حادث الكونغرس… والاكتواء بنار الإرهاب

بشير العدل

حادث إطلاق النار في الكونغرس الأميركي الذي وقع قبل أيام، يُعيد إلى الأذهان الحديث عن مزحة علق بها الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وتحديداً في إحدى خطبه السياسية أمام مجلس الشعب المصري في آذار/مارس عام 1976، على طبيعة العلاقة التي كانت تربط بين الاتحاد السوفياتي، والذي كان يمثل إحدى القوتين العظميين اللتين كانتا تتحكّمان في العالم آنذاك، والجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، والتي كانت تمثل دولة إفريقية كبرى آنذاك أيضاً، والتي انتقلت من الخصام إلى الوئام وقيام العقيد الراحل معمّر القذافي بالتسبيح بحمد الاتحاد بعد أن كان يصفه بأنه الملحد، الكافر، والاستعمار الجديد ، وتساءل السادات: يا تُرى معمّر هو اللي قلب ولا الاتحاد السوفياتى اللي آمن؟ . وهو تساؤل مضحك يعبّر إلى حدّ كبير عن طبيعة العلاقة التي تربط القوى العظمى الساعية إلى تحقيق مصالحها في المنطقة.

ورغم مرور ما يزيد على ثلاثة عقود ونصف العقد على تلك المزحة، إلا أن الحادث الذي شهده الكونغرس الأميركي مؤخراً، ومن قبله ما شهدته بلادي مصر، وما تشهده حالياً سورية الأبية، وغيرهما استدعت تلك الواقعة، لتبيّن أنّ القوى الاستعمارية لا يربطها رابط بدول أو جماعات إلا المصلحة العليا لها، وأنّ طبيعة تلك العلاقة لا تحكمها إلا الأهداف الاستعمارية الكبرى لتلك الدول.

فبعد أن اختفت قوة الاتحاد السوفياتي بعد حرب باردة بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية تفرّدت الأخيرة بإدارة شؤون العالم، لتصطفي منه ما تشاء من دول وتنظيمات لتحقيق مصالحها التوسعية في العالم، غير عابئة لا بقوانين ولا مواثيق دولية، ولا حتى أعراف داخلية.

فبعد أن كانت تصف أميركا أغلب التنظيمات الإسلامية على أنها إرهابية، وبعد الحرب الصليبية التي أعلنها بوش الإبن على العالم الإسلامي في أعقاب أحداث أيلول/سبتمبر عام 2001 واعتبار كلّ تلك التنظيمات إرهابية، تحوّل البعض منها إلى أصدقاء، لتحقيق الهدف الأميركي الجديد، وهو في الحقيقة هدف انتقامي.

فما ظهر من الرئيس الأميركي باراك أوباما إجمالاً تجاه الأحداث في بلادي مصر، وتحديداً بعد قيام أبناء بلادي بثورتهم الحقيقية في 30 حزيران/يونيو عام 2013 ضدّ نظام حكم الإخوان، ونجاحهم في اختيار قيادتهم السياسية، وكذلك ما صدر عنه من تعليقات على قيام قوات الأمن بفضّ اعتصامَيْ رابعة العدوية والنهضة المسلحين، واعتباره اعتداء على معتصمين سلميّين دون أن يدري حقائق الأمور، جاء ليؤكد أنّ ثمة علاقة، وعلاقة قوية تربط بين أميركا وجماعة الإخوان، والتي أنكرها الطرفان على مدار أعوام، حتى جاءت الأحداث لتكشف النقاب عنها وليتبيّن أنّ أميركا رأت في تنظيم الإخوان ذراعاً سياسية لتحقيق أهدافها في مصر، تمهيداً للانطلاق منها إلى دول أخرى في المغرب العربي، لتصنع منه اليد الطولى لحفظ أمن إسرائيل في المنطقة.

فالناظر للأمور يتيقن تماماً أنّ الرئيس الأميركي أوباما أصبح في فترة من أشدّ المؤمنين بجماعة الإخوان ، ودفعه حبّه لها إلى أن يتحوّل من رئيس للولايات المتحدة، إلى إمام يدافع عن الجماعة ويسبّح بحمدها، وله الحق في ذلك، فقد حققت الجماعة له ما لم يحققه أيّ نظام آخر، ولولا الإرادة الشعبية المصرية التي خرجت في الثلاثين من حزيران/يونيو 2013، وعاودت خروجها في السادس والعشرين من تموز/يوليو من العام ذاته، لكان تحقيق الحلم الأميركي قاب قوسين أو أدنى، ولكن جاءت إرادة المصريين لتطيح بأحلام الإمام أوباما في شرق أوسط جديد، يقوم على تركيبة وضعتها وزيرة الخارجية الأميركية السمراء كونداليزا رايس، وليدمّر الشعب المصري الحلم الأميركي والطموح الإخواني في الحكم.

إيمان الإمام أوباما بتنظيم الإخوان والتسبيح بحمده ظهر أيضاً في مواقف الولايات المتحدة وأتباعها وحلفائها من قوى الشرّ العالمية في التكالب على مصر ومحاولة النخر في عظامها، بدءاً من قوتها العظمى وهي الجيش، فكان أول قرار لأوباما وقف تدريبات النجم الساطع مع جيش مصر، وكأنه يعاقب القوات المسلحة على الوقوف بجانب الشعب، كما كان موقف مجلس الأمن الدولي من الأحداث في مصر ليؤكد أنّ هناك خطة يريد أعداء مصر تنفيذها على الأرض، إلا أنّ الإرادة الشعبية تأبى إلا أن تكون مصر خالصة لأبنائها.

ولم يكن إيمان الإمام أوباما بالإخوان حبّاً بدينهم وإنما حباً بخططهم وآلياتهم التي هي خرجت من خطط تنظيم القاعدة ، والتي تمثل العدو الأول للولايات المتحدة، فأراد الإمام أوباما أن يعلن إيمانه بـ الإخوان درءاً لمخاطر القاعدة ، وأراد أن يسبّح بحمد الإخوان حتى يضمن احتواء التنظيم الدولي، وليس أدلّ على ذلك من عدم تهديد المصالح الأميركية في العالم خلال فترة حكم الإخوان في مصر وما يسمّى بدول الربيع العربي.

إيمان أوباما بـ الإخوان إذن كان نفاقاً سياسياً يريد من خلاله أن تكون الجماعة ضامناً لأمنه وأمن الكيان الصهيوني في المنطقة، وأداة لتحقيق مصالحه في المنطقة انطلاقاً منها إلى العالم أجمع، وهو ما يفسّر أسباب الدعم اللامحدود لـ الإخوان سواء كان مادياً أو سياسياً، غير أنّ المخطط الأميركي لم يجد ضالته في تنظيم الإخوان ، بعد أن نجح الشعب المصري في كشف عورته، وأوضح للمحبّين للسلام في العالم أجمع أنّ الإخوان جماعة لم تكن دينية ولم تكن احتجاجاتها أو اعتصاماتها يوماً سلمية.

ثم كان موقف أوباما من الإرهاب الذي يجري في سورية وظهور تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسمّى داعش ، ونفض الإدارة الأميركية يدها مما يفعله التنظيم بسورية وبلاد الشام وغيرها، وكلّ ذلك يؤكد أنّ أوباما ومن قبله الكونغرس الأميركي يريان في التنظيمات الإرهابية تحقيقاً لمصالح الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني على حدّ سواء.

والآن وبعد أن وصل الإرهاب الى الكونغرس بإطلاق النار على قاعة الزائرين به، والتي تأتي متزامنة مع تفكير في قرار من الكونغرس باعتبار جماعة الإخوان المسلمين إرهابية، هل تظلّ نظرة أوباما وإدارته لجماعات الإرهاب كما هي، وذلك بغضّ النظر عن جنسية مَن أطلق النار على الكونغرس، حتى وإنْ كان أميركياً إلا أن فكر الإرهاب انتقل إليه وآمن به وترسّخ في ذهنه، ومن المؤكد أنه ترسّخ في ذهن آخرين آمنوا به غيره، مما يؤكد أنّ أميركا لم ولن تكن في معزل عن مخاطر الإرهاب التي دافعت إدارة أوباما عنه، فالنار التي تمّ إطلاقها في الكونغرس رسالة واضحة أنّ من يأوي الإرهاب أو يدافع عنه لن يكون بمأمن من شروره… فهل تواصل أميركا دفاعها واحتواءها للإرهاب؟ أم عليها أن تبدأ وتشارك في تطهير العالم منه؟

وبعودة إلى مزحة السادات وتعليقاً على الأحداث يبقى السؤال: هل ترعى أميركا وحلفاؤها الإرهاب…؟ أم أنّ الإرهاب هو الذي آمن بديمقراطية أميركا وحلفائها؟

كاتب وصحافي مصري

eladl254 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى