بدء التفاوض الدولي الإقليمي حول حكومة سورية موحَّدة… والأسد يحدِّد ماهيتها هاموند في بيروت قبل هولاند… والحريري ينقل من لافروف رسالة إلى السعودية
كتب المحرّر السياسي
أحيا الفلسطينيون في الأراضي المحتلة ما بين شواطئ البحر المتوسط ونهر الأردن ومن الجليل إلى النقب، وفي بلدان الشتات وفي مقدّمها لبنان، الذكرى الأربعين ليوم الأرض معلنين التمسك بأصل القضية الفلسطينية، القائم قبل العام 1967 وحتى قبل العام 1947، منذ بدء توافد عصابات الاستيطان الصهيونية إلى فلسطين، وعنوان القضية استرداد الأراضي التي يحتلها الصهاينة وضمان عودة اللاجئين والتي عاشت بين العامين 1947 و1967 تحت هذين العنوانين، ويقول الفلسطينيون بإحيائهم إنها لازالت كذلك ولن يصير شعار إزالة آثار عدوان العام 1967 مبرراً للقبول بتصفية القضية وبالتالي الهوية.
فعل الفلسطينيون ما يجب فعله غير آبهين بنظريات التسويات ودعوات التفاوض القائمة كلها على التنازل عن الأراضي المحتلة العام 1948 والمساومة على حق العودة للاجئين، وفي لحظة تاريخية من التيه العربي ومحاولات استبدال أولوية القضية الفلسطينية بأولويات أخرى، مرة باعتبار الديمقراطية شرطاً متقدماً على استرداد الأرض ورد الاعتداءات، ومرة باعتبار الهويات الكيانية التي أنشأتها تقسيمات سايكس بيكو، إطاراً للانعزال عن القضية الفلسطينية بوهم تفادي خطر التعرض للعدوان من كيان الاحتلال. وفي مناخ التيه العربي الذي خالف الفلسطينيون اتجاهه بإعادة إثبات أولوية قضيتهم، بالتلازم مع أولوية العداء لإسرائيل في زمن الدعوات لعداوات بديلة، مرة على أساس أولوية تصفية الحسابات الطائفية والمذهبية، والسير بها إلى تقسيم المقسَّم وفعل ما عجزت عنه سايكس بيكو، ومرة بتقديم دول من الجيران والأصدقاء كإيران وروسيا، كأعداء، وإسرائيل كصديق، واحدة تحت عنوان العدو المجوسي الفارسي وثانية تحت عنوان العدو الصليبي، وتجاهل حقيقة العدوان «الإسرائيلي» المستمر والخطر «الإسرائيلي» المستديم ومن ورائه قوى دولية كبرى، يسعى النظام العربي لخطب ودّها، ولم يعد يخجل أو يشعر بالحرج من الحديث عن إمكانية التحالف مع «إسرائيل» بوجه من يسمّيهم الأعداء الجدد.
قال الفلسطينيون كلمتهم، وسورية وحدها بين الحكومات العربية تخلص للقضية ولفلسطين رغم الجراح، وتحيي مع الفلسطينيين رسمياً ذكرى يوم الأرض، وسورية تقدّم الدليل على إمكانية الجمع رغم تواضع القدرات أمام حجم التحديات، بين الإخلاص لفلسطين وخوض حرب استعادة السيادة والوحدة ومكافحة الإرهاب، بل تقدم الإخلاص لفلسطين شرطاً للفوز بسائر المعارك، وهي تثبت أن الإرهاب هو مولود شرعي للصهيونية وشريك عميق فكرياً وعملياً في مشاريعها.
سورية كانت تسجل التقدم السياسي بالتوازي مع التقدم العسكري، فيسلّم أغلب أعداؤها بصحة خياراتها وصدق تحذيراتها، وهم يذوقون السمّ الذي طبخوه لها، ويكتوون بالنار التي أشعلوها لحرقها، فقدمت لهم البلسم الذي يداوي من السمّ والماء التي تطفئ الحريق، وكانت معركة تدمر مثالها المعجزة التي أدهشت العالم بما تضمّنت من إنجاز رسم خارطة طريق الحرب على الإرهاب، وفرض روزنامة سورية للاستحقاقات، فصار تشكيل حكومة الوحدة السورية هو عنوان الحل السياسي، ومحور التفاوض الدولي والإقليمي، رغم حالة الإنكار السعودية ونصف الإنكار التركي.
حكومة الوحدة السورية التي ستكون موضوع محادثات جنيف، وفقاً للمصادر الدولية والإقليمية المتابعة، والتي تم الاتفاق على أولويتها في محادثات موسكو الروسية الأميركية، حدّد الرئيس السوري بشار الأسد ماهيتها كتلاقٍ لثلاثة مكونات بين الموالاة والمعارضة والمستقلين، فيما قالت مصادر إعلامية روسية إن هذا التكوين متفق عليه بين موسكو ودمشق وجرى تداوله مع وزير الخارجية الأميركية الذي يوفد نائبه توماس شينون لمواصلة المباحثات حول الخطوات اللاحقة للتقدّم في جنيف، بعد جولة مشاورات أجراها كيري مع حلفاء واشنطن.
وفيما وجّه الرئيس الأسد رسالة هامة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يؤكد فيها أن الفرصة مؤاتية لتشكيل حلف عالمي واسع للحرب على الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة، كان وزير الخارجية السورية وليد المعلم يدعو الجزائر للعب دورها عربياً في تشكيل جبهة موحّدة للحرب على الإرهاب ووضع خبرتها في هذا المجال وفي مجال عمليات المصالحة الوطنية أساساً لهذا الدور.
متغيّرات الحرب في سورية التي تعيش نتائج انتصار تدمر، حضرت في اللقاء الذي جمع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف بالرئيس سعد الحريري ومعها محادثات كيري في موسكو، والاستحقاق الرئاسي اللبناني مع دعوة علنية لتعاون عسكري لبناني روسي في مواجهة الإرهاب الذي يتهدّد لبنان في شماله الشرقي، ورسالة غير معلنة، كما قالت مصادر روسية إعلامية، حملها الحريري إلى الرياض تقوم على الدعوة للمزيد من الواقعية السياسية في مقاربة الأزمات والتأقلم مع معادلات التسويات واقتناص فرصها المتاحة.
لبنان الذي تخطى خطر الفشل أو الفراغ في مهمة جلسة هيئة الحوار الوطني، بتأجيلها بسبب وفاة والدة رئيس الحكومة تمام سلام سيكون كما يبدو مع عجقة الوفود الزائرة، بعدما ودع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ويستعد لإستقبال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ليتسضيف بينهما وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند، ضمن سلسة زيارات الإستكشاف والتحمية، تمهيدا لوضع لبنان على اللائحة بعد تبلور رؤية الحل في كل من سورية واليمن .
وفاة والدة سلام أنقذت الموقف
حلّت وفاة والدة رئيس الحكومة تمام سلام نعمة على مجلس الوزراء المثقل بالملفات التي يشكل كل منها لغماً جاهزاً لتفجير الحكومة في أي لحظة، وأنقذت الموقف ومنحت الحكومة متسعاً من الوقت لاستكمال البحث في الملفات الخلافية بعد تأجيل الجلسة التي كانت مقررة اليوم. الأمر لم يختلف على طاولة الحوار الوطني التي أرجأها رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد أن كاد قانون الانتخاب وموضوع التشريع النيابي يفجّرانها نظراً لتباين المواقف حول قانون الانتخاب وحيال تشريع الضرورة في ظل غياب رئيس الجمهورية.
وعلمت «البناء» أن الرئيس بري سيدعو إلى جلسة للحوار الوطني في السادس من نيسان الجاري أو في الـ20 منه بسبب وجوده في الفترة الممتدة بين 6 و20 نيسان في القاهرة، للمشاركة في مؤتمر «اتحاد البرلمانيين العرب»، بينما لم يحدد موعد لجلسة مجلس الوزراء حتى الآن.
بري: التشريع أكثر من ضرورة
وأكد الرئيس بري ضرورة التشريع ومعاودة المجلس نشاطه، ونقل النواب قوله في لقاء الأربعاء النيابي أمس، أنه «لا بد من العودة إلى تفعيل عمل المجلس والتشريع، لأن هذا الأمر أصبح أكثر من ضروري لمصلحة البلد. ونحن دائماً نعرف كيف نحفظ مصلحة لبنان واللبنانيين والأصول في آن معاً».
وجدد بري التأكيد على متابعة فضيحة الانترنت بكل تفاصيلها حتى النهاية، معتبراً أن هذه القضية بخطورة في مكان بحيث لا يمكن السكوت عنها في أي شكل من الأشكال.
الحريري التقى لافروف
في غضون ذلك، بدأ الرئيس سعد الحريري زيارته الرسمية لموسكو بلقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي شدد على أن «بلاده ترغب وتحرص على أن يتمكن لبنان من التغلّب في أسرع وقت ممكن على الأزمة الداخلية التي يُعاني منها»، وقال: «لا بد للشعب اللبناني بنفسه ووحده أن يحل كل المشاكل التي تواجهه بعيداً من أي تأثير من الخارج. ونحن نتطلع إلى أن يتخذ جميع الشركاء الخارجيين الموقف نفسه ويحترمون هذه المبادئ». وأشار الحريري، إلى أن «بلدنا ومؤسساته يمرّان في مرحلة صعبة جداً لا سيما في ظل ما يجري من حوله، لذلك أتينا لنتشاور معكم ونتعاون على حل الأزمات التي تواجهنا»، مشدداً على أن هناك تدخلات تحصل في المنطقة ولا سيما في لبنان لمنع انتخاب رئيس للجمهورية، نحن نرى أنه يجب علينا أن نتشاور في هذا الموضوع».
هاموند في بيروت
على صعيد آخر، وصل وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند إلى بيروت مساء أمس، في زيارة رسمية أحيطت تفاصيلها بالسرية التامة، على أن يلتقي هاموند خلالها كبار المسؤولين ويعقد مؤتمراً صحافياً مع نظيره اللبناني بعد ظهر اليوم.
تحرك دولي باتجاه المنطقة
وقالت مصادر مطلعة لـ»البناء» إن «الوزير البريطاني سيبحث خلال زيارته مع المسؤولين اللبنانيين موضوع النازحين السوريين والوضع في الشرق الأوسط لا سيما بعد إنجاز تحرير مدينة تدمر السورية. الأمر الذي سيدفع الدول الغربية للتحرك باتجاه المنطقة لاستكشاف الواقع، خصوصاً أن لبنان ليس بعيداً عن المعمعة الدائرة في المنطقة».
ولفتت المصادر إلى أن «مواضيع الإرهاب والوضع في سورية وعلى الحدود اللبنانية – السورية ستكون على جدول أعمال الزائر البريطاني، لا سيما ما يحصل من اشتباكات في عرسال بين التنظيمات الإرهابية والحديث عن هجوم لداعش على مناطق لبنانية حدودية، ما يشكل تهديداً لأمن أوروبا، خصوصاً بعد العمليات الإرهابية التي ضربت دولاً أوروبية».
ورجّحت المصادر أن يعلن هاموند عن تزويد لبنان بمعَدّات عسكرية وتقنية ليستطيع الجيش حماية حدوده ومواجهة الإرهاب كي لا يتم اختراق البحر المتوسط وتهديد أمن أوروبا ولكي يستطيع مراقبة الحدود للحؤول دون هجرة النازحين إلى أوروبا.
الإنترنت… التحقيقات مستمرة
ومواكبة لآخر المستجدات في ملف الإنترنت غير الشرعي، عقدت لجنة الإعلام والاتصالات جلسة استمعت خلالها من وزير الاتصالات بطرس حرب إلى معطيات إضافية في الملف ومن وزير المالية علي حسن خليل إلى حجم الهدر الكبير في المال العام، المقدَّر بحوالي 200 مليون دولار سنوياً كحد أدنى.
وأكد وزير الدفاع سمير مقبل أن «التحقيقات لا تزال مستمرة في هذا الخصوص». وقال وزير المال إن «الوزارة رفعت ادعاءً شخصياً على جميع المسؤولين ومن يكشفه التحقيق القضائي، لأن القضاء وضع يده على الملف حتى النهاية». وقال النائب فضل الله إن اللجنة «استمعت إلى وزير المال بشأن الهدر وناقشت الخرق الأمني لشبكات الانترنت وثبت وجود 4 محطات غير شرعية وطالبنا بالإسراع في التحقيق والتشدد في تطبيق القوانين».
وقال مصدر وزاري لـ«البناء» إن «موضوع الإنترنت غير الشرعي بات في عهدة القضاء وإن الحكومة تنتظر ما ستصل إليه التحقيقات لا سيما بعد رفع السرية عن محاضر لجنة الاتصالات النيابية».
«الشبكة» لم تخرق قيادة الجيش
وقالت مصادر في اللجنة لـ«البناء» إن «النواب والوزراء خلال الاجتماع استمعوا إلى عرض وشرح من وزارة الدفاع وقيادة الجيش حول مدى اختراق شبكات الإنترنت غير الشرعية لمؤسسة الجيش اللبناني وطمأنت الوزارة إلى أن لا خروق أمنية لقيادة الجيش».
وأضافت المصادر أن «التحقيقات ما زالت جارية والقضاء طلب مهلة إضافية لاستكمال التحقيقات للوصول إلى نتيجة وشهدت الجلسة تساؤلات حول قدرة وزارة الاتصالات على تغطية كامل الأراضي اللبنانية من الإنترنت»، ونفت المصادر أن تكون اللجنة قد ذكرت الجهات التي تملك محطات الإنترنت الأربع، لكنها أكدت أن «القوى الأمنية من معلومات ومخابرات جيش تقوم بتحقيقاتها لمعرفة من يملك هذه المحطات ومدى قدرتها والآلات التي تم استعمالها وكيف أدخلت إلى لبنان».
وشددت المصادر على «حرص اللجنة والمجلس النيابي على كشف الحقيقة أمام الرأي العام وأن اللجنة أعطت مهلة للقضاء الذي يحتاج إلى نوع تقنيات توفّر الآن لكشف الخروق»، وأوضحت أن «اللجنة أجلت اجتماعها إلى الثلاثاء المقبل لاستكمال البحث نظراً لضيق الوقت وارتباط عدد من الوزراء والنواب بالمشاركة بمراسم دفن وعزاء والدة رئيس الحكومة، وبالتالي المحضر لم يُقفل».
وكشفت المصادر على أن «التحقيق يتمحور أيضاً حول مدى ارتباط هذه المحطات غير الشرعية بالكيان الصهيوني، حيث اكتشف وجود علاقة بين شركات الإنترنت في قبرص التي تغذّي عدداً من الشبكات اللبنانية وبين الكيان الصهيوني».
أمن الدولة بين قانون الدفاع والمرسوم
في انتظار جلسة مجلس الوزراء يبقى حل أزمة جهاز أمن الدولة معلقاً بعد أن كان البند 65 على جدول أعمال جلسة اليوم.
وفي السياق، أوضح وزير الشباب والرياضة عبد المطلّب حنّاوي أن «مشروع المرسوم المقترح الذي ينص على تشكيل مجلس قيادة لجهاز أمن الدولة مخالف للقانون ونحن نرفضه، لأن جهاز أمن الدولة يتبع للمجلس الأعلى للدفاع بموجب قانون الدفاع 102 الذي حدّد أن مدير عام الجهاز ونائبه «يمارسان معاً صلاحيات مجلس القيادة»، ومشيراً لـ«البناء» إلى أن «تشكيل مجلس قيادة يتم بموجب قانون الدفاع وليس بمرسوم».
وأوضحت مصادر وزارية لـ«البناء» أن «جهاز أمن الدولة مؤلف من المدير العام ونائبه فقط ولكل منهما صلاحيات وأن الخلل الحاصل هو في سوء الإدارة وتضارب الصلاحيات بين المدير ونائبه»، مشددة على «ضرورة إيجاد حل في الجلسة المقبلة الذي يكمن بتنفيذ القانون والتعليمات».