«فورين بوليسي»: «القومي» يكتسب شعبية متزايدة على أرض الواقع… «نسور الزوبعة» مثالاً وقدوة
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
كتبت نور سماحة لمجلة «Foreign Policy» الأميركية:
صدد، سورية…
نمشي في شوارع البلدة السريانية الأرثوذكسية القديمة شبه المهجورة، والتي تبعد 35 ميلاً جنوب غرب مدينة حمص، يشير أدونيس نصر إلى ملصقات على الجدران لمقاتلين لقوا حتفهم خلال دفاعهم عن المنطقة، واصفاً بالتفصيل الدور الذي لعبه كلّ واحد من هؤلاء.
«عند وصول جبهة النصرة، لم يكن هناك أحد في البلدة للدفاع عن السكان باستثناء بعض الرفقاء من الحزب السوري القومي الاجتماعي»، يقول الإعلاميّ في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو المواطن اللبناني، البالغ من العمر 35 سنة.
ويضيف نصر، الذي كان يحمل بندقية متدلّية فوق كتف واحدة، وكاميرا في يده الأخرى، وهو عضوٌ في الجناح العسكري للحزب السوري القومي الاجتماعي المعروف بِاسم «نسور الزوبعة»: «كانت معركةً صعبة»، في إشارة إلى المعركة التي خاضها أفراد الحزب ضدّ «جبهة النصرة» نهاية عام 2014. «عثرنا على جثث بعض الأهالي المذبوحين والمرميّين في الآبار وكان على السلطات السورية أن تستقدم بعض المختصّين لانتشال الجثث من مكانها».
صدد، وهي بلدة أمامية تقع في بادية حمص، مشهورة بإنتاج النبيذ والعَرَق وخمور اليانسون، استطاعت بيوتها الطينيّة منخفضة الارتفاع، صدّ هجمات المسلّحين من «جبهة النصرة» و«داعش»، واحتلّت أخبار المقاومة فيها عناوين الصحف العالمية. تعتبَر صدد الآن، المنطقة أكثر أمناً، بسبب الدور الحاسم الذي لعبه مقاتلو الحزب السوري القومي الاجتماعي هناك في دفاعهم عن البلدة.
ففي سورية، يحظى نشاط الحزب القومي بتغطية إعلامية ضئيلة ـ وهذا الحزب هو حزب علمانيّ لبناني سوري، وواحدٌ من أقدم الحركات السياسية في الشرق الأوسط الحديث ـ ويلعب دوراً مهماً على أرض المعركة كداعمٍ رئيس لحكومة الرئيس بشار الأسد. ونتيجةً لذلك، تحوّل من كونه مجموعة غير معروفة هناك، إلى أحد أكثر البدائل شعبية، لحزب البعث الحاكم في معظم المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
تقول مصادر الحزب إن هناك حوالى 8000 مقاتلاً ينتمون إلى المجموعات المتناحرة في سورية، في حين ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن الرقم يقارب 6000 شخص. يتوقف نصر عن المشي، وينظر مطوّلاً إلى ملصق صورة علاء نون، الفتى اللبناني إبن 18 ربيعاً من بلدة حاويك على الحدود اللبنانية ـ السورية، والذي انضمّ إلى صفوف الحزب عندما كان لا يزال في الثانية عشرة من عمره، ليبدأ القتال في عمر السادسة عشرة، وكان من أوائل الذين حملوا السلاح ضدّ المسلّحين في القُصيْر، مدينة في غرب سورية، وهو مكان بعيد عن بلدته، بدأ نون يطالب بنقله إلى صفوف القتال الأمامية، لينتهي به المطاف شهيداً عام 2014 أثناء مواجهات للحزب مع «جبهة النصرة» دفاعاً عن مدينة صدد. وقد قُتل بصاروخ «كورنيت» أصاب حافلة كانت تقلّه هو ورفاقه إلى داخل البلدة.
«لم يتمكّن الحزب السوري القومي الاجتماعي من استعادة جثمان نون إلا بعد مرور سنتين على استشهاده». يضيف أدونيس نصر، الذي حضر مأتم رفيقه في بلدته حاويك قبل يومين من حوارنا معه: «وجدوا عظامه في بستان، واستطاعوا التعرّف إلى رفاته من خلال لوحة معدنية بقيت مغروسة في كتفه من آثار عملية سابقة».
على درب الشهادة
بعد أسبوعين على حضور جنازة نون، ومرور عشرة أيام على دخول صدد، استُشهد أدونيس نصر. ففي 19 شباط، أُصيب، هو وأربعة من رفقائه بصاروخ في ريف اللاذقية بعد تحرير قرية كنسبّا من أيدي المسلّحين. ويعزو المسؤولون في الحزب السوري القومي الاجتماعي استشهاد نصر إلى الدعم العسكري الذي قدّمته الولايات المتحدة وتركيا «للمعارضة» للقتال في تلك المنطقة. كما صرّح مسؤول في الحزب يقاتل في اللاذقية: «قُتل أدونيس بصاروخ تاو الأميركي بينما كان يلتقط صوراً للذخائر والمعدّات العسكرية التركية التي خلّفها المسلّحون».
نصر هو عضوٌ مخضرم في الحزب السوري القومي الاجتماعي، بدأ نشاطه الحزبيّ في بداية التسعينات عندما كان لا يزال في السادسة عشرة من عمره ـ وهو يعرف سورية جيداً، ويعرف كوادر الحزب القومي فيها أكثر من أيّ أحد آخر. كان يترك بيته الكائن في الشويفات، جنوب بيروت، للسفر إلى البلد المجاور والممزّق لتأدية واجبه الحزبي كإعلاميّ يقوم بتسجيل الفيديوات وتوثيق المعلومات للحزب. كما كان يصوّر شهداء الحزب الذين يسجّلون لذويهم ـ قبل استشهادهم ـ بضع عبارات وداعية مؤثرة، وكان يعمل على إقناع بعضهم ممّن يواجهون صعوبة في القيام بذلك «هم لا يخافون الموت نحن لا نخاف من الموت. جميعنا مؤمنون بالقضية التي نقاتل لأجلها»، يؤكد نصر. بل «يتألمون عند تسجيل مثل هذه العبارات الوجدانية الحيّة لأهاليهم وأحبائهم ويتخيّلون شعورهم أثناء مشاهدتها».
حضر جنازة أدونيس نصر الآلاف في بيروت، من سورية ولبنان ـ بمن فيهم أعضاء الحزب، والمقاتلون والقياديون والمسؤولون السياسيون. شكّل هذا الحدث إشارة صغيرة إلى دور الحزب الفعّال في الحرب الدائرة في سورية، والذي جاء دليلاً دامغاً يؤكّد على شعبيته المتنامية. ونتيجة لهذه السمعة وتأثيرها كقوة قتالية فعّالة على أرض المعركة في سورية، يؤكد أحد الكوادر ازدياد الإقبال للعضوية في الحزب بالآلاف منذ بداية الحرب.
يشدّد الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي أُسّس في لبنان عام 1932 على يد المفكّر اللبناني أنطون سعاده، أنه يقاتل من أجل مستقبل سورية ـ غير أنّ مفهومه لهذا البلد يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، أبعد من حدود الدولة التي قزّمتها القوى الاستعمارية، ونحتتها بما يتناسب وتطلّعاتها الاستراتيجية وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. بدَتْ رؤية سعاده لسورية الكبرى والتي تضمّ في العصر الحديث كلّاً من سورية، لبنان، الأردن، فلسطين المحتلة والعراق والكويت، وبعض أجزاء من تركيا وإيران ـ جذّابة للغاية لدى جميع أولئك غير المقتنعين بفكرة القومية العربية.
وبينما يرى البعض الحزبَ القومي على أنه حزب الأقليات، يؤكد مسؤولون، أنّ هذا الحزب يضمّ أفرادأ من كافة الأطياف والطوائف، بمن فيهم السنّة العرب. وفي معرض هذا يقول نصر: «حزبنا ليس حزباً للأقليات، بل هو حزبٌ لجميع السوريين، إذ إنه بُني على فكرة سورية القومية، لا على أساس الطوائف أو الإثنيات أو اللغة…»، ويتابع: «هناك الأكراد، والأرمن، والأشوريون، والسنّة، والدروز، والشيعة، والعلويون وجميع الطوائف».
وبينما أخذت شعبية الحزب السوري القومي الاجتماعي إبان الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي تزداد وتتنامى، بدأت الأحزاب المنافسة له، وتحديداً الشيوعيّ، بمقارنة حركة الحزب القومي وأفكاره الايديولوجية بتلك النازية، هادفاً إلى زرع الرعب في نفوس أعدائه. وقد أنكر أعضاء الحزب هذه الاتهامات بشدّة، موضحين أنّ شعار الجماعة الزوبعة ، يستند أساساً إلى مزيج من الصليب المسيحي والهلال الإسلامي، فضلاً عن شعار سورية القديمة الذي عُثر عليه في سامراء قبل 5000 سنة.
ويضيف أحد المصادر في الحزب: «الحزب النازي هو حزب عنصريّ، لأنه ومن بين أمور كثيرة، يستند إلى أفضلية العرق الآري، كما أنه نظر إلى الآخر باعتباره أقلّ شأناً… بينما تقوم مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي على نبذ التمييز العنصري، والعمل دوماً نحو تحقيق المساواة بين جميع المواطنين. هذا الحزب مناهض للعنصرية، مكافحٌ للطائفية، ورافضٌ للتمييز».
لطالما شارك الحزب السوري القومي الاجتماعي في نشاطات عسكرية عدّة عبر التاريخ، بدأت مع هجمات على الميليشيات اليهودية في فلسطين عام 1936. وقد خبِرَ علاقاتٍ مضطربة مع الدولتين اللبنانية والسورية، ما اضطرّ أعضاءه إلى العمل سرّاً في كلا البلدين لعقود عدّة من الزمن.
اليوم، يعتبر الحزب حليفاً قوياً لحزب الله. وعند اندلاع الاضطرابات بين هذا الأخير وبين منافسيه المحليّين في أيار عام 2008، أوفد الحزب القومي كوادره إلى شوارع العاصمة بيروت وكذلك إلى الشمال. أما بالنسبة إلى مصادر الحزب، فإنه يصوّر النضال على أنه «حربٌ المقاومة ضدّ إسرائيل»، وأنه من واجب الحزب المشاركة وحماية المقاومة.
وينظر الحزب القومي إلى الحرب الدائرة على سورية اليوم على أنها محاولة لتقسيم سورية، العراق، ولبنان إلى طوائف إثنية وعرقية. «ما يحدث في سورية الآن، يُعتبر أسوأ ـ بما لا يُقاس ـ ممّا جنته اتفاقية سايكس ـ بيكو عند تقسيمها المنطقة مطلع القرن الماضي»، يؤكد مصدر عسكري في الحزب، ويضيف: «نقاتل لأجل إبقاء سورية موحدة، ونسعى إلى أن يفهم المزيد والمزيد من أفراد هذه الأمة، وجهة نظرنا».
بالنسبة إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، فإنّ سورية الكبرى ليست مجرّد مفهوم تجريديّ. إنها ثقافة خاصة. لديها «أيام عطلها القومية»، نشيدها الخاص، وأعضاء حزبها الذين يحيّون بعضهم البعض قائلين: «تحيا سورية»، مخيمات الأشبال وورش العمل المتمحورة حول تعزيز العلمانية، وطريقة العيش التي تشجّع الناس على رؤية ذواتهم من خلال سورية أولاً، وعندما ينتمي أحد الأعضاء الجدد إلى الحزب، يُعمل على تدريبه على ضرورة التخلّص من كلّ تفكير مرتبط بالتمييز العنصري والطائفي والاجتماعي، وبذل الجهد في تغيير أفراد الأمة من الداخل، لجعلهم أفراداً أرقى وأفضل.
«الثورة من الجامعات لا من الجوامع»…
يصرّح عميد الخارجية في الحزب القومي، حسان صقر قائلاً: «بالنسبة إلينا، تكون الثورة حقيقية، عندما يتدفّق المتظاهرون من الجامعات بدلاً من الجوامع… ونحن لا نعتقد أنّ الحرب في سورية هي تعبير عن الصراع بين الحكومة والمعارضة، بل هي حرب على سورية تهدف إلى تقسيم البلاد وأخذها بعيداً في التاريخ نحو العصور الجاهلية».
يقاتل الحزب السوري القومي الاجتماعي اليوم في سورية على الجبهات والخطوط الأمامية. وقد أرسل جناحهم العسكري، «نسور الزوبعة» المئات من المقاتلين إلى جميع المحافظات: حمص، اللاذقية، دمشق، السويداء، حماه، القنيطرة، ودرعا. يؤكد مقاتلو الحزب أنهم يتلقّون ـ إلى جانب الدعم العسكري بالعتاد والأسلحة ـ تدريباً يومياً على القتال من السوريين، الروس وحزب الله. وعلى رغم وجود مقاتلين لبنانيين بين صفوف الحزب، الا أنّ عديدهم انخفض مؤخراً بشكل ملحوظ في مقابل تزايد عديد السوريين، وذلك حسبما ذكرت مصادر الحزب القومي في لبنان وسورية.
أثناء تنقلاتنا، شاهدنا عدداً من الكوادر والمقاتلين القدماء والجدد في مقرّات الحزب الكائنة في حمص، والتي زُيّنت جدرانها مكاتبها الداخلية بصور لأنطون سعاده، خريطة سورية الكبرى، فضلاً عن صور لمقاتلين قوميين قضوا في المعارك.
يجلس في أحد هذه الغرف، مقاتلان سوريّان جديدان نسبياً، أحدهما يُدعى مجد، وهو سنّيّ من محافظة إدلب الشمالية، والآخر علويّ من اللاذقية، يُدعى أحمد.
«لم أعرف الكثير عن الحزب ومفاهيمه قبل اندلاع الحرب على سورية، لأنني، مثل كثيرين غيري، لم نكن محاطين سوى بأفكار حزب البعث وعناصره»، يقول الشاب أحمد، الذي انتمى إلى صفوف الحزب قبل ستة أشهر فقط، وهو ينظر إلى الحزب على أنه مضادّ ومناهض للطائفية المتزايدة في البلاد «عندما بدأت الحرب، بدا واضحاً أنّ المسلّحين ينظرون إلى الدين كهوية، أكثر من التطلّع اليه كاعتقاد، وهذا بحدّ ذاته مدمّر». ويتابع أحمد: «أنا من سورية، اذاً، بالدرجة الأولى، أنا سوريّ الهوية، وهذا هو تحديداً ما يمثله الحزب السوري القومي الاجتماعي في محاولة دفعه بالمجتمع قدماً».
أما مجد، الذي هرب مع عائلته من إدلب عام 2013 بعد هجوم «جبهة النصرة» على بلدته سلقين، وانضمّ إلى صفوف الحزب عام 2014، فيقول: «أنتجتْ هذه الأزمة واقعاً جديداً، وأدرك الناس جيداً أنّ فكرة البعث ـ العروبة قد انهارت فقد أظهرت هذه العروبة أن ليس مع سورية والسوريين سوى السوريين أنفسهم، وأنّ العرب قد تخلّوا عنهم».
قائدٌ واحدٌ من حمص، يبلغ من العمر 26 سنة، ويلقب بـ«الروسي»، بسبب جذوره السورية ـ الروسية، شارك في نقاشنا هذا. وكان قد سبق له الانضمام إلى الحزب منذ أربع سنوات، فور بدء الحرب هناك: «بدأتُ كمقاتل في الحيّ لحماية المنطقة في حمص القديمة من الهجمات المسلّحة، وقد انضممتُ إلى الحزب لإيماني بالمعتقدات التي يجسّدها: الإبقاء على سورية موحّدة».
ويتابع: «ما يؤمن به الحزب القومي ليس قتالاً لأجل القتال، ومن بعد ذلك الإقفال للعودة إلى منازلنا، إنّ مبادئ الحزب تشكل أسلوب حياة كاملاً، وموقفاً يسعى إلى جعل المجتمع السوري مجتمعاً أفضل».
تتزايد شعبية الحزب القومي في سورية ـ بعدما نجح في إثبات نفسه كمقاتل شرس على الخطوط الأمامية في الحرب الدموية الدائرة على البلاد. وفي يومٍ ملبّد بالغيوم في بلدة السقيلبية، على مشارف سهل الغاب، الذي يربط خطوط المواجهة الحاسمة بين حماه وإدلب، وقف أدونيس نصر وبعضٌ من مقاتلي الحزب السوري القومي الاجتماعي على قمة مبنى مهجور، يتناقشون في شأن أحدث المناورات العسكرية.
قبل أربع سنوات، أضحت البلدة واحدة من أعنف الخطوط الأمامية في الحرب، وكان لمقاتلي الحزب القومي ـ إلى جانب القوات المحلية الأخرى ـ دور رياديّ في تنظيم دفاعات المدينة. ومنذ ذلك الحين، عانى آلاف السكان من الهجمات الصاروخية وقذائف الهاون التي يطلقها مقاتلو «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، المتمركزون في البلدات المجاورة. يتجلّى الضرر أكثر وضوحاً، على مشارف المدينة، حيث انهارت المباني المنخفضة، وتدلّت الشرفات وانهارت السقوف، فيما انتشرت السيارات المحروقة على جوانب الطرقات.
حاول المتشدّدون الاستيلاء على السقيلبية ـ يقول الياس ابن الـ36 سنة، وهو مقاتلٌ محليّ في الحزب القومي ـ باعتبارها صلة وصلٍ رئيسة بين حماه ومعاقل أخرى للحكومة على طول ساحل المتوسط. ووسط الموجة الأولى للهجمات، شكّل الحزب السوري القومي الاجتماعي وغيره من الفصائل المنتشرة في البلاد خطوط دفاع رئيسة، حيث كان الجيش السوري منهمكاً في صدّ معارك أخرى في أنحاء البلاد. «لم يكن الجيش السوري هناك في ذلك الحين، لذا، كان القرار يعود إلينا»، قال هذا، بينما كنّا نسمع جولات متقطعة من إطلاق النار من بندقية «23mm» المضادّة للطائرات. ويؤكد الياس أنّ وجودهم كحزب كان محبّباً جدّاً لدى السكان المحليّين. ثم تابع: «اعتدنا على التخوّف من الحزب قبل الحرب بسبب أنشطته السرّية، حيث لم يبغ القيّمون عليه افتعال مشاكل مع الحكومة، وحالما تطوّر سياق الحرب، ورأى السكان المحيطون أننا نتصرّف بحكمة واحترام … بدأوا يهتمّون أكثر فأكثر، في معرفة ما نحن عليه وما نمثّله».
ازدهر الحزب أيضاً ولاقى رواجاً في سلمية، وهي بلدة في ريف حماه، وموطنٌ لعدد من السكان «الإسماعيليين» فرعٌ من المذهب الشيعي الإسلامي . وقد افتتح الحزب عدداً من المكاتب هناك منذ عام 2011.
المدينة نقطة محورية للمتشدّدين، ويعود ذلك إلى كون البلدة تشكل طريق إمداد رئيساً للحكومة في حلب. واليوم، يسيطر مقاتلو «جبهة النصرة» على القسم الغربي من البلدة، بينما يبسط مقاتلو «داعش» سلطتهم على القسم الشرقي منها. كلّ ليلة، وعند الساعة الخامسة والنصف تماماً، تُحظر جميع الطرقات المؤدّية إلى البلدة بواسطة الجيش، الذي يمنع أيّ شخص من الدخول أو المغادرة، خطوةٌ أمنية نُفّذت بعد سلسلة من الهجمات الانتحارية على الطرقات من قبل المسلّحين. وقد وُضعت عدّة نقاط تفتيش على مداخل البلدة ـ بعضها يتولاها الجيش، وبعضها الآخر عناصر الحزب السوري القومي الاجتماعي.
وعلى مدى الشهرين الماضيين، عانت البلدة انقطاعاً تاماً من المياه والكهرباء، وقد جاء ذلك مفتعلاً من المسلّحين في المناطق المجاورة. ويعتبر الأهالي الآن، أنفسهم محظوظين لو حصلوا على ساعتين متتاليتين من الكهرباء في اليوم الواحد. تُنقل المياه إلى البلدة بوساطة الغالونات، لكن كلّ ذلك لن يكون كافياً لتلبية حاجات أكثر من 220.000 مقيم هناك.
شعبية متزايدة
تتصاعد شعبية الحزب السوري القومي الاجتماعي بين المواطنين السوريين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، نتيجة لمجموعة من العوامل، بما في ذلك ارتفاع وتيرة النغمات الطائفية للحرب.
ويقول جوشوا لانديس، وهو مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، أنّ فكرة «سورية الكبرى» تعود بقوة إلى سورية اليوم. ووصف جوشوا الحزب السوري القومي الاجتماعي على أنه متنفّسٌ للأقليات في المنطقة ممن يعتبرون أنّ حلم العروبة قد باء بالفشل وعفا عليه الزمن. ويؤكد: «كلّ ما يجري حالياً يدلّل على أنّ سورية ليست عربية، وأنّ العرب يحاولون جاهدين دقّ إسفين في عروبة سورية، ورفع راية الإسلام السوداء ـ في المقابل».
غير أنّ هذا الواقع لا يؤكد ـ بالضرورة ـ اقتناع جميع الأطراف بالايديولجية القومية الاجتماعية. إذ إنّ بعض السكان في دمشق وحلب لا يعرفون الكثير عن حقيقة هذا الحزب وطبيعته نظراً إلى السرّية التامة وغير المعقولة للدور الذي كان يلعبه قبل الحرب كما يرى آخرون أنّ الحزب يجسّد «الفاشية» التي كانت منتشرة في أوروبا إبان العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي.
«سمعتُ عن الحزب القومي قبل الحرب، وأعرف أنه كان محظوراً بقوة قبل عشر سنوات»، يقول هاشم وهو أحد سكان حلب. «لكنني أنظر إلى هذا الحزب على أنه حزبٌ فاشيّ عربيّ معاد للإسلامية. كما سمعتُ الكثير عن ايديولوجيته القومية التي ترتكز بشكل كبير على الحزب النازي لناحية الاسم والعلم».
أما وليد، وهو مقيم في اللاذقية، فيرى أنّ الاعتقاد بإمكانية قيام سورية الكبرى مجرّد أضغاث أحلام، ويؤكد أنّ الناس يُعجبون بأنشطة أفراد الحزب السوري القومي الاجتماعي ومقارباتهم، كونه نشاطاً مستجدّاً على الحياة السياسية في سورية. ولأنّ نشاطاتهم تجعلك تشعر أنك تفعل شيئاً مفيداً وجيداً للمجتمع …
إذاً، يلعب الحزب القومي حالياً دوراً كبيراً في النظام السياسي السوري: سيكون له ثلاثون مرشحاً في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في الشهر الحالي، وهي نسبة كبيرة مقارنةً بسابقاتها. يجري هذا جنباً إلى جنب مع بعض الأسئلة المطروحة حول الدور الذي سيلعبه الحزب في مستقبل سورية.
نعود إلى بيروت، والى تشديد العميد حسان صقر على أنّ طموحات الحزب لا تتضمّن السعي إلى الوصول للسلطة، ويشدّد على أنّ المجتمع غير مستعدّ للبحث في الايديولوجيات في الوقت الحالي، وأنّ الحزب يفتقر إلى البنية التحتية التي تمكّنه من حكم البلاد. ويقول في معرض حديثه: «يكمن هدفنا الوحيد في خلق نهضة في سورية ودفع الناس هناك نحو العلمانية، والتربية المدنية، والمساواة بين المواطنين».
قد تكون سورية الكبرى الهدف النهائي للحزب السوري القومي الاجتماعي، غير أنّ أهدافه ـ في الوقت الحالي ـ ترتكز على الحصول على موطأ قدم في النسخة الحديثة للأمة. وفيما تتعالى الأصوات المنادية إلى تقسيم سورية ـ من قبل حلفائها كما أعدائها ـ يعمد الحزب جاهداً إلى تكثيف دوره في المعركة هذه بوصفها «وجودية». أما فرص تحقيق رؤية الحزب النهضوية، فهي تعتمد بشكلٍ رئيس على نتائج المعارك، المستعرة نيرانها، في البلدات والمدن السورية.