السياسي الأميركي دانيال بايبس، حيث يقول: إنّ القادة الأتراك والأميركان يدعمون حركة «الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش»، لأنّ سورية أصبحت تمثل لهم ورطة مزدوجة، فالرئيس بشار الأسد لا يزال في منصبه والكيان الكردي يزداد قوة، مؤكداً أنّ أنقرة قدّمت لـ«داعش» أكثر من مجرد ممرات حدودية آمنة، بل وفرت التمويل والخدمات اللوجستية والتدريب والأسلحة والعلاج في المستشفيات.
من خلال ما تقدّم نجد أنّ أميركا استطاعت توظيف الإرهاب في تحقيق وجود دائم في مناطق النفوذ والمصالح وتحويل مكافحة الإرهاب من هدف إلى وسيلة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية المتمثلة في التمدّد في منطقة بحر قزوين التي تحوي ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم وإضعاف النفوذ الإقليمي لروسيا، كذلك تدعيم الوجود الأميركي في العراق بما يخدم مصلحة «إسرائيل» ومخططاتها وقطع الطريق على الصين ونسف مشروعاتها لإعادة طريق الحرير والقضاء على أيّ احتمال لبروز قوة عربية مناهضة لأميركا و«إسرائيل».