كيف جرّ بوتين التحالفَ الدولي لمواكبته في محاربة الإرهاب؟

شارل أبي نادر

عندما تقارن بين ردود الفعل الشاجبة دولياً وإقليمياً بالأمس، والتي واكبت بدايات التدخل الروسي الواسع في الحرب السورية، وبين ردود الفعل المتضامنة اليوم، والتي عبّرت عنها مجموعة كبرى من المؤيدين للنتيجة الفعّالة في محاربة الإرهاب، أو مجموعة أخرى من الصامتين الذين يعبّرون بصمتهم عن تأييدٍ ضمني مقارنة مع صراخهم المعارض سابقاً لهذا التدخل، يمكنك أن تكتشف ما هي القوة الاستراتيجية لنقلة بوتين الخارقة على رقعة الشرق الأوسط.

بالعودة إلى ردود الفعل الدولية والإقليمية، والتي ترافقت مع الدخول الروسي الفاعل عسكرياً ودبلوماسياً، فقد كان الناطق باسم البيت الأبيض ايريك شولتز عبّر في حينه أنّ الولايات المتحدة قلقة جداً من الوضع، وكانت الأخيرة قد ضغطت على اليونان وبدعم من حلف شمال الأطلسي «الناتو» بهدف تطويق التعزيزات الروسية ومحاولة عرقلتها بأن طلبت منها عدم السماح لطائرات الشحن العسكرية الروسية بعبور أجوائها مما أجبر الروس على توجيه رحلاتهم عبر الشرق عن طريق القوقاز وإيران والعراق، وأيضاً فقد عبّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي نيس شتولتنبرغ عن عدم ارتياحه حيال تقارير تتطرّق إلى تنامي التواجد العسكري الروسي في سورية، وما يسبّبه ذلك من خللٍ في التوازن الاستراتيجي الدولي، كما بلغ الأمر بالأوروبيين ومن خلفهم الأميركيون إلى المجاهرة بتخيير الرئيس بوتين بين سورية أو أوكرانيا.

ولكن، بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، لا يمكن للمراقبين الدوليين، أميركيين أو أوروبيين، دبلوماسيين كانوا أم خبراء استراتيجيين أم عسكريين، إلا أن يعترفوا بالفرق الشاسع الذي أحدثه هذا التدخل في ميزان القوى لمصلحة انحسار تمدّد وسيطرة الإرهاب الممثل بـ«داعش» وبفصائل متشدّدة أخرى اعترفوا جميعاً بتسميتها إرهابية، كـ»النصرة» مثلاً وغيرها. فهؤلاء المراقبون المشار إليهم رأوا كيف تحرّرت تدمر الآن مقارنة مع سيطرة «داعش» عليها في ظلّ تحالف من الدول يربو على أكثر من خمسين دولة كان وما زال يحاربها «مبدئياً»، كما أنهم رأوا كيف انهزمت «داعش» في قسم وازن من أرياف حلب وحماة وفي أغلب أرياف اللاذقية والتي كانت ممثلة هناك بمجموعات متشدّدة تحت أسماء مختلفة كانت تنتظر لتعلن مبايعتها للتنظيم الإرهابي المذكور بين لحظة وأخرى، إلى أن جاء الهجوم السوري الصاعق بدعم روسي وبدّد لها هذه السيطرة في الأرياف المذكورة.

أيضاً، لا يمكن لهؤلاء المراقبين الدوليين أن ينكروا الخسائر المؤلمة لـ«داعش» في الميدان العراقي في الرمادي وفي صلاح الدين وفي الجزيرة غرب سامراء وغرب الرمادي في الأنبار، وفي سنجار وفي التحضير حالياً لمهاجمته في الموصل شمالاً، والذي كان من بين أهمّ أسبابه غير المباشرة، الضغط الذي مارسه الجيش العربي السوري بدعم روسي على وحدات «داعش» في سورية، حيث اضطر التنظيم إلى سحب مجموعات من وحداته الأساسية في العراق لمواجهة ذلك.

هذا التباين الواسع في الميدان السوري والعراقي بين ما كان عليه في ظلّ التحالف الدولي، وبين ما بدا مؤخراً بعد التدخل الروسي الداعم للدولة وللجيش وللنظام الشرعي في سورية، وضع المجتمع الدولي وعلى رأسه دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية أمام التحديات والتساؤلات التالية:

– هل كانوا يخافون الدخول الفاعل وحدهم في محاربة الإرهاب ممثلا بـ«داعش» وبغيره، بحيث انتظروا من يشجعهم فجاء الروس لذلك؟ أم أنهم أُحرِجوا بعد أن ظهروا فاشلين وكاذبين أمام ما تحقق عملياً على طريق محاربة الإرهاب؟

– هل سينخرطون بجدية وبصدق في محاربة الإرهاب؟ أم سيظلون أسرى لعبتهم الخبيثة التي أدّت إلى توسّعه وانتشاره من خلال غضّهم النظر عن التحريض الذي خلقه وعن الجمعيات المشبوهة التي موّلته، وعن الدول التي ساهمت في انتشاره وتوسعه وتمويله وتواصله مع الميادين الملتهبة، وذلك لأسباب دنيئة ليس أقلها السيطرة على ثروات النفط من خلال تحريك تجارة الأسلحة وتدمير الشرق وشرذمته وإضعافه ليبقى رهينة ولعبة بين أيديهم المجرمة؟

– هل خوفهم من دخول وحدات روسية متخصّصة مع الجيش السوري في أماكن سيطرة «داعش» حيث ستعمل هذه الوحدات على اكتشاف وفضح تواطئهم المخابراتي والميداني والعملاني في تقوية البنى التحتية لهيكلية «داعش» التنظيمية، سيجبرهم على المسارعة لسبق هذه الوحدات من خلال تقديم دعم جوي لقوات سورية الديمقراطية ولوحدات حماية الشعب الكردي، دعم واضح ولافت بفعاليته وبكثافته خلافاً لما كان يحدث سابقاً، وذلك في مهاجمة هذه القوى لأماكن سيطرة «داعش» على الطريق نحو الرقة وريف دير الزور الشمالي؟

وأخيراً… قد يكون التحالف الدولي صادقاً الآن في محاربته للإرهاب، وهذا لا يمكن تصديقه إلا من خلال تغييرات جذرية في عملياته المشتركة جواً وبراً، وفي طريقة تعامله مع دول إقليمية معروفة داعمة له، وقد يكون أيضاً قد أحسّ أنّ لعبته في التحكم بقوة «داعش» قد أصبحت خطرة وبدأت تداعياتها تؤثر سلباً على مصالحه على الساحة الدولية حتى داخل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وربما يكون هذا التحالف الآن يناور بانتظار بروز ما يعرقل الاندفاعة الروسية، فتنكفئ الأخيرة لتعود الساحة له، فيستعيد السيطرة عليها من خلال تحكّمه منفرداً بالصراع الحارّ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث النفط وسوق تجارة الأسلحة، ولكن… وفي ظلّ صحة جميع هذه الاحتمالات المذكورة أو أحدها، فالأكيد الثابت والذي لا يقبل التأويل والاحتمال هو أنّ الروس بقيادة بوتين، وبنقلة خارقة ما زال التحالف الدولي حتى الساعة يحاول استيعابها وفهم أبعادها، استطاعوا جرّ هذا التحالف إلى تغيير استراتيجيته وإعادة حساباته التي لا يمكن لها بعد اليوم أن تعمل بمعزل عن تأثير قدرة وفعالية الجيش الأحمر، أو بمعزل عن حنكة وذكاء لافروف ودبلوماسيته الباردة، أو بمعزل عن سطوة بوتين وقوته الجارفة.

عميد متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى