حتى الإنترنت… صار مهرَّباً!
إيمان شويخ
هو يجلس في المقهى وحيداً كعادته في كلّ صباح ومساء، ولا يكسر من رتابة تلك الجلسة سوى شخص مثقف يبدو وكأنه عالم بأمور السياسة من كثافة حجم الجرائد التي يقتنيها ويتصفّحها كلّ يوم في ذاك المقهى، وبعد أن يتصفّح ذاك الوحيد مواقع التواصل الاجتماعي بما تحمل من «طراطيش» سياسية صحيحة أو مزيفة، يحمل نفسه تلقائياً لسؤال المثقف الجالس هناك عن صحة ما كتب في الشبكة العنكبوتية، فيقول له: «هل لك أن تطفئ نار قلبي وتعلّمني عما إذا كان الإنترنت سيهرّب إلى الخارج مع النفايات، فالكلّ يهاجر هل تعتقد أنّ الإنترنت سيتركنا أيضاً؟
يضع المثقف نظارته جانباً ليجيب بطريقة فظة: «لا تشغل بالك بما يصعب على فهمك، إشتغل على الإنترنت ولا يهمّك»… أما المراهقون الذين يمضون جلّ أوقاتهم داخل وسائل التواصل الاجتماعي فلن يلتفتوا أساساً إلى تلك الصاعقة، ولو فعلوها لكان ذلك من باب السخرية والنكات والـ»هاشتاغ» وما إلى ذلك، أما كبار السن الذين تعلّموا مؤخراً استعمال الشبكة العنكبوتية فلن يضرّهم هذا الموضوع طالما أنهم أمضوا حياتهم دون «فايسبوك» وكانوا بألف خير.
فهذه الشبكة العنكبوتية الهامة للغاية، شديدة التعقيد للغاية، لدرجة أنّ «إسرائيل» يمكنها في أيّ وقت أن تصبح هي العنكبوت لتلك الشبكة، وليس هذا فحسب بل عنكبوت ببيوت من ألياف ضوئية وليس من خيوط كبقية بيوت العناكب الأخرى، فهي ألياف من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، حيث تمرّ من جونيه إلى جبيل مروراً بالأشرفية وجلّ الديب والجديدة، وصولاً إلى مداخل صيدا والشويفات مروراً بالطيونة وغيرها، وليس هذا فحسب، فصحيح أنها شبكة تتنفّس هواء كلّ لبنان وهي تضخ في المقابل ثاني أوكسيد الإنترنت الذي تتغذى به رئة لبنان أو رئتيه أو أكثر ممثلة بوزارة الدفاع والجيش والمجلس النيابي وغيرها من الشركات والمؤسسات العامة.
فهل يعقل أنّ هؤلاء الذين تولوا إدارة الـ 10452 كلم مربع لم يشعروا بأنّ العنكبوت «الإسرائيلي» يدغدغهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم!؟ وهل يستوي الذين يعلمون في هذا البلد الذين يعلمون والذين لا يعلمون كذاك الذي يجلس في المقهى لا يعلم وينتظر من يعلم!
هو أشبه بلغز لا حلّ له، فالذين يعلمون قالوا بأنهم لا يعلمون، والذين لا يعلمون باتوا على أهبة الضغط على أزرار محمولهم أو حواسيبهم لئلا يعلم العدو «الإسرائيلي» ما يدور بين الزوج وزوجه، وبين العاشق وعشيقته أو حتى بين الخائن والخائنة… لكن مهلاً أيها الذين لا يعلمون، لا تعلموا هو أفضل لكم لأنّ «الإسرائيلي» غير مهتمّ بملابسكم الداخلية، انشروها على حبال بيروت، لا بأس، فالمعني الأول هو الأمن، وداتا المعلومات، والأسرار المصرفية والداخلية، والتجسّس والتنصت إلخ… وهذا الأمر أكبر بكثير من شعب اعتاد على «فش خلقه» عبر تطبيقات الشبكات العنكبوتية الأصل لا شبكات الألياف «الإسرائيلية»، فعذراً للشعب الذي تزعزع مكوّن حياته الأساسي.
لكن السؤال الذي يطرح، لماذا كشف النقاب عن هذه الفضيحة في هذا التوقيت وهي كانت واضحة كعين الشمس، وهل لفصل الربيع حصة في هذا الإكتشاف العظيم؟! فالدولة كانت ترى ليس بعين واحدة فحسب بل بعينين وأكثر وكانت تمرّ وتصلي وتبارك ومن ثم تذهب لتنام، فهل يصعب على أجهزة تستنفر عندما توضع خيمة على شاطئ البحر، أن ترى هذه الألياف الممدّدة على أعمدة الإنارة التابعة للدولة؟! وكيف يمكن لهكذا معدات أن تمرّ، وتركب، وتصل إلى كلّ هذه المناطق والكلّ في نعاس شديد إلى أن يستيقظ الجميع هبّة واحدة لأن ثمة ثأراً ولدته قسمة غير عادلة للمكاسب الغير شرعية أدّت بدورها إلى الإخبار والفضيحة الكبرى؟!
أولئك الذين هرّبوا وارتشوا هم «منا وفينا»، أيّ سرية أمنية أو مصرفية أو دفاعية يمكنها أن تجد مستقراً في بلاد يحمله مجموعة من ضعاف النفوس الذين يستغلون ارتفاع الأسعار الذي تفرضه الدولة الموقرة على الإتصالات، ليقوموا في المقابل بتقديم خدمات إنترنت مجانية للمستفيدين وبمن فيهم الموقرة تلك، ولا يزال المسؤولون يتنصّلون من المسؤولية ويرمي كلّ منهم الكرة في ملعب الآخر، مع تشديدهم على إخراج القضية من الإطار السياسي وجعلها قضية وطنية، وماذا يعني ذلك؟ هل المطلوب أيضاً من المواطن تحمّل كذب وخيانة أجزاء كبيرة من مكونات الدولة التي تقايض بأمنها القومي والاجتماعي وخصوصياتها المصرفية والسيادية؟!
لذاك الذي يجلس وحيداً في المقهى، ولا يعلم إلا «التكتكة» على شبكات التواصل الإجتماعي نقول: أنت خير «غشيم» خلقت لبلد مارس كلّ أشكال الكذب السياسي، بسبب وجود أمثالك، ودائماً شعار الدولة: «الله يكتر من أمثالك يا غشيم تتضل إيدنا ممدودة إلى ما بعد ما بعد حيفا».