قراءة في مشروع الحزب السوري القومي الاجتماعي عند أنطون سعاده
توفيق مهنا
أنطون سعاده باعث النهضة السورية القومية الاجتماعية في الأمة، النهضة التي شملت ميادين المعرفة، فكراً وفلسفةً واجتماعاً وثقافةً واقتصاد، واختزنت نظرةً جديدةً إلى الحياة والكون والفنّ، ما زالت راهنية، مفاهيمها حيةً، ومحور اهتمام المفكرين والباحثين والنهضويين التائقين إلى رؤية أمّتهم في موقع متقدّم يليق بتاريخها وحضارتها.
من بين روّاد النهضة المجلّين إبداعاً، لم يسبق لأحد من هؤلاء الروّاد أن أطلّ بهذه الشمولية على مندرجات النهضة ومعارج مفاهيمها الخلاقة، أو غاص عميقاً في وضع قواعد النهوض والمنطلقات والأدوات لنقل الأمة من واقعٍ مرَضيّ إلى واقعٍ معافى ومُرضٍ.
نحن أمام مفكّرٍ من طرازٍ آخر، صاحب رؤية نابعة من أصالة الهوية القومية، ومن منابت الجذور الحضارية لأمته. اغتنى من وعاء هذه الحضارة وأغناها بفكره الوقّاد وثقافته النهضوية المتميّزة، إذ أضاف أبعاداً جديدة وأكّد على عمق فكريّ رياديّ ما زال يترك بصماته الدامغة في كتاب حياتنا القومية والنضالية، وتتوقّد أفكاره إشعاعاً مع مرور الزمن.
أنطون سعاده، صاحب نهجٍ معرفيّ إبداعي لا اتباعي، تفاعل مع ثقافة العصر الإنسانية من منطلق «أنّ في النفس السورية كلّ علمٍ وفنّ وفلسفة».
من هذا المنطلق، أكّد على استقلالية فكرية واستقامةٍ منهجية، ليس فيها أيّ انبهارٍ يزيغ البصر والبصيرة عن دور أمته الحضاري. لم يتفاعل مع الثقافة الإنسانية من موقعٍ التحاقيّ أو دونيّ، أو من موقع المُتلقي، بل من موقع المشارك والمبدع والواهب للأمة والحضارة الإنسانية قيماً جديدة، ومُثلاً جديدة، ونظراتٍ إلى شؤون الحياة تمتدّ على مساحات التأمّل والتطوّر والعطاء فكراً وفلسفةً وأدباً وفناً.
مشروع سعاده يتجاوز، مشروع الحزب السياسي الاعتيادي أو التقليدي، لأنه يرمي إلى بعث نهضةٍ شاملة تضع الأمة مجدّداً على منصات الإبداع والمشاركة في مصير الحياة الإنسانية. وقد لخّص الدافع العميق لتأسيس الحزب في كلمة له أمام مؤتمر المدرّسين القوميين:
«تعلمون أنّ النهضة القومية الاجتماعية تعني تغيير اتجاه الأمة السورية من فوضى الانحطاط إلى نظام النهوض. من مصير الاضمحلال إلى مصير الوجود الحيّ، العامل، بوعي كامل، لأغراض الحياة الجيدة ومقاصد النفس القومية الكبرى. وتعلمون أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي يحمل رسالة القومية الصحيحة إلى الأمة السورية ورسالة الحياة القومية الاجتماعية وفلسفتها المدرحية إلى الأمة السورية وإلى الأمم جميعاً. فالنهضة السورية القومية الاجتماعية، إذن، هي حدث تاريخي خطير، هي أعظم الأحداث التاريخية التي مرّت بهذه الأمة شأناً بلا استثناء. وإذا نظرنا في مهمة الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي يحمل رسالة النهضة السورية القومية الاجتماعية وجدنا أنها أشقّ مهمة ظهرت في تاريخ أيّ أمة من الأمم. فليس، ولم يك قطّ للفوضى التي تتخبط فيها الأمة السورية مثيل، ولم يبلغ الفساد في أمة من الأمم، في أيّ وقت من الأوقات، مبلغه في أمتنا إلى هذا الوقت.
بهذه المناسبة، أريد أن أبرز نقطة يجب أن تصير واضحة في تفكير المفكّرين السوريين القوميين الاجتماعيين لأنها سبب من أهم أسباب التخبّط النفسي والعملي، ألا وهي: خلوّ مجتمعنا القومي، مدة أجيال وقرون طويلة، من مؤسسات قومية بالمعنى الصحيح ومن تقاليد قومية عامة يصحّ الاستناد إليها. فالتقاليد القومية الجيدة، القديمة، كانت مبعثرة ومنسيّة، والمؤسسات لا تصلح بالمرّة ولا يصحّ اعتماد أيّ مؤسسة منها نقطة ارتكاز، أو انطلاق، في عمل البناء القومي الاجتماعي».
استناداً إلى هذه القراءة لواقع الأمة والمؤسسات القائمة، بادر إلى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وحدّد مشروعه الاستراتيجي وغايته.
مفهوم الحزب:
الحزب، أداة النهضة، والحزب، فكرة وحركة ومؤسسات تتناول حياة أمة بأسرها، وهو منظّمة تفعل فكراً، وسياسةً، وإدارةً وحرباً، بهدف بناء الإنسان الجديد والمجتمع الجديد، والدولة المدنية الجديدة.
الحزب، وُجد لغاية عظمى محدّدة في غاية الحزب وهي: «بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوّتها، وتنظيم حركة تؤدّي إلى استقلال الأمة السورية استقلالأ تاماً وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمّن مصالحها ويرفع مستوى حياتها، والسعي إلى إنشاء جبهة عربية تقف سدّاً منيعاً في وجه الإرادات الاستعمارية».
لنعِ تماماً مشروع الحزب السوري القومي الاجتماعي، في فكر أنطون سعاده لا بدّ إذاً من الاطلالة على المشهد القومي والدولي، وعلى حال الأمة في تلك المرحلة من الطور التاريخي الذي وجدت فيه.
ذاك الواقع المرير، هزّ كيان أنطون سعاده ووجدانه، وشكّل منبع القلق الوجداني العميق الذي دفعه إلى إنشاء حركة تنقذ الأمة وتنتشلها من مهاوي الانقسام والتجزئة والانحطاط، وتطلق طاقاتها في ميادين التقدّم والتطوّر والتمدّن والارتقاء والحداثة.
المشهدان القومي والدولي
كان واقع أمّة خاضعة طوال أربعمئة سنة ونيّف للاحتلال العثماني، لا هوية مستقلة لها ولا شخصية حقوقية تحفظ كيانها ومصالحها، واصطلح على تسمية واقع ذاك الزمان بعصر الانحطاط على كلّ صعيد.
كان واقع أمة، تواجه على أرضها تداعيات الحرب العالمية الأولى وينزع أهل «الحلّ والربط» فيها من حكّامٍ وجماعات إلى التحرّر من الهيمنة العثمانية بالرهان على قوى استعمارية بديلة. ولقد استفاقت الأمة في ظلّ هذا الصراع على واقع تآمري تمثّل بمعاهدة «سايكس ـ بيكو» عام 1916 و«وعد بلفور» عام 1917، يقسّمها ويستبيح قسماً من أرضها إنفاذاً لوعد بلفور المشؤوم تهويداً وزحفاً للهجرات اليهودية تغزو أرضنا وتطرد شعبنا.
الأمة إذا أمام مؤامرة «سايكس ـ بيكو» و«وعد بلفور»، وأمام استعمارٍ جديد حلّ محل الاستعمار العثماني، وأمام كيانات تناسلت دولً بقرارات استعمارية غصباً عن إرادة شعوبها، وفي غفلة منها وأمام قيادات سياسية ومرجعيات إقطاعية وطائفية، مرتهنة لإرادة القوى الخارجية، تهتم بمصالحها على حساب المصالح الحيوية الكبرى للأمة والمجتمع. وتتغافل عن خطر تمزيق وحدة البلاد السورية وعن خطر زرع كيانٍ يهوديّ تقف وراءه وتعمل له الحركة الصهيونية بدعمٍ من الدول الاستعمارية. وأمام واقعٍ اجتماعي مفكّك على أساس الولاءات الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية والعائلية يحكمه ما يسمى «بالأعيان»، وهم في الحقيقة «عميان» عن قضايا الأمة والشعب والمجتمع.
مشروع سعاده، إذاً:
ـ تنظيم حركةٌ تستعيد وحدة الأمة على المستوى القومي ردّاً على مؤامرة «سايكس ـ بيكو» ورفض المفعول الاستعماري بقيام كيانات هزيلة تشكل غطاءً بدوام الاستعمار وإطالة سيطرته وهيمنته على مقدرات بلادنا وثرواتنا. فالوعي القومي أساس المشروع كان ولم يزل.
ـ حركةٌ تؤسّس الوحدة الاجتماعية من منطلق أن شعبنا واحد مهما تنوّعت طوائفه أو مذاهبه، ومهما كانت طبيعة بنيته الاجتماعية العائلية أو العشائرية أو العرقية.
ـ حركة مقاومة للاستعمار والانتداب، فالحزب منظمة تحرير قومية بالفكر والسلاح، وبحق يجب أن نشهد أن سعاده كان رائد الدعوة القومية إلى الكفاح المسلّح عندما دعا إلى قتل بلفور عام 1925 عندما أتى إلى سوريا، ودعى إلى أن فلسطين لا تستردّ في الخطب والمذكّرات، لأن الأمر الوحيد الذي يخيف اليهود القوة، القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره، ودعا إلى قومية المعركة لأن الشعب الفلسطيني غير قادر منفرداً أن يرد هذه الغزوة الاستيطانية ومن يقف وراءها.
مفهوم الهوية:
الهوية القومية الاجتماعية، هي أساس مشروع سعاده الفكري والاستراتيجي، وقد وضع منطلقات وقواعد بناء الهوية في مبادئ الحزب الأساسية وفي كتابه العلمي المميز «نشوء الأمم».
وهذا المفهوم الجديد، أرسى مفهوم الهوية على قاعدة قومية اجتماعية جامعة توحّد الولاء القومي والمجتمعي في آنٍ، وتزيل كل الحواجز والعقبات التي تنال من وحدة الأمة، وتقود إلى بناء المشروع النهضوي ببناء جديد لبناء يرتبط بقضية هي قضية الأمة والوطن والشعب، جيل يدرك مصالحه خارج منظار الوعي الزائف الذي هو في الحقيقة جهلٌ مطبق.
فالهوية الكيانية أو الطائفية أو المذهبية أو العرقية لا تبني وطناً ولا تقيم مجتمعاً ولا تؤسّس دولة حديثة، بل هي على نقيض كل هذا. وإن جميع هذه الولاءات المتنافرة هي مصدر تخلّف اجتماعي، وقاعدةٌ للارتهانات الخارجية ومؤامرات أطرافها ودولها.
لذلك، فإن سعاده رائد الوحدة القومية في وجه «سايكس ـ بيكو»، ورائد الدعوة إلى الكفاح المسلّح في وجه بلفور.
مفهوم الدين:
سعاده رائد الدعوة إلى دولة قومية اجتماعية. لا تقوم هوية النظام السياسي فيها على أساسٍ طائفي أو عرقي أو عشائري. فالقومية لا ترتكز على الدين ولا على العرق ولا على اللغة، بل على مفهوم جديد للأمة وتطوّرها والدولة ونشأتها. رفض القومية العرقية واللغوية والعنصرية والدينية، وجاهر لمفهوم اجتماعي يوحّد شعبنا في أرضه وعلى أرضه، ليقف من جديد شعباً واحداً لا كتلاً متنافرة في عالم تنازع البقاء.
سعاده رائد مقاربة جديدة للدين، نظر نظرة توحيدية سامية باعتباره إرثاً روحياً وإبداعاً من إبداعات أمتنا والعالم العربي، وقف ضدّ التعصّب الطائفي وضدّ الذمّية وضدّ مفهوم الأكثرية والأقلية، مركّزاً فكرته على مبدأ المواطَنة والهوية القومية الواحدة والحقوق الواحدة لجميع المواطنين، حقوقاً واحدة متساوية وواجبات واحدة متساوية خارج كل تصنيف أو امتيازات، لا طائفة حاكمة ولا طوائف حاكمة أو محكومة، بل هي دولة المواطن بكفاءته وقدراته وعطاءاته، وإذا كانت الآية القرآنية تقول «إنّ أقربكم إلى الله أتقاكم»، فإن النص القومي الاجتماعي عند سعاده يقول: «إنّ أقربكم إلى الأمة أكفؤكم».
دعوة سعاده، إلى فصل الدين عن الدولة تختلف تماماً عن أيّ دعوات إلى إنكار الدين أو تغيبيه عن شؤون المجتمع والحياة. بل هي حصراً دعوة إلى عدم مزج الدين بالسياسة ليبقى الدين رابطة إيمانية بين الفرد وخالقه، ومنزّهاً عن متاهات العمل السياسي التي قد تسيء إلى جوهره والفضاء الروحي بقيمه وسمو آفاقه. وإذا كان الغرب في مدارسه قد أنكر الدين والعامل الديني في حياة الأفراد والجماعات، فإن سعاده وضع موقع الدين في مرتبةٍ عالية لتشريف الحياة.
لقد أرسى سعاده مفهوماً جديداً للفلسفة بإطلاقه نظريةً جديدة هي نظرية المدرحية ليخرج العالم من بؤس نظرياتٍ مادية أو روحية متصارعة ومتضاربة ومبدّدة للطاقة الإنسانية ومعيقة للتطوّر. وكتابه «الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية» يشكّل مرجعاً في نظرةٍ جديدة ترى في الدين كتاباً واحداً برسالتيه المسيحية والمحمدية، ودعوة قومية: «كلّنا مسلمون لربّ العالمين، منّا من أسلم لله بالإنجيل، ومنّا من أسلم لله بالقرآن، ومنّا من أسلم لله بالحكمة، ولا عدوّ لنا يقاتلنا في ديننا وأرضنا وحقنا إلا اليهود».
وإن هذه الرؤيا الراقية والموحدة تجعل الحزب السوري القومي الاجتماعي في موقعٍ واحد مع كلّ قوّةٍ أو حركة مقاومة تصوّب سلاحها إلى العدو القومي لأمتنا. وإن التآخي الجهادي بين بندقية قومية وبندقية جهادية من أجل فلسطين والجولان وشبعا ومزارعها وفي مواجهة الإرهاب وقواه في الشام والعراق ولبنان وسائر المنطقة، يتعزّز في معمودية النار ودماء الشهداء الزكية لردّ هذه الغزوة عن بلادنا، وإسقاط أطراف المؤامرة الإقليمية، خصوصاً هذا التحالف التركي ـ السعودي ـ الخليجي مدعوماً من القوى الاستعمارية والعدو الصهيوني، وتقويض مخطّط الفتنة الذي يهدف إلى طعن مواقع الصمود القومي في أمتنا من لبنان إلى الشام، وحرف بوصلة الصراع عن محورها الطبيعي والتاريخي والاستراتيجي.
مفهوم العروبة
سعاده صاحب نظرة جديدة إلى العروبة، حيث هي رابطة تعاون استراتيجية بين أمم العالم العربي. رابطة حضارية لا رابطة قومية. وميّز تمييزاً أساسياً بين مفهوم العروبة الواقعية التي نادى بها، وبين القومية العربية أو الأمة العربية.
إنّ الجبهة العربية التي سعى إلى إنشائها هدفها أن تكون سدّاً منيعاً وجبهةً قوية تصون مصالح الأمة وقضايا العالم العربي ولا تكون كما واقع الحال مع الجامعة العربية، منصّةً للتآمر على قضايانا في فلسطين والشام والعراق ولبنان أو ليبيا واليمن والسودان وغيرها من الدول العربية. أو هي شعار استهلاكي من أنظمة النفط العربية التي بدّدت ثروة النفط الاستراتيجية تبديداً كاملاً ولم توظف هذا السلاح في خدمة القضايا القومية والعربية، ولا في مخطّطات التنمية وتطوير بنى المجتمع وتحويل اقتصادياته لخدمة النمو والتصنيع والاقتدار. وما استهلاك بعض الأنظمة العربية الخليجية شعار العروبة، إلا ذرٌ للرماد في العيون، فأين كانت عروبة هذه الأنظمة في فلسطين أو لبنان والعراق أو الشام أو اليمن أو ليبيا ومصر والسودان؟
كما يرفع شعار العروبة هذه الأيام للاستهلاك المذهبي في وجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي وجه حزب الله المقاوِم، لإثارة نعرات بائدة. ولو كان هذا الشعار صادقاً، لكانت ترجمته في فلسطين وفي مواجهة الإرهاب الذي يتغذى من عقيدة وهابية هي منبع الثقافة الصحراوية الإلغائية ومصدر الفتاوى الجاهلية في زمن العلم والنور والأنوار.
البرنامج السياسي ـ الإصلاحي:
إنّ مشروع سعاده وحزبه، أُرسي على بعض هذه القواعد والمنطلقات الأساسية، وكلّ نضالٍ أو عمل سياسي أو موقف عملي من القضايا والتحديات المطروحة وما أكثرها ينبع من هذه الرؤيا والمقاربة.
وإن البرامج المرحلية الإصلاحية للوصول إلى تحقيق الغاية من إنشاء الحزب، تضمّنها برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل الذي طرحه سعاده عام 1947 مع خوض الانتخابات اللبنانية الأولى في تاريخ لبنان، لقيام دولة عصرية يقوم اقتصادها على مبدأ الإنتاج، وعلى أساس التكامل الاستراتيجي مع البيئة الطبيعية لتحقيق العدالة الاجتماعية. ورفض سعاده النظام الرأسمالي الطبقي والنظام الشيوعي، لأن كلا النظامين لا يوفّران الحياة الكريمة لفئات شعبنا وقواه المنتجة فكراً وصناعةً وغلالاً. كما ضمّن برنامج الثورة القومية الاجتماعية الأولى عام 1949 هذه القواعد الإصلاحية.
إنّ الحكّام الرجعيين المتآمرين رأوا في مشروعه التحرّري على المستوى القومي خطراً، كما رأوا في مشروعه الإصلاحي الداخلي خطراً، وفي مشروع النهضة خطراً. لأنهم أدوات تخدم أعداء الأمة. وكانت فلسطين محك خيانتهم وتآمرهم، كما كان تطوير النظام محكّ فسادهم واستغلالهم واستعبادهم وخنقهم صوت الحرية والأحرار، فصحّ قول سعاده عنهم: «إنّ بلاءنا بيهود الداخل أشدّ من بلائنا بيهود الخارج». ترى، ألا يصدق هذا القول على حكّام هذا الزمان الذين يتآمرون على المقاومة وقياداته وسلاحها وخياراتها ويؤدّون كلّ نهجٍ إصلاحي.
اغتيل سعاده، لكن مشروعه باقٍ وحزبه أكثر تمسّكاً بهذا المشروع في كل أبعاده القومية والتحررية والنهضوية. تقبل عليه أجيالُ جديدة على مدى مساحة الأمة، ويستعيد ألقه لدى نخبٍ فكرية وأدبية وسياسية من خارج أبناء عقيدته وحزبه، تعيد قراءته وتستلهم رؤيته الاستراتيجية.
محاضرة ألقاها نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين توفيق مهنا في «معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية»، في إطار حلقة بحثية بعنوان «أنطون سعاده وأطروحته الفكرية» 22/02/2016 .