العبادي والكتل… من سيُسقط الآخر؟
مصطفى حكمت العراقي
في خطوة كان من المستحيل القيام بها أو حتى مجرد التفكير فيها، لجهة إسقاط حكم الأحزاب السياسية في العراق وما تبعه من ترسيخ لنظام المُحاصصة السياسية بحجة الاستحقاق الانتخابي والمشاركة الوطنية المزيفة والذي تمثل بتقاسم كلّ المواقع في الدولة العراقية بين قيادات هذه الأحزاب وكوادرها، ما خلف ترهلاً وفساداً وفشلاً في قيادة العراق على مختلف المستويات بدأت تفوح روائحه في الداخل والخارج إلى أن أصبح من المستحيل استمرار السكوت والرضى بالحال، فانتفض الشعب العراقي وتظاهر واعتصم ونصب سرادق خيامه على أسوار المنطقة الخضراء المُحصّنة والتي تحوي أغلب المقار الحكومية والبعثات الدبلوماسية الوافدة إلى العراق، ودخل زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر على خط الأزمة بشكل غير متوقع إذ دخل وحيدا المنطقة الخضراء حيث نصب خيمة له واعتصم أياماً داخلها، فحوّل مسار التسويف الذي اتبعته الكتل السياسية، لجهة كسب الوقت، إلى ضغط لا يمكن لرئيس الوزراء حيدر العبادي تحمُّله، فاتخذ الخطوة الأصعب والأجرأ في مسار العملية السياسية العراقية بعد الاحتلال، ورمى كرة النار في حضن مجلس النواب وجعله رأس حربة في مواجهة الشعب وقياداته المنتفضة، خصوصاً السيد الصدر. طرح العبادي، خلال جلسة مجلس النواب، تشكيلته الوزارية الجديدة وأعطى رئيس البرلمان سليم الجبوري مدة 10 أيام لمناقشة التشكيلة التي سلمه إياها ضمن ملف مغلق. وأعلن العبادي أنّ التشكيلة الجديدة تضم 16 وزيراً باستثناء وزيرَي الداخلية والدفاع، داعياً مجلس النواب إلى مساعدة الحكومة في إنجاز الإصلاح والتغيير الوزاري.
وعقب تقديم العبادي التشكيلة الحكومية العراقية المقترحة قال زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر إنه لن يضيع حق وراءه مطالب، وأنه سوف يقدم كلّ فاسد وسارق ومعتد إلى المحاكم العادلة مهما كانت النتائج، معتبراً أنّ العبادي قام بخطوة شجاعة بإعلانه وزارة كاملة شاملة، وأنّ الشعب يريد الإصلاح وهو يستحقّ التغيير. وطلب الصدر من أنصاره إنهاء الاعتصام أمام المنطقة الخضراء في بغداد، لكنه دعا، في الوقت عينه، إلى الاستمرار في التظاهرات السلمية الحاشدة بعد كلّ صلاة الجمعة للضغط على البرلمان لتمرير الوزارة المقترحة. وهدّد السيد الصدر برفع سقف المطالب إلى حدّ المطالبة بسحب الثقة من رئيس الوزراء وإسقاط الحكومة برمتها، في حال أفشلت الكتل السياسية خطوة العبادي الأخيرة معيدة البلاد إلى المربع الأول.
أما الوزراء المقترَحون، فقد أشارت تسريبات شبه مؤكدة إلى أنهم كفاءات لا يمكن لأحد الاعتراض عليها، كما أنهم متخصِّصون في الوزارات التي رشحوا لها، إضافة إلى خبرتهم الطويلة في مجال عملهم، بالرغم من أنّ بعضهم شارك في حكومات سابقة.
وبذلك، يمكن القول إنّ العبادي اتخذ خطوة ذكية لدرجة كبيرة قيل أنها تمّت بالتنسيق مع السيد مقتدى الصدر والسيد عمار الحكيم، تحت غطاء ودعم إيرانيين لهذه الخطوة، ما قد يبشّر بمرورها مستقبلاً في البرلمان العراقي لأنّ من دعمه سيضغط على الكتلة الكردية والسنية في البرلمان لتمريرها وهو ما جعل التيار الصدري وقيادته راضيين عما حصل، كما أنّ العبادي خرج منتصراً من معركة إسقاطه التي كان من المقرّر أن ترتسم ملامحها السبت المقبل، وهو ما سقط بضربة العبادي الجريئة التي وضعت الكتل السياسية في موقف محرج جداً، فإن رفضت ستخسر ما تبقّى لها شعبياً، وإن وافقت ستخسر معظم امتيازاتها التي تمتعت بها طوال الأعوام السابقة، بحجة أو بأخرى، ما يجعل احتمال نجاح خطوة العبادي أكبر من احتمال فشلها بدرجة كبيرة، لأنّ إفشال حكومة «التكنوقراط» المقترحة يعني إسقاط العبادي حكماً، إضافة إلى دخول البلاد في نفق مظلم لجهة اختيار رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة مُحاصصة جديدة، ما سيجبر الصدر وتياره على العودة إلى الشارع وهو المسار الأسوأ في مستقبل العراق إن حصل.
في المُجمل، فإنّ خطوة العبادي الإصلاحية محكومة بمفاصل عدة، لجهة النجاح أو الفشل، كما أنّ قول العبادي في خطابه أمام البرلمان إنّ الكتل السياسية مخيّرة في قبول الأسماء أو رفضها أو تعديلها يعني أنّ شيطان التفاصيل سيظهر مجدداً في غرف المفاوضات المظلمة بين أحزاب السلطة وهو ما قد يطيح أكثر من اسم في هذه التشكيلة المقترحة لسبب أو لآخر، كما طالب بذلك اتحاد القوى السنّية في البرلمان باحتجاجه على عدد من الأسماء وتحفُّظه عليها، لذلك فإنّ الأيام العشرة المقبلة ستكون حافلة بالأحداث التي ستحدّد مصير العراق القريب.
قد يخرج العبادي ومعه حزب الدعوة من السلطة أو تخرج الكتل السياسية من الحكومة بعد قبول التغيير الوزاري، وقد تصمد الحكومة الحالية وتبقى وتواجه بصخب شعبي واسع، وهذا خيار مستبعد لدرجة عالية، لأنّ العبادي بتوجهه نحو «التكنوقراط» أسقط رؤوساً كبيرة من الوزراء ساهمت في وصوله إلى موقع رئاسة الوزراء، ما يعني أنّ الصدام حصل أصلاً معها، ومن غير المتوقع أن يعود الوئام بين شخصيات أسقط بعضُها البعضَ الآخر بتوجه كهذا. يبقى السؤال الأبرز والذي يتطلب وقتاً للإجابة عنه: من سيُسقط الآخر العبادي أم الكتل السياسية؟