صحافة عبريّة
كتب تسفي برئيل في صحيفة «هاآرتس» العبرية:
ثمة دولة للجيش «الإسرائيلي». ولكن بين قيمه وقيمها، كما يتضح، هناك فجوة بحجم محيط كامل. الجيش «الإسرائيلي» هو «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم»، لكن الدولة ليست كذلك. لا طريقة أخرى لتفسير ردّ رئيس الأركان الانفعالي، غادي آيزنكوت، كما خرج من فم المتحدّث بلسان الجيش «الإسرائيلي». آيزنكوت لم يزعم أن الدولة لا تعدم الأشخاص، ولم يقل إن الجندي لا يمثّل قيم الدولة وقيم اليهودية وقيم الصهيونية أو قيم جهاز التعليم «الإسرائيلي». هذا الجندي لا يمثّل «قيم الجيش الإسرائيلي»، قال المتحدث وكأنه يحاول بناء جدار فصل بين قيم الدولة وقيم الجيش.
هذا التمييز ضروري في دولة أصيبت قيمها بالعفن وهي تحاول سرقة معطف الجيش «الإسرائيلي» كي تلف نفسها به وتخفي ما تعاني منه. هذا فصل ضروري بالنسبة إلى الجيش الذي يشعر أن الدولة قد تجرّه إلى زوايا مظلمة. وهكذا تحوّل رئيس الاركان إلى حامل لواء القيم وإلى الشخص النزيه والمعتدل والأخلاقي. ففي لحظة واحدة تحوّل آيزنكوت من رجل جيش إلى «حزب»، وأصبح جيشه يشبه ميدان الدولة الذي يتنافس حوله السياسيون في ما يتعلق بتعريف وطنيتهم.
فجأة، لم يعد السؤال هو من يؤيد الإعدام ومن يعارضه. من يدافع عن الجندي ومن ضدّه، بل من مع آيزنكوت ومن ضدّه، ليس كرئيس للأركان بل كمهندس لِقِيَم الدولة. منافسة مكاسرة الأيدي تتم بين من يطالبون بأن تتبنى الدولة قيم الجيش «الإسرائيلي» وبين من يطالبون الجيش «الإسرائيلي» بتبنّي قيم الدولة.
في دولة سليمة وطبيعية، تكون الدولة هي التي تفرض سلوك الجيش وتحدّد قِيَمه لا العكس. ولكن في «إسرائيل» 2016 هذه وصفة للكارثة. لأن تبنّي قيم الدولة من قبل الجيش سيدفع الجيش إلى إعدام المواطنين أكثر ممّا فعله حتى الآن.
كم هو جيد أنّ للدولة رئيس أركان يحافظ ليس فقط على الحدود، بل أيضاً على القيم، حتى لا نتدهور إلى الحضيض. رئيس الأركان الذي يضع لجيشه معايير أخلاقية وإنسانية، في حين أن دولته تقوم بتحطيمها، أصبح عمود اللهب للّيبرالية والقيم وحقوق الانسان. وهنا يوجد أمر أساسي ليس بالشكل الصحيح. حينما يحصل قائد الجيش على دور الأب الروحي فإن كل من يفترض أن يكونوا واضعي السياسة، يفشلون.
«إسرائيل» مليئة حتى عنقها بالجنرالات الذين أصبحوا سياسيين أو رجال أعمال. ولكن أحداً منهم لم يكن أثناء وجوده في الجيش مثالاً للأخلاق. وأيضاً آيزنكوت ليس كذلك. فجيشه وجيش أسلافه هو الذي أنشأ القاتل من الخليل ودافيد النحلاوي. فهو قتل ويقتل الأطفال ويفرغ مشط الرصاص نحو طفلة تحمل مقصاً ويحوّل آلاف الفلسطينيين إلى عديمي المأوى. وكل ذلك يقوم به براحة وبِاسم «قيم الدولة».
حينما أصبحت الأعشاب الضارة التي نمت في ساحته تهدّد بخنقه، تذكر رئيس الأركان «قيم الجيش الإسرائيلي»، وكأن هناك فصل بينها وبين قيم الدولة. هكذا تصرّف رؤساء أركان في تركيا أيضاً حينما تم تعيينهم من أجل الحفاظ على قيم دولتهم، عندما أسقطوا حكومات لم تطبّق بحسب رأيهم نظرية أتاتورك إلى أن جاء أردوغان ووضع الجيش في مكانه. فهو الذي وضع القيم والجيش سيخضع.
لا خطر كهذا في «إسرائيل». ففي «إسرائيل» جيش مطيع وقيمه لا تنافس في الحقيقة القيم المشوّهة للدولة. لقد تم الحفاظ على الترتيب الصحيح.
بين ديختر والحاخام يوسيف… بوابات الجنّة والجحيم
كتب أفيعاد كلاينبرغ في صيحفة «يديعوت أحرنوت» العبرية:
تقول البشرى إن اليسوع يبلّغ بطرس بأنه يعطيه مفاتيح السماء. ومنذئذ أصبحت المفاتيح رمز خلفاء بطرس ـ البابوات. وفي التقاليد الشعبية يعمل بطرس كحارس للجنة. فهو يقف في بوابات السماء ويقرّر من يدخل ومن يلقى به إلى إحدى المستويات الأقل عطفاً في العالم التالي.
في هذه الأيام قام لبطرس خليفة من أبناء دين موسى. النائب آفي ديختر أعلن للنائب أيمن عودة أنه «مع حلول اليوم، في بوابات جهنم، سيستقبلك ياسين والرنتيسي من حماس وسيسارعان إلى تعيينك رئيس لجنة البيت، بلا تصويت». ولا يدّعي ديختر بالطبع أنه سيقف في بوابات السماء ـ فما له والجنة؟ في جهنم، بالمقابل، يفهم شيئاً أو اثنين مثلاً أن فيه لجنة بيت، في الاوضاع العادية يعين فيها في منصب رئيس اللجنة بالانتخاب .
ولماذا يبعث ديختر بعودة إلى جهنم؟ أيمن عودة لم يسفك دماً ولم يسلب، ولكنه تجرأ على أن يقول إن قادة الاستخبارات، مثل ديختر، مسؤولون عن إعدامات بلا محاكمة لزعماء فلسطينيين، الأمر الخطير في نظر عودة من الوقوف دقيقة صمت في زيارة لدى عائلات مخرّبين. يمكن، بالطبع، الجدال مع عودة. أعتقد أن الزعماء الذين يبعثون برجالهم لقتل أبرياء، دمهم في رقابهم وتصفيتهم ليست جريمة قتل. ولكن المشوّق في أقوال القائم بأعمال بطرس، الانتقال إلى اللغة الدينية. فديختر ليس خبيراً فقط بالعربية بل وبجهنّم أيضاً، وهو يقرّر من يصل إليها ومن لا. عقاب عودة ليس بيد السلطات فسواء اتفقنا مع اقواله أم لا، لم يقل شيئاً يشكل خرقاً للقانون بل بيد السماء.
ظاهراً، هراء. ولكن يخيّل أن اللغة الدينية لديختر هي جزء من مسيرة أعمق لإلغاء الخطاب العلماني. فعند مجيئهم لإيجاد التبريرات، يميل «الإسرائيليون» أكثر فأكثر إلى استخدام اللغة الدينية. ولا يدور الحديث فقط عن مجرد التبرير لملكيتنا البلاد بل منظومة الاخلاق البديلة. لم تعد حاجة إلى أخلاق كونية. أخيراً تخلصنا من رعب الأغيار، ولدينا أخلاق يهودية تناسبنا أكثر من الأخلاق الكونية، بالضبط لأنها تميّز بين الدم والدم.
فكروا مثلاً بما قاله مؤخراً الحاخام الرئيس السفردي ـ الشرقي اسحق يوسيف. فقد قال الحاخام يوسيف إن لا مكان للاغيار في بلاد «إسرائيل». وحقيقة انه يوجد اغيار في البلاد المقدّسة تعبير عن ضعفنا. عندما ستكون يد «إسرائيل» حازمة، سنلقي بهم «إلى السعودية»، باستثناء أولئك الذين نبقيهم لخدمتنا.
من ناحية فقهية، ثمة أساس لأقواله، فالفقه لا يؤمن بالمساواة بين بني البشر. يوجد يهود ويوجد غير يهود، والقواعد، بما فيها قواعد الاخلاق، تختلف لليهود وللأغيار، وبين الرجال والنساء وبين المحافظين على الفرائض وأولئك الذين لا يحافظون على الفرائض. وبحسب كثيرين من المفتين في الفقه، فإنّ كلمة «لا تقتل»، مثلاً لا تحلّ إلا على اليهود. هذا لا يعني أنه مسموح قتل الأغيار، ولكن هناك أسباباً أخرى وقواعد مختلفة جوهرياً عن القواعد التي تحلّ على اليهود…
انتبهوا إلى أن أقوال الحاخام يوسيف مرت تقريباً بلا ردّ جماهيري، مثل أقوال التحريض المتواترة ضد العرب التي يطلقها الحاخام شلومو إلياهو من صفد. نحن لا نجعل قصة من مواقف كهذه، لأنها تبدو لنا شرعية. أكثر من شرعية ـ تبدو لنا أخلاقية. حقوق العرب، من حق الدفاع عن ممتلكاتهم وحتى في حالات معينة الدفاع عن حياتهم، هي في نظرنا حق زائد نحن نمنحه لهم بشدّ على الأسنان.