قنبلة النازحين وخطر التوطين
محمد حمية
ترسم مصادر مطلعة علامات استفهام حول الزيارات المتتالية للمسؤولين الغربيين والدوليين إلى لبنان بدءاً بوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني مروراً بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وصولاً إلى الزائر الحالي وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند ولا انتهاءً بالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند المتوقع وصوله منتصف الشهر الجاري.
لا شك في أن خطر الإرهاب على أوروبا وتفاقم أزمة المهاجرين، هما محور هذه الزيارات إلى المنطقة، لكن ماذا تريد هذه الدول من لبنان؟ وهل توطين النازحين الذين تحوّلوا قنابل موقوتة في الدول المتواجدين فيها بات ضرورة غربية ودولية؟ وكيف ستواجه الحكومة هذا الواقع؟
يرى مصدر وزاري ودبلوماسي سابق في حديث لـ«البناء» أن «خطر اللاجئين السوريين على أوروبا والوضع في الشرق الأوسط لا سيما بعد تحرير تدمر، سيدفع الغرب والمسؤولين الأمميين للتحرك باتجاه المنطقة للوقوف على حقيقة ما يجري ولمحاولة التخفيف من حجم الأخطار على أوروبا من خلال التعاون والتنسيق مع دول المنطقة للحد من تنامي الإرهاب والنزوح».
ويتابع المصدر أن «زيارة هاموند إلى لبنان بهدف الإطلاع من المسؤولين الأمنيين على حجم تهديد التنظيمات الإرهابية على المنطقة واستكشاف الوضع المستجد في سورية والواقع الأمني على الحدود اللبنانية – السورية بعد اشتباكات داعش والنصرة والحديث عن هجمات يُعِدّ لها داعش على مناطق لبنانية، ما يشكل تهديداً لأمن أوروبا في ما لو وصل التنظيم إلى المتوسط».
ويشدد المصدر الدبلوماسي على أن «بان كي مون لم يتحدث عن التوطين علانية خلال زيارته إلى لبنان»، موضحاً أن «مصطلح العودة الطوعية يعني أن لا تأخذ السلطات اللبنانية إجراءات ضد من لا يريد العودة من النازحين إلى سورية، لأن الأمم المتحدة تعتبرهم معارضة وعودتهم ستشكل خطراً على حياتهم».
ويدعو المصدر الحكومة اللبنانية إلى «أن تواجه المسؤولين الغربيين والدوليين بالحقائق، بأن التوطين مرفوض والعودة الطوعية أيضاً، وتبلغهم بأن وجود النازحين في لبنان بصورة مؤقتة فقط وليسوا لاجئين سياسيين بل هم نازحو حرب وبقاؤهم نتيجة للظروف الأمنية في سورية وعودتهم حتمية، لأن لبنان لا يستطيع توطينهم ولا حتى توطين قسم منهم في ظل ظروفه الاقتصادية والاجتماعية الصعبة». ويضيف أن «على الحكومة أن تطلب من المجتمع الدولي ومن الزائرين توفير كل ما يحتاجه النازحون طيلة وجودهم في لبنان والمساعدة على إيوائهم المؤقت ثم على إعادتهم إلى بلدهم».
من جهة أخرى تنفي مصادر وزارية لـ«البناء» أن يكون أي مسؤول دولي أو غربي قد فاتح رئيس الحكومة أو أي مسؤول في الدولة اللبنانية بموضوع توطين النازحين السوريين في لبنان، وتجزم بأن التوطين مرفوض وبأن المسؤولين الغربيين من ضمنهم هاموند يدركون استحالة هذا الأمر.
يحذر مصدر مطلع في 8 آذار من مخطط غربي لتوطين النازحين في لبنان لأهداف متعددة، إلا أنه يقلل من تنفيذ ذلك على أرض الواقع بسبب رفض جميع الأطراف السياسية والطوائف ذلك، ويضيف لـ«البناء»: «رغم دخول الرئيس الراحل رفيق الحريري في مؤامرة توطين الفلسطينيين في لبنان إلا أن الحريري الإبن لا يستطيع تكرار ذلك مع النازحين السوريين بسبب تغير الظروف الداخلية والخارجية»، ويضع المصدر تفكير بعض القوى بذلك في خانة الحصول على الأموال من الخارج. ويتساءل المصدر: «أين الأموال التي أعلن عن تقديمها للبنان في المؤتمرات الدولية لإيواء النازحين؟ ومن سيصرفها؟ أين الـ 134 مليون دولار التي جاءت كدفعة أولى؟».
ويلفت إلى أن «أوروبا أظهرت في البداية صورة الإنسانية تجاه قضية النازحين وعندما ضربها الإرهاب وبات النازحون عبئاً عليها، أرادت نقل المسؤولية إلى دول أخرى في المنطقة ورأت في لبنان الخاصرة الرخوة للتوطين مقابل المساعدات المالية»، ويسأل: «إذا ما حصل التوطين وتمّ التوصل إلى حل سياسي في سورية، هل سيعود النازحون الموطَّنون في لبنان إلى سورية؟ يجيب المصدر: بالتأكيد لا؟».
ويتحدث المصدر عن وصول عدد النازحين في لبنان إلى ما يربو عن مليون وأربعمئة وثمانين ألف نازح «لديهم مشاكل اجتماعية لا تُحصى وتركت تأثيرات سلبية على لبنان ما يجعلهم أهدافاً أمنية للإرهاب، ومن ضمنهم نسبة عالية من الشباب تناهز 400 ألف وعاطلون عن العمل ويعانون من الفقر، ومن السهل تكليفهم بأي مهمة أمنية، خصوصاً أن الجزء الأكبر منهم أجرى الخدمة العسكرية ومَن ترك بلاده خلال الأزمة إما هو مع «المعارضة» أم مع الدولة السورية وخروجه من بلاده يعني غياب انتمائه الوطني».
ويلفت المصدر إلى أن «الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني يبذلون جهوداً كبيرة في احتواء هذا الخطر الأمني»، ويتحدث عن «ولادات في أماكن النزوح غير مسجلة رسمياً في ما تقوم بعض العائلات اللبنانية بشراء بعضهم من ذويهم مقابل مبالغ مالية».
ويرى المصدر أن نسبة اللاجئين في لبنان هي الأعلى بين كل الدول، ويرى «أن ما طرحه وزير الخارجية جبران باسيل في موضوع النازحين بداية الحل»، داعياً الحكومة اللبنانية إلى التواصل مع السلطات السورية في هذا الموضوع لإعادة الجزء الأكبر من النازحين إلى سورية في ظل غياب أي حل آخر».
ويتوقع المصدر أن يعود نصف النازحين فور التوصل إلى حل للأزمة السورية، أما النصف الثاني فستعمل الأجهزة الأمنية على اعتقالهم وتسليمهم إلى السلطات السورية.
ويختم المصدر حديثه بدعوة الجميع إلى الالتقاء على دعم الجيش اللبناني في ظل الخلاف السياسي المستحكم علّه يكون الأمل الوحيد ضمن الواقع الإقليمي الذي يحافظ على الأمن والاستقرار، وذلك لتقطيع هذه المرحلة بأقل الخسائر وانتظار مرحلة الانتخابات الأميركية والحل السياسي في سورية.