صناعة الأمل السوريّ المقاوم: نوع خاص من الأمل
د. حسام الدين خلاصي
كثيرة هي المحاولات التي يبذلها بعض السوريين لضخ الأمل في الشرايين السورية الأصيلة، غير آبهين بمحاولات كثيرة تبذل لنزع الأمل من أرواح متفاوتة الثقافة تتعطش للنصر إن عاجلاً أو آجلاً، أي أنها تستعجل النصر لشوقها إليه ولوصولها ربما إلى درجة الإشباع من اعتقادها بأنها ضحّت أو أنها ضاقت ذرعاً بالصبر ولم يبق لها ما تضحي به، لكنها تصنف كقوة وطنية مخلصة ومؤيدة لمشروع الدولة، وهي أغلبية.
إن أعداء الشعب العربي السوري الصامد يدرسون بدقة التحوّلات الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية يوماً فأخر، ويراقبون المتبدّلات المختلفة الحاصلة ساعة بساعة في المزاج الشعبي المحلي، ليستطيعوا النفاذ إلى مقومات الصمود بغية إضعافها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وعبر الطابور الخامس المتخفي وما زال بين الجمهور الداعم لمشروع الدولة والجيش العربي السوري.
لكن قبل الخوض في غمار عناصر صناعة الأمل والتمسك بالأمل السوري المقاوم، علينا أن نعترف بأن ثمة بعض نقاط الضعف التي يمكن استغلالها من قبل أعداء الصمود السوري الشعبي، ونقاط الضعف هذه موجودة في كل مجتمع يخضع لحرب طويلة، وليست هذه خاصية المجتمع السوري.
يستطيع صانعو المزاج الانهزامي طرح عدة مسائل وعدة قضايا يستطيعون من خلالها زرع اليأس والتململ والتذبذب في نفوس الجبهة الشعبية الداخلية والتي تؤازر الجيش العربي السوري، والتي تشكل الحاضنة الدائمة لصمود هذا الجيش. واليأس يعني فقدان الأمل، والتململ يعني إطالة عمر المعركة، والتذبذب يعني انسحاب أعداد أكبر من دائرة الثقة.
حاول كثر من عناصر الطابور الخامس بمختلف الوسائل في الفترة الأخيرة التشكيك في قدرات الجيش العربي السوري، انطلاقاً من بعض الأخبار غير الموثوقة من أرض المعركة، أو من أخبار خسائر محدودة وقعت هنا أو هناك وذهب ضحيتها شهداء أو مدنيين أبرياء، وراحوا يصوّرون الجيش العربي السوري بأنه غير قادر على توفير الحماية لعناصره أو للمدنيين الموالين، وأضيف إلى ذلك بث الأخبار حول ردود أفعال الجهور الموالي لمشروع الدولة حول الالتحاق بالخدمة من عدمه، ناثرين أخباراً جماعية في صيغة التعميم من حوادث متفرقة.
كما يحاول البعض الآخر، انطلاقاً من موضوع محاربة الفساد في الداخل السوري، التشكيك في شخصية القائد، أو في مدى جدية السيد رئيس الجمهورية العربية السورية في معالجة ملف الفساد، انطلاقاً من فساد مدير هنا ومسؤول هناك. ويعتمد فريق آخر على ما يسمى بـ»التقصير الحاصل في الإعلام في رصد الحدث العسكري المباشر» فيجعله دليلاًً على الهزيمة العسكرية وعلى الاستهتار بإخبار الناس عن الواقع العسكري الحاصل. وثمة فريق متخصص في الأخبار الطائفية يغذيها ويشتغل عليها ويشجع أولئك الذين ينساقون غريزياً وراء المشاعر الطائفية غير المبررة إلاّ من وجع وألم، وهذا الفريق يعتمد على وسائل الإعلام، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي التي فيها متسع من التحفيز الطائفي عبر فريق كان وهماً على المقلب المؤيد، ومن ثم ينقض بالدافع الطائفي على المعجبين عبر صفحاته، يحرّضهم بعد اكتساب ثقتهم.
ثمة فريق يعمل مجتهداً على المكوّن الاقتصادي، معتمداً على حالة الفقر والتراجع المعيشي، فيبث شائعات تتعلق بزيادة الرواتب أو بالمنح المالية، حين تعاني الدولة من إنفاق كبير على عناصر صمود الدولة. إضافة إلى طابور من الجشعين الذين يخدمون مجانا ً قاتلي الأمل المقاوم.
بعد هذا السرد لتعدّد الصور التي يحاول بها الأعوان المدنيون، أتباع الوهابية و«الإخوانية» الشيطانية قتل الأمل المقاوم لدى فئات الشعب السوري، خاصة لدى النخب القائدة في مجتمعها المحلي، أحاول رسم صفات الأمل المقاوم الذي به وحده نستطيع تقصير عمر المعركة نحو انتصار مشروع الدولة السورية على الإرهاب الدولي، وأيضاً إعداد الشارع السوري لمشروع بناء الدولة المتجددة، انطلاقاً من البناء المتكامل على أساس التنوع السياسي والحرية في التعبير ومحاربة الفساد كثقافة مجتمعية.
للنصر يجب أن يعيد الشعب العربي والسوري خاصة تمركزه كشعب مقاوم لا يتأثر بعواصف الشائعات وبأفعال الطابور الخامس وبسلاسل التوثيق الإعلامي المغرض والذكي في آن واحد، فالشعب المقاوم لا يفقد الثقة مهما كلف الأمر من خسائر لأنه واثق من نصره، وعليه أن يتمتع بالذكاء الكافي لفهم طبيعة الحرب المشنة عليه وأدواتها الذكية كي يتعزّز صموده وصمود الجيش العربي السوري.
الأمل المقاوم هو نبع لا ينضب مثل اليقين الوطني و العروبي والعلماني والديني…. ويجب عدم الاستغراب هنا من جمع المتناقضات، فلدى فهمها كلّها فهماً صحيحاً تستطيع أن تتشارك في الضخ الدائم ولا يتوقف عن ضخ اليقين بالنصر في صفوف الشعب. وأصفه كالآتي:
1 ـ هو منطلق أن المعركة الراهنة ليست محلية وقطرية، بل هي عقيدية وتحتمل أخطار دولية تنهي المنطقة وأن أي تهاون سيودي بنا جميعاً إلى اللاتاريخ. وهو صادر عن قلوب صادقة مؤمنة تشكل عائقاً مهما ً جداً أمام أسياد المشروع الصهيو- أميركي في المنطقة وذيوله.
2 ـ هو مرتبط دوماً بانتصارات الجيش العربي السوري، ويثق بها ويتلقفها ويبني عليها استعداده للمرحلة المقبلة، ولا يلتفت البتة إلى الشائعات الرامية إلى إضعاف همة مناصري الجيش.
3 ـ هو يتصدى لجميع أنواع الشائعات بمختلف أنواعها الاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية وغيرها، وهذا التصدي يتمّ عن اقتناع ودراية بفن التصدي للشائعات.
4 ـ هو مسؤول صناعة إعلام مقاوم رغم كل الصعوبات واعتماد الأدوات نفسها التي يستعملها أعداء مشروع الدولة من وسائل إعلام ووسائل تواصل اجتماعي.
5 ـ هو لصيق بجميع التجمعات البشرية الإيجابية لإذكاء روح النضال والأمل وجدوى العمل بأدق التفاصيل كرديف صحيح لثبات الجيش العربي السوري في الميدان.
6 ـ هو مسؤول عن نقل تجارب شعب المقاومة الناجحة في بلدان صديقة خاضت معارك شبيهة كما في لبنان وفلسطين. ويتميز بالتفاؤل بالنصر في حركة وفعل.
7 ـ هو لا يبخس أي فكرة إيجابية حقها، ويركز على مبادرات الأفراد والجماعات ويعتبرها معياراً للصمود، ولا يلتفت إلى أعداء النجاح في زمن الحرب.
كثيرة هي الأفكار التي ينبغي سردها حول مفهوم الأمل المقاوم. إنّه في اختصار أمل بالنصر، منه تستقي المقاومة والجيش العربي السوري أفكاراً جديدة في طبيعة الصمود والتقدم للنصر المحتوم.