المشنوق ممثلاً سلام: آن الأوان لوقف مسار التردّي الذي ينعكس على حياة اللبنانيين
برعاية رئيس الحكومة تمام سلام، ممثلاً بوزير البيئة محمد المشنوق، عُقد مؤتمر «التكامل المصرفي العربي» في فندق «فينيسيا»، برعاية الرئيس سلام، في حضور وزيري الاقتصاد والتجارة آلان حكيم والصناعة حسين الحاج حسن، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وشارك في فعاليات المؤتمر، الذي يتزامن انعقاده مع اجتماع الجمعية لاتحاد المصارف العربية بدورته الـ43 وزراء وحكام مصارف مركزية عربية، وزهاء 350 شخصية قيادية مصرفية عربية عليا وممثلين لأهمّ المؤسسات الإقليمية العربية وسفراء عرب وأجانب ورؤساء الهيئات الاقتصادية في لبنان.
وألقى المشنوق كلمة قال فيها: «في الأسبوع الماضي، شهد لبنان زيارة استثنائية مشتركة قام بها الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البنك الدولي ورئيس البنك الإسلامي للتنمية. وقعت خلالها توقيع عقود بقيمة 350 مليون دولار مع البنك الإسلامي للتنمية … ، كذلك أعلن رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم تقديم مساعدات فورية بقيمة مئة مليون دولار تذهب إلى قطاع التربية، ووعد بالسعي إلى تقديم قروض طويلة الأجل ومن دون فوائد تصل إلى أربعة أو خمسة مليارات دولار تُخصّص لمشاريع إنمائية عبر البلديات. كما وعد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بمتابعة التعهدات بمساعدة لبنان، التي أطلقت في مؤتمر لندن الأخير، انطلاقاً من الخطة التي تقدمت بها الحكومة اللبنانية».
وأكد «أنّ لبنان بكلّ فئاته يرفض توطين السوريين، وأنّ النازحين يجب أن يعودوا إلى ديارهم فور زوال الأسباب التي أبعدتهم عنها»، معتبراً «أنّ السياسات الخارجية للدول، ترسم وفق معايير المصلحة الوطنية، وليس أي اعتبار آخر. والمصلحة الوطنية للبنان، الذي يحتاج كلّ أنواع الدعم، تقتضي التعامل بأكبر قدر من الإيجابية مع المؤسسات الدولية، وبأكبر قدر من الاحترام مع المقامات الدولية، مع التنبه الدائم إلى عدم التفريط بالصالح الوطني».
وتابع: «بعد أقلّ من شهرين، يُكمل الشغور الرئاسي عامه الثاني، وندخل عاما ثالثاً في مسار العبث السياسي الذي نخوض فيه. لقد بلغ الضعف في بنيان الدولة حداً خطيراً يُنبئ بالانهيار إذا بقي مجلس النواب معطلاً ومجلس الوزراء حبيس العرقلة المفتعلة، وقبل كلّ شيء إذا بقيت متاريس الحسابات الخاصة، تقطع الطريق أمام تنفيذ الاستحقاق الأهم في حياتنا السياسية، أي انتخاب رئيس للجمهورية».
وأشار إلى «أنّ الأشهر الثمانية التي تخبطت فيها البلاد في فضيحة النفايات المشينة، خير نموذج لما يمكن أن يؤدي إليه نهج الاستقواء على الدولة، وتعاظم المصالح الفئوية والمناطقية والمذهبية والطائفية، واستضعاف المؤسسات وضرب هيبتها». وقال: «آن الأوان لوقف مسار التردي العام الذي ينعكس على كل مناحي حياة اللبنانيين.آن الأوان لوقفة ضمير لإنقاذ البلاد وإعادة الحياة السياسية إلى سياق طبيعي، مع ما يعنيه ذلك من انعكاس إيجابي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها».
وقال: «في قلب هذه الصورة القاتمة، نساء ورجال لبنانيون، موهوبون وأكفياء ومصممون، ما زالوا يحملون الكثير من الإيمان بهذا الوطن، ويشيعون فينا الكثير من الأمل، بأنّ لبنان سينهض من عثرته وسيعود لؤلؤة المشرق العربي ومنارته. في قلب هذه الصورة القاتمة، نقاط مضيئة، بينها قطاعنا المصرفي الذي كان وما زال واحداً من الحصون الصامدة في بنياننا الوطني. فهذا القطاع سجل خطوات كبيرة في مسار التأقلم مع التطور العالمي لتقنيات العمل المصرفي الحديثة، ونجح في المحافظة على نسب ملاءة عالية وتحقيق نمو مستمر في أعماله، على رغم الضغوط الهائلة والمناخ السياسي غير الملائم. كذلك حرص قطاعنا المصرفي على الالتزام الكامل للقوانين والمعايير الدولية، خاصة النظم المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بفضل كفاية القيمين عليه والعاملين فيه، وبفضل السياسة الحكيمة التي يتبعها المصرف المركزي، بقيادة الحاكم رياض سلامة».
سلامة: الليرة مستقرة
وألقى سلامة كلمة أشار فيها إلى أنّ «التأكد من شرعية الأموال التي تدور في القطاع المصرفي والمالي، وتواصل المصارف التجارية مع دوائر الامتثال لدى المصارف المراسلة كفيلان تخفيف مبادرات سياسات تقليص الأخطار Derisking . وهو الخطر الأهم للمصارف في منطقتنا».
ولفت إلى «أنّ الإدارة الرشيدة والشفافية وتوزيع الأخطار زادت من الثقة بالقطاع النقدي في لبنان وأدت إلى توفير السيولة في الأسواق اللبنانية بحيث تمكن لبنان من توفير التمويل لقطاعيه العام والخاص وسمحت لمصرف لبنان بالمبادرة، من خلال خطة تحفيزية، إلى تفعيل الطلب الداخلي مشجعاً التسليف للقطاعات الإنتاجية والسكنية والتوظيف في اقتصاد المعرفة».
وقال: «إن المقاربة غير التقليدية لعملنا كمصرف مركزي، أصبحت اليوم تعتمد بشكل وبآخر من المصارف المركزية الكبيرة في العالم بحثاً عن تحفيز النمو والنشاط الاقتصادي».
المصارف اللبنانية سليمة وقد حققت نسب ملاءة فاقت نسبة ال12 في المئة التي حددتها معايير «بازل 3» بحيث بلغت 14,42 في حزيران 2015».
وأضاف: «ستبقى سياسة مصرف لبنان قائمة على منع إفلاس أي مصرف مهما كان حجمه، وقانون اندماج المصارف يسمح لمصرف لبنان بتحقيق ذلك. وسنستمر في تنظيم ومراقبة انتشار المصارف خارج لبنان إضافة إلى توظيفاتها في الخارج».
وأكد سلامة «أنّ الليرة اللبنانية مستقرة، وإمكانات مصرف لبنان والموجودات في العملات الأجنبية تسمح لنا بتأكيد على استمرار استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية في مقابل الدولار الأميركي. فاستقرار العملة هو ركيزة استقرار القدرة الشرائية لدى اللبنانيين وبالثقة بالاقتصاد اللبناني وبقطاعه النقدي، وباستقرار في بنية الفوائد في لبنان. ومع أنّ تصنيف لبنان منخفض، فإنّ بنية الفوائد لديه تبقى أدنى من تلك المعتمدة في دول عدة في المنطقة وفي الأسواق الناشئة على رغم تمتع هذه الأخيرة بتصنيف أفضل منه».
وختم: «إننا نتطلع إلى فوائد مستقرة للمستقبل وسنتدخل عند الحاجة لحماية هذا الاستقرار».
بركات: لتفعيل استراتيجية جادة لبلورة وتنفيذ الخطط
وقال رئيس اتحاد المصارف العربية محمد بركات: «إنّ دولنا العربية غنية بمواردها، ولكنها في حاجة إلى تفعيل استراتيجية جادة لبلورة وتنفيذ الخطط والأطر المناسبة الهادفة إلى تكامل عناصر الرقي والتقدم المتوافرة»، لافتاً إلى «أنّ أحد أهم المرتكزات التي يجب البدء بها لتحقيق التكامل الاقتصادي هو العمل على تكامل النظام المصرفي العربي، باعتباره المدخل الأساسي لتحقيق التكامل الاقتصادي بمفهومه الشامل، خصوصاً أنّ القطاع المصرفي العربي مستمر رغم كلّ التطورات غير المؤاتية بتحقيق النتائج الجيدة».
طربيه: الازدهار مرتبط بإعادة إحياء المؤسسات الدستورية
وألقى الدكتور طربيه كلمة قال فيها: «لما كان هذا المؤتمر يعقد على أرض لبنان، كان لا بدّ في هذا السياق، أن نتوقف عند العنوان الرئيسي لسياسة متكاملة انتهجها لبنان تتمثل في الاستقرار المالي والنقدي والذي يحظى بأوسع قبول سياسي واجتماعي واقتصادي، بحيث أثبتت التجربة المتواصلة مدى عقدين متتاليين صوابية هذا الخيار الاستراتيجي ونجاعته كخيار محوري للاقتصاد الوطني والاستقرار الاجتماعي».
وأشاد «بالجهود الكبيرة التي يقودها مصرف لبنان مع المصارف التجارية».
وأضاف: «إنّ قدرة لبنان على العودة إلى الازدهار ترتبط بإعادة إحياء المؤسسات الدستورية المعطلة وخصوصاً انتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك انهاء النزاعات المدمرة في المنطقة، وحلّ مشكلة اللاجئين إلى أرضه، وقد تجاوزوا المليون ونصف مليون مهاجر ولاجئ يستضيفهم لبنان ويتعاطف معهم ولكن ليس لديه إمكانات المعالجة لمعاناتهم الإنسانية».
وختم: «إننا نتطلع عبر هذا المؤتمر إلى تلمس مقاربة مشتركة سعياً إلى تكامل اقتصاداتنا وتعزيز التعاون في ما بين القطاعات المصرفية والماليةالعربية، بحيث تستطيع أن تؤدي دورها في تمويل التنمية في الاقتصادات العربية، وتوسيع قاعدةالتعاون المشترك مع الاتحادات المصرفيةالدولية والهيئات الرقابية والتنظيميةالدولية من أجل تعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي في منطقتنا العربية، وتوفير ملاذ آمن وفرص عمل لأجيالنا الطالعة».
ورأى المدير العام لمؤسسة الفكر العربي هنري العويط أنّ «صيغة التكامل تعبر عن مفهوم التشارك والتفاعل، وتتأسس على مبدأي الندية والترابح، وتحترم استقلال كل طرف وخصائص شخصيته المميزة»، معتبرا أنّ «التكامل هو ثقافة».
وأضاف: «نحن، في عالمنا العربي، وفي هذه الظروف العصيبة بالذات، أحوج ما نكون إلى اكتسابها، وإلى ترجمتها في شتى الحقول وعلى مختلف الأصعدة والمستويات».
وتوقف عند دراسة مفصلة لرئيس المؤسسة عن التكامل، كقضية مركزية، شارحاً أهميتها ودورها، وموضحاً «أنها تنبع من إيمانهم، بجدوى التكامل».
حكيم: لتعزيز التعاون والحدّ من الأكلاف
وافتتح وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم المعرض المصاحب للمؤتمر، وأعطى بعدها نظرة شاملة للتكامل المصرفي والاقتصادي العربي، مبرزاً «أهمية التكامل المصرفي والاقتصادي العربي لتحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية والذي يشارك فيه خبراء ومختصون ومسؤولون من كل دول المنطقة التي تعيش اليوم حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني».
وأضاف: «إنّ التكامل العربي المرجو ليس مجرد تكامل مصرفي وإنما تكامل اقتصادي يقوم على شراكة اقتصادية حقيقية تضمن سيادة كلّ دولة عربية وتحافظ عليها بما يسهم في قدرة الوحدة العربية على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها».
وتابع: «إذا أخذنا لبنان، على سبيل المثال، تشير الإحصاءات إلى تراجع حجم التبادل التجاري بنسبة 6 في المئة بين عامي 2015 و2014 ما يدل على ضعف التبادل بين لبنان والدول العربية، وهو أيضاً الأمر الذي لا يعكس قدرة لبنان وإمكاناته الاقتصادية».
وتمنى «ألا تكون العلاقة محدودة بين مصرف ومراسل في إطار التكامل المصرفي العربي وإنما أن يشتمل التكامل على التخصّص في الخدمات وتعزيز التعاون بين الدول للحدّ من الأكلاف، الأمر الذي يشكل في ذاته حافزا لتشجيع التبادل التجاري في ظل فرضية سياسة اقتصادية تحفزه».
الحاج حسن: التكامل لا ينجح من دون قرار سياسي
واعتبر وزير الصناعة حسين الحاج حسن أنّ «السياسة والأمن يؤثران على الاقتصاد، لذا آمل أن تهدأ الظروف للتفرغ لهذا التكامل المصرفي العربي كأحد مقومات التكامل الاقتصادي وأعمدته»، معتبراً أنّ «التكامل يجب أن يستمر مهما حصل».
أضاف: «نتحدث عن التكامل مباشرة، وكأنّه يطرح للمرة الأولى، وكأنه ليس موضوعاً قديماً يتجدّد في كلّ مرة. هذه ليست مسؤوليتكم بل السبب يعود لعدم حصول التكامل قبل سنوات طويلة».
واعتبر أنّ «المصارف وحدها تعرف أن التكامل ضرورة في مجتمعاتنا العربية»، سائلاً: «هل التكامل شعار أو مصلحة حقيقية لكل الدول والشعوب والأنظمة المصرفية؟». وأسف لأنّ «هذا الموضوع يطرح في كل مرة من دون أي تقدم»، لافتا إلى أنّ «التكامل يتطلب عدداً من الإجراءات التي لا تنفذها الدول العربية جميعها كإلغاء الرسوم الجمركية وغيرها».
وأشار إلى أنّ «كل دولة تستطيع تقديم الدعم في أمر معين من الطاقة إلى رأس المال وإجازات الاستيراد ودعم الصادرات».
وشدد على أنّ «ما من تكامل مصرفي من دون قرار سياسي، التكامل يحتاج إلى تقارب في القوانين والإجراءات والآليات والمعلومات والوظائف».
وأكد الحاج حسن «أنّ لبنان حريص على العلاقات العربية ولا يفرط بها»، مشدّداً على «أنّ التكامل يبدأ بقرار سياسي وليس بقرار تقني. فالتكامل يتم بقوانين وتشريعات ومراسيم وقرارات وسياسات وبرامج وتعاميم».
وختم: «إنّ التكامل لا يجوز مع استمرار اتفاقات مع دول غير عربية تبدى على التكامل العربي، فالتكامل المصرفي يتحقق عندما يقوم المصرفيون باقتراح الآليات لينفذها السياسيون فهم المصدر والقرار، ونأمل أن يتحقق التكامل كي تخرج الأمة من المشاكل التي تعانيها».