السعودية تستجدي التفاوض مع إيران وتبثّ السموم
روزانا رمّال
يبدو أنّ حكمة الأفرقاء اللبنانيين أخصّهم أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله جعلت من الديوان الملكي السعودي يضيق ذرعاً بتركيبة هذا البلد وببعض نباهة رؤساء الأحزاب الذين لهم باع طويل بالحروب الأهلية والذين باتوا يرسلون إلى السعوديين في إدارة سلمان الحديثة بعض نصائح عدم اتخاذ الشارع واحداً من الأوراق السعودية، لانها خاسرة بدون شك مقدمين حادثة السابع من أيار المفصلية مثالاً على ذلك.
لم يعد الفشل السعودي وضيق المخارج المتاحة أمامه منذ اعلان الاتفاق النووي الايراني خافياً، وهو الذي تناقشه اليوم كبرى مراكز الدراسات الأميركية وفروع جهاز الاستخبارات والدفاع مع عامليهم في الشرق الاوسط وبعضهم دبلوماسيين كبار. هذا الواقع الذي أدى بالرئيس الاميركي باراك اوباما إلى طرح ما يشبه ضرورة التعاون بين السعودية وايران في ما أطلق عليه «عقيدة اوباما» وهي الأربعون صفحة التي يودع فيها العالم السياسي ويحكي تجربته لمجلة «اتلانتيك».
تحاول المملكة السعودية التعبير عن خسارتها بعض الاوراق الاساسية، منها الورقة اللبنانية بشكل خاص بطريقة تشرح المستوى المتدني لفشل دبلوماسيتها بالتوصل إلى حلول مع خصومها، والأصحّ هو اعتبار الدبلوماسية احد اشكال العجز واحتقارها، فمنذ الربيع العربي حتى اليوم لم تستخدم المملكة هذا الشق الذي يتيحه الفكر السياسي الذي تلقاه معظم القادة لدى دراساتهم العليا والذي على ما يبدو لم يتلقَه أمراؤها وملوكها لنقص ما في الثقافة والبرهان. لم تستخدم فن الدبلوماسية لا في الازمة السورية ولا في الازمة اليمنية، ما يؤكد اعتبار هذا نقيصة وإمعاناً في تحجيمها. وبالتالي اصبحت سياسة العدائية هي السائدة عند إدارة الملك سلمان.
حاولت السعودية اكثر من مرة استنهاض الشارع اللبناني للانقضاض على حزب الله وقاعدته الشعبية بطريقة غير مباشرة، ولكنها لم تفلح في هذا، تتعطش السعودية لإنهاك الشارع اللبناني، لكنها عاجزة عن ذلك أيضاً، فحتى الرغبة في اشعال الفتنة وجدت لدى امين عام حزب الله جوابا في خطاب مفصل تحدث فيه عما تناولته محطة mbc السعودية التي عرضت مقطعاً ساخراً عنه فقطع الطريق الكامل امام الفتنة وقال لمناصريه لا يستفزنكم احد ونحن نعرف انهم يريدون ذلك بأي ثمن.
يقطع السيد نصرالله على السعوديين احد اهمّ الطرق التي تضعهم على طاولة المفاوضات والتي تطرح لبنان ورقة سعودية تفاوض عليها ببساطة، معتبرة انّ ذلك ممكن من دون إقحام حلفائها الذين اعتبرتهم سلفاً ورقة محروقة، وهي غير قادرة اصلا على دفع تكاليف اشتباك مسلح خاسر بينهم وبين حزب الله.
العجز السعودي على الدخول في حرب مع حزب الله داخل لبنان بعدما خسرت ورقة الشمال وصيدا خلال السنوات الخمس الماضية يترجم اليوم بالوسائل الركيكة التي تعتمدها لاستفزاز الشارع اللبناني بأكمله. فالسموم التي تلقيها على اللبنانيين وتضغط عليهم فيها تتمثل باللعب باوراق اعلامية تعبث بغريزة اللبناني المتمسك بوطنيته وعفويته تجاه عمق ارتباطه بأرضه وأرزته ورموزه. تسخر صحيفة مملوكة للديوان الملكي كالشرق الاوسط من علم لبنان وارزته فتعتبره كذبة، تنتظر السعودية انتفاضة اللبنانيين مجدداً بعد حادثة mbc الاولى ويستفيق اللبنانيون على خبر إقفال مكاتب قناة «العربية» ايضاً في بيروت تحضّر السعودية لأجواء حرب إعلامية مع لبنان وتسعّر الجدال وتبث الغموض وتتحدّث عن وضع امني مقلق آتٍ.
نسي فريق الملك سلمان انه حتى مناقشة الوضع الامني في لبنان وتثبيت استقراره لم يعودا مهمة سعودية. وعلى هذا الاساس لم يعد هذا التهويل مجدياً مع اللبناني الذي يسلم بقدرة السعودية على تمويل جماعات جهادية للقيام بتفجيرات فيه، لكنه لم يعد يسلم بأنّ السعودية قادرة على اخذ لبنان إلى معركة داخلية او تحويله لساحة اشتباك سني شيعي.
أحد التقديرات لا يخفي الوضع المالي الصعب الذي تعيشه السعودية والتي بدأت تتقشف في مؤسساتها وتسحب العاملين فيها، خصوصاً في المكاتب الاعلامية الاقليمية الكبرى مثل بيروت، وتقدير آخر يتوجه نحو معرفة السعودية انه لم يعد من ضرورة لفرق كبرى من العاملين والمستخدمين في عدد من القطاعات في بلد لن يكون من حصصها الكبرى بالمستقبل القريب، خصوصاً في القطاعات التي اصبحت قادرة على الاستفادة منها بطرق أقلّ كلفة، كلّ هذا ينسحب على المؤسسات والصحف اللبنانية التي كانت تحصل على دعم سعودي ايضاً للغرض والمهمة نفسيهما، وهي اليوم مهدّدة بالإقفال بعد وقف المساعدات، وبينها عدد كبير من المواقع الالكترونية والصحف والقنوات التي تمّ تخفيض عدد موظفيها ايضاً.
تستجدي السعودية التفاوض مع إيران بوضع الملف اللبناني واستحضار بوابة الانفجار الذي سيضع إيران أمام مأزق بالتقدير السعودي، والذي سيضغط باتجاه الحلول والتنازلات وجعل السعودية شريكاً أساسياً فيه كلّ هذا عبر أساليب تضاف إلى نيات التصعيد السعودي منذ تصنيف حزب الله إرهابياً وصولاً إلى تعميم سياسة التصادم مع لبنان الرسمي.
تريد السعودية اشعال الشارع اللبناني بأقلّ الأكلاف عليها واستخدامه عاملاً ضاغطاً على طاولة المفاوضات، خصوصاً في وجه ايران، لكنها ولسوء حسابات الزمن غير قادرة ولاول مرة على قول كلمتها جهاراً واعلان جهوزيتها في الشارع أمام النار التي ستأكل ما تبقى لها من نفوذ يحفظ ماء وجهها.