تفكيك ألغام وثيقة دي ميستورا بعد ألغام «داعش» في تدمر
سعدالله الخليل
بمرور أسبوع على تقديم المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا ورقته المتضمّنة 12 نقطة، وقبل تسلّمه الردود من الوفود المشاركة في الجولة الثالثة من مباحثات جنيف بنسختها الثالثة في الحادي عشر من الشهر الحالي، فإنّ عملية فكفكفة شيفرات ورموز الورقة بدأ التعاطي معها من قبل الأطراف الدولية والإقليمية والسورية، وبالرغم من خلوّ البنود الأربعة الأولى من ايّ نقاط إشكالية كونها تشكل أرضية متفقاً عليها لدى الأطراف كافة في العلن كما أنه لا يجرؤ أيّ طرف على البوح بما يخالفها وإنْ كانت نوايا البعض تسير ضدّها بدأ من وحدة سورية وسيادتها على كافة أراضيها وقرارها وكيانها المستقلّ غير الطائفي واعتزازها بإنجازات أبنائها واستقلال القضاء وضمان الحريات وغيرها من المسلّمات والمقوّمات لأيّ بلد بحجم سورية وتنوّعها وغناها المعرفي والفكري.
ومع تجاوز ما قد تشكله النقطة الخامسة من حساسية لدى بعض الأطراف بالمساواة بين الرجل والمرأة ومع صعوبة منح النساء نسبة 30 من الممكن تجاوزها لتبدأ المآزق والألغام بدءاً من النقطة السادسة وحتى العاشرة وأولها قضية الانتقال السياسي في سورية، حيث ترك دي ميستورا للأطراف تفسيرها كلٌّ حسب ما يراه، حيث سارعت معارضة الرياض للعودة إلى مفهوم هيئة الحكم الانتقالي ورفض أيّ دور للرئيس بشار الأسد، وسرعان ما أعلنت موسكو أنّ مقام الرئاسة خارج التداول في العملية السياسية والتي تنتهي بانتخابات وفق دستور متفق عليه، ورفضت أيّ تفاهمات مع واشنطن على مصير الرئيس الأسد، وبالتالي فإنّ السجال حول قضية الرئاسة سيبقى قائماً إلى حين حسمه في مباحثات جنيف أو بالتوافق الروسي الأميركي الذي لا زال يناور على أكثر من جبهة، فيُسمِع الروسي كلاماً مخالفاً لما يقوله للسعودي وللمعارضة السورية.
في المقابل كان الرئيس الأسد واضحاً في لقائه الأخير مع وكالة «سبوتنيك» بأنّ المرحلة الانتقالية تعني إنجاز دستور جديد وفق حكومة وحدة وطنية تضمن حرية الانتخابات، وهو ما نادى به دي ميستورا بضمان البيئة المناسبة لإجراء الانتخابات بحسب النقطة السابعة من الورقة، وفي هذا السياق ذهب الرئيس الأسد أبعد مما نادى به الموفد الأممي إلى سورية بإعلان الاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية إذا كانت مطلباً شعبياً، مخرجاً بذلك قضية الرئاسة من التداول بوضعها ضمن المسارات الديمقراطية التي لطالما يطالب الغرب بها زوراً وبهتاناً تارة وستاراً لمشاريع ومخططات تارة أخرى، وبالتالي تغدو أيّ طروحات أخرى خارج نطاق المنطقية والعقلانية السياسية.
ومن الألغام في ورقة دي ميستورا ما ورد في النقطة الثامنة عن ضمان استمرار وإصلاح مؤسسات الدولة والخدمات العامة وفقاً للمعايير الدولية ولمبادئ الحكم الرشيد وحقوق الإنسان، وإلى جانب اتخاذ تدابير لحماية البنية التحتية العامة والممتلكات الخاصة، وبالرغم من الغلاف الجميل للعبارة إلا أنّ ثناياها تحمل الكثير من التأويلات حول المعايير الدولية وأيّ مؤسسات ستخضع للتقييم وإعادة الهيكلة في ظلّ إصرار المعارضة والقوى الحليفة لها بإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والجيش الذي أعلنت دمشق على لسان رئيس الوفد بأنّ الاقتراب منه خط أحمر، وبالتالي فإنّ العقدة الأهمّ ستكون في النقطة العاشرة والتي تنصّ على إلزام السوريين بإعادة بناء جيش وطني قوي وموحد بوسائل تشمل نزع السلاح ودمج أفراد الجماعات المسلحة الداعمة للعملية الانتقالية وللدستور الجديد، وهو ما يطرح إشكاليات جمّة حول مرجعية تلك العناصر وانتمائها ومدى قبول الدولة السورية بضمّ عناصر ارتكبت جرائم بحق السوريين ومدى قدرة تلك العناصر التي اعتادت على القتال بأسلوب العصابات دون أية قواعد وقوانين الانضباط بجيش محترف وفق مبادئ صارمة، بالإضافة إلى أنّ أغلب عناصره وقياداته لو خضعت لقوانين الجيوش النظامية من حيث التحصيل العلمي والكفاءات لما تعدّت رتبة صف الضباط في أحسن الأحوال، فهل سيرضى قائد «كتيبة» أو «لواء» وفق تسميات تلك التنظيمات أن يتحوّل إلى مجنّد أو صف ضابط يؤتمر بالأمر العسكري؟
انطلاقاً من تلك المعطيات تبدو إمكانية دمج تلك العناصر شبه معدومة، ورغم تلك الرؤية فقد أعلن الرئيس الأسد عن الاستعداد لاستيعاب كلّ مسلح يريد إلقاء سلاحه بهدف إعادة الأمور إلى شكلها الطبيعي، وفي ذلك خطوة نحو إيجاد مخارج للراغبين في الانتقال إلى مرحلة العمل السياسي بدل السلاح.
أمام ما تحتويه وثيقة دي ميستورا من ألغام ليست بجديدة إنما تبقى مغلفة بصيغة توحي بالعقلانية وبأنها قابلة للنقاش والتداول، فإنّ أمام القيادة السورية متسع من الوقت لفكفكة تلك الألغاز والألغام، ومن استطاع أن يفكك ألغام تنظيم «داعش» الإرهابي في تدمر لن يصعب عليه تفكيك ألغاز وأحجيات المبعوث الأممي الى سورية ستيفان دي ميستورا…