معزوفة زنّوبيا… ونصرُ تدمُر
لؤي خليل
يبدو أنّ هذا العشق التاريخي الذي سطّرته ملكة تدمر زنوبيا لهذه المساحات الشاسعة من الصحاري المتزينة بآثار حضارتها، وإن كتب عليها أن تعاني عبر العصور من آلام عبر تاريخها وبأياد هي ذاتها، لكنّ ما يميز هذه الأرض الطاهرة في تدمر وفي أنحاء الأراضي السورية أنّ لذاكرتها لحناً جميلاً ومعزوفة أحبتها ملكة هذه الصحاري وخلّدتها آثار تتكلم عنها الأمم، ويصدح صداها بين جدران آلامها التي شهدت بغبارها على حقد الظالمين وتكالب المعتوهين من الوهّابيين.
معزوفة النصر الساطع التي تعلمتها تلك التحف والآثار لو أنّ لديها أصواتاً لتكلمت ورحّبت بأجيال زنوبيا الجُدد، معلنة نصراً لن يستكين في تدمر ولا في الرقة.
هذه المقدمة ليست أبيات شعر تخصّصت بها السياسة بل هي أحرف تتكلم عن نصر هذا الحلف المقاوم. نصر يخطه صناع القرار ورجال لا يعرفون الهوان على هذه الأرض التي مهما تكالبت عليها أنياب أعدائها فلديها أصوات تصدح وأيادٍ تفعل.
نعم، فالسياسة العسكرية التي ترافق مفاوضات جنيف ترسم انتصارات ترتب طاولة المفاوضات، هذه السياسة التي تتنتهج «الطرق المفتوحة «من جديد إلى دير الزور والرقة قريباً. هي الرسالة الحقيقية التي ستحسم معادلات الطيف الجديد للوفد السوري المفاوض، فالدولة السورية موحّدة، لا فيدرالية ولا مناطقية.
إنّ تحرير تدمر الحضارة سيعيد إلى أذهان الجميع نقطة صفر معينة ما قبل تدمر إلى ما قبل معابر تلّ أبيض مع تركيا والتنف العراقية، هذه المعادلات التي يرسمها الحلفاء والرسائل غير المعلنة التي تُوجَّه إلى الإرهابيين أولاً وداعميهم ثانياً، بأنّ النصر الآتي بأيادي الجيش العربي السوري سيطال جميع منافذ تهريب حقدكم، وسيعيدكم إلى نقاط ستصعب عليكم أي مراحل مقبلة تطالبون بها عبر الانتقال أو الحكم الذاتي وغيرهما.
لا مساومات على قوة دعم الحليف الروسي لسورية، ولا تراجع عن وجود المقاومة حيث يجب أن تكون، ولا إرهاباً غير إرهابكم فالجميع أصبح تحت نيران الجيش العربي السوري وحلفائه، مهما اشتدت الأزمات المفترضة للتدخل التركي ـ السعودي الذي قد يحرك الجبهة الجنوبية مجدّداً، بحثاً عن آمال تبعثرت في رمال الصحراء التدمرية، ولا استثناءات بعد هزيمتهم القريبة في الرقة معقل إرهابهم اللقيط.
هي معادلات ترسمها قدرات الحلف المقاوم الذي رسم تردّداته من موسكو إلى الضاحية الجنوبية وشدّد على تحقيق مخارج سياسية ترضي جميع الأطراف في كلّ جولة تفاوضية، لكنّ وقاحة الطلبات الوهابية باستهداف قلب الحلف وانتزاعه ومساومة موسكو عليه أي حزب الله والمقاومة، أكدت بما لا يدع للشك مكاناً أنّ المشكلة التي يحاول الوهّابيون ابتداعها باستهداف قيادة الدولة السورية، هي أن يدفع الشعب السوري ثمن دعمه للمقاومة وهذا طلب «إسرائيلي» بامتياز، والثاني قطع امتداد القوة الإيرانية في المنطقة وهذا طلب سعودي بقوة تركية تسابق لإيجاد موطئ قدم اقتصادي تدافع به عن مصالحها أمام المجتمع الأوروبي.
يدرك الحليف الروسي أنّ صياغة قانون دولي على مقاس بعض الدول لن يغير في تصميم موسكو على متابعة كسر الإرهاب وتفكيك رموزه على الأرض السورية، كبداية لتجفيف منابعه الحدودية، والتشديد الروسي الجديد على التحرك الأحادي ضدّ منتهكي الهدنة وجّه تحذيراً شديد اللهجة إلى الإدارة الأميركية بأنّ الحلول التي نطرحها معكم غير صالحة لكلّ التصرفات السعودية ـ التركية. فالجميع بات يعلم أنّ مفاتيح الحلّ السياسي والعسكري باتت في يد المحرك القوي لانتصارات الميدان السوري وهو موسكو التي لن تنكفئ يوماً عن تأكيد أنّ ما لم تأخذوه بالحرب والتدمير والإرهاب من الدولة السورية لن نسمح به سياسياً، وهنا المقصود أكثر من أبعاد الدولة السورية ليشمل أنابيب النفط القطرية والتركية. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان في مقدمة صانعي نصر تدمر والذي هو بداية اقتلاع معاقل الإرهاب من المنطقة الشرقية، ورسالة إلى جميع المحاور الشمالية والجنوبية، بأننا ماضون في تحالفنا وصنع النصر القريب.
ليست موسكو من تتخلى عن حلفائها وليس الرئيس بوتين من يغير توجهاته أو يتأخّر في صنع خياراته القوية، والأهم أنه ليس ممن يضعون انتصارات قواتهم جانباً وليسوا من يديرون دفة السفن للعودة قبل قطف الثمار. فهل يدرك هذه الرسائل من يتأخر في ركب أمواج البحار؟