كتاب إلى رئيسَيْ «البنك الدولي» و«الإسلامي للتنمية»: لوقف تنفيذ مشروع جرّ مياه الليطاني إلى بيروت
د. فتحي شاتيلا
في سياق زيارة «رئيس البنك الدولي» جيم يونغ كيم ورئيس «البنك الإسلامي للتنمية» الدكتور أحمد محمد علي للبنان برفقة أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، والتي سيتطرقان خلالها إلى المشاريع التي يقوم البنكان بتمويلها في لبنان ومنها مشاريع المياه، أرغب بالتطرق إلى أهم مشروعين مائيين يقوم البنكان بتمويلهما، وهما يُعتبران جريمة ترتكب بحقّ الشعب اللبناني عامة وأهالي وسكان بيروت خاصة.
ففي أواسط عام 2010، قدم البنك الدولي قرضاً للدولة اللبنانية قدره 200 مليون دولار أميركي لتمويل مشروع جرّ 50 مليون متر مكعب سنوياً من نهر الليطاني لتزويد بيروت الكبرى بالمياه، كان قد وافق عليه مجلس الوزراء بموجب المرسوم رقم 14522 تاريخ 16 أيار 1970. ويقضي هذا المرسوم بجرّ 50 مليون متر مكعب سنوياً من مياه نهر الليطاني المخزنة في بحيرة القرعون والمحوّلة إلى نهر الأوّلي. وقد أطلقت الوزارة على هذا المشروع اسم «مشروع نهر الأولي»، بالرغم من أنّ المياه التي سيتم جرّها لبيروت هي مياه نهر الليطاني. وقد تعذّر تنفيذ هذا المشروع لأسباب عديدة، منها سياسية ومالية وفنية ومناطقية وتمّ إدراجه في ألجوارير منذ ألعام 1973، حين هبّ أهالي وفعاليات جنوب لبنان مستنكرين التخلي عن مياه هم بأشد الحاجة إليها.
بتاريخ 4 تشرين الثاني 2010 قدمت فتحي شاتيلا مع 50 من أهالي وسكان بيروت الكبرى شكوى إلى البنك الدولي، اعترضنا فيها على مشروع تزويد بيروت الكبرى بالمياه من نهر الليطاني لعدة أسباب أهمها:
أنّ مياه نهر الليطاني لم تعد متوفرة كما ورد في المرسوم رقم 14522 بتاريخ 16 أيار 1970، وقد تنعدم خلال السنوات القليلة المطر، إضافة إلى أنّ هذه المياه ملوثة كيميائياً وصناعياً وجرثومياً بمعدلات قياسية. وقد أكدت دراسة قام بها الدكتور أحمد الحوري من جامعة بيروت العربية عام 2007، أجرى خلالها مقارنة بين نوعية مياه نهر الليطاني المحوّلة إلى نهر الأولي ومياه نهر الدامور، وذلك خلال فترة الشحائح. وقد بينت الدراسة أنّ معدل بعض الملوثات في مياه نهر الليطاني تزيد عن 8000 في المئة، أي 80 ضعف تلوث مياه نهر الدامور. وفي السياق عينه، أكد الدكتورعارف ضيا أستاذ في كلية العلوم ـ الجامعة اللبنانية والباحث في المجلس الوطني للبحوث العلمية، أنّ مياه نهر الليطاني هي عبارة عن مكبات للنفايات والبقايا الحيوانية من المسالخ ونفايات المستشفيات والنفايات الصناعية، لافتاً إلى أنّ كلّ خطأ بشري أو مخبري في معالجة المياه سيودي إلى أضرار صحية لا تُحمد عقباها. كما أشارت الشكوى المقدمة إلى البنك الدولي، والمشار إليها أعلاه، إلى أنّ كلفة مشروع تزويد بيروت الكبرى من نهر الليطاني تبلغ 370 مليون دولار أميركي، مقارنة مع كلفة تزويد بيروت الكبرى بالمياه من نهر الدامور والتي تبلغ 150 مليون دولار أميركي فقط.
لم يأخذ البنك الدولي بما ورد في هذه الشكوى ورفض تحويلها إلى هيئة التفتيش واستند إلى دراسات وضعها ثلاثة استشاريين تابعين لجامعة كارولينا الشمالية بتاريخ 31 أيار 2011. وأكدت التوصيات التي حملتها هذه الدرسات، والتي اعتمدت على معلومات مُلفّقة وضعتها وزارة الطاقة والمياه ما يلي:
ـ أنّ مياه نهر الليطاني متوفرة بمعدل يزيد عن 50 مليون متر مكعب سنوياً وبصورة مستديمة.
ـ أنّ كلفة المشرع وقدرها 370 مليون دولار أميركي ضئيلة، ما يجعل المشروع يتمتع بجدوى اقتصادية.
ـ أنّ مياه نهر الليطاني المنوي جرّها لبيروت الكبرى ملوثة بمعدلات مقبولة يمكن معالجتها بالطرق التقليدية لتصبح صالحة للشرب.
والجدير ذكره أنه من المتوقع أن يبدأ العمل بتزويد بيروت الكبرى بمياه نهر الليطاني ابتداء من أواخر العام 2017 لتستمر مدة 8 سنوات، وذلك ريثما يتم الانتهاء من مشروع سدّ بسري على نهر الأولي، الذي سينتهي العمل فيه عام 2024. وقد باشر مجلس الإنماء والإعمار شقّ نفق بطول 24 كيلو متراً يمتد من نهر الأولي حتى بلدة خلدة، لجرّ مياه نهر الليطاني، وبناء محطة لتكرير المياه تقع عند بلدة الوردانية.
استناداً إلى تقارير وضعها مجلس الإنماء والإعمار، فإنّ كلفة مشروع تزويد بيروت الكبرى بالمياه من نهر الليطاني ومن سدّ بسري على نهر الأولي تبلغ 808 مليون دولار أميركي. وقد قام البنك الدولي بتمويل هذا المشروع بقرض قيمته 674 مليون دولار أميركي. كما قدم البنك الإسلامي للتنمية قرضاً بقيمة 128 مليون دولار أميركي. أما باقي كلفة المشروع، فسوف تقدمها الدولة اللبنانية وبالمقارنة، فإنّ كلفة تزويد بيروت الكبرى بالمياه من نهر الدامور، استناداً إلى دراسات وضعتُها عام 1996، وأكدت صحتها دراسة جدوى وضعها مجلس الإنماء والإعمار عام 2007، توكد أنّ بالإمكان تخزين وجرّ 100 مليون متر مكعب خلال فترة الشحائح لتزويد بيروت الكبرى بالمياه بكلفة تبلغ 153 مليون دولار أميركي. وقد تستّر مجلس الإنماء والإعمار وكذلك وزارة الطاقة والمياه والبنك الدولي على هذه الدراسات لكي يتم تزويد بيروت الكبرى بالمياه من نهر الليطاني ومن سدّ بسري على نهر الأولي وليس من نهر الدامور.
لقد ارتكب البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية جريمة بحقّ أكثرمن مليون ونصف المليون نسمة من أهالي وسكان بيروت الكبرى لإقدامهم على تمويل مشروع جرّ مياه نهر الليطاني وتخزين وجرّ مياه نهر الأولي بكلفة تبلغ 808 مليون دولار أميركي بينما يمكن تزويد بيروت الكبرى بالمياه من نهر الدامور ولمدة تزيد عن 30 سنة، بكلفة تبلغ 153 مليون دولار أميركي. وبالتالي فإنّ كلفة مشروع الليطاني الأولي تزيد عن كلفة مشروع تخزين وجرّ مياه نهر الدامور بمبلغ قدره 653 مليون دولار أميركي وأنّ هذا المبلغ سيتم تسديده من قبل أهالي وسكان بيروت الكبرى من جراء التعرفة الفاحشة التي ستقوم مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان بتطبيقها لتتمكن من تسديد القروض المستحقة للبنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية.
أما المجزرة التي سوف يرتكبها هذان ألبنكان، فستنجم من جراء تزويد بيروت الكبرى من مياه نهر الليطاني التي ستتم معالجتها بالطرق التقليدية. وسيتسبّب جرّ هذه المياه بكارثة صحية ستصيب أهالي وسكان بيروت الكبرى لا يعلم إلا الله مدى فداحتها. فبأي منطق يقوم البنك الدولي والبنك الإسلامي للتمنية بتمويل مشروع جرّ مياه نهر الليطاني الملوثة بمعدلات تزيد عن 80 ضعف نسبة تلوث مياه نهر الدامور؟
إنّ ما يجري حالياً هو جريمة ترتكب بحقّ الإنسانية، لا تختلف عن الجرائم التي ترتكب بحقّ السكان خلال الحروب، وإنّ البنك الدولي والبنك الإسلامي يتحملان كامل المسؤولية عن تلك الجريمة التي سوف تصيب أكثرمن مليون ونصف المليون نسمة من أهالي وسكان بيروت الكبرى. ولتفادي هذه الكارثة الإنساني، أدعو رئيس البنك ألدولي ورئيس البنك الإسلامي للتنمية إلى اتخاذ قرار فوري يقضي بوقف تنفيذ مشروع جرّ مياه نهر الليطاني لبيروت وإلى إحالة الملف إلى لجنة تفتيش لتقوم بالمشروع مؤسسات ذات مصداقية مثل «شركة كهرباء فرنسا» أو شركة «ب. ج. آر» الألمانية أو شركة «جايكا» اليابانية. وبنتيجة التوصيات التي ستضعها إحدى أو جميع هذه الشركات والتي لن تستغرق أكثر من شهر واحد، سينكشف هول الكارثة التي ستلحق بأهالي وسكان بيروت من جراء تزويدهم بالمياه من نهر الليطاني وفداحة كلفة مشروع سدّ بسري على نهر الأولي.
هيدرولوجي ـ رئيس تحرير مجلة «عالم المياه العربي»