المخيمات الفلسطينية ضمن سلسلة الضغوط السعودية على لبنان
روزانا رمّال
استطاع لبنان إبعاد المخيمات الفلسطينية فيه بشكل ملحوظ عما تعرّضت له المخيمات في سورية من انقسام ومخاطر أدت إلى شق الصف الفلسطيني في أكبر المخيمات هناك وأبرزها مخيم اليرموك الذي عاش فترة دقيقة من الأزمة كادت تفتح الملف الفلسطيني على مصراعيه وتعزز الانقسام بين بعض القوى المتهمة بالولاء للمشروع الإخواني مثل حركة حماس، أحد فروع التنظيم الإقليمي وغيرها من معارضي الرئيس السوري بشار الأسد داخل وخارج سورية ولبنان الذي يحوي مخيمات فلسطينية عدة تأثر بشكل مباشر بالحد الأدنى بالواقع الذي غذّته قوى لها مصلحة في استخدام الورقة الفلسطينية للضغط في أكثر من صعيد.
عاش الفلسطينيون في لبنان فترات قلق عدة استطاعوا تخطيها مع جهود قوى سياسية لبنانية، بالتعاون من القوى الأمنية من اجل الحدّ منها، كان أبرزها تفجير برج البراجنة الأخير الذي استهدف الضاحية الذي سرعان ما تمّ اتهام فلسطينيين بالمسؤولية عنه، والمعروف أنّ المنطقة المستهدفة تقع بمحاذاة مخيم للاجئين كان من الممكن أن تشكل فتيلاً لأزمة أو اشتباك أهلي يدخلان البلاد في دوامة فوضى قادرة على فتح الطريق أمام القوى الجهادية لاستغلال الموقف أكثر.
خرج امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله حينها لإرسال رسائل مباشرة لمن يعتبر أنّ فرصة استغلال الملف الفلسطيني سانحة، فعبّر عن شديد الحرص على حماية اللحمة الفلسطينية اللبنانية، خصوصاً تلك التي تمثل الشراكة بين شارع المقاومة وسكان المخيمات وهي النقطة الأخطر في القضية.
تتحدث مصادر أمنية مطلعة عن مخاطر استغلال الشارع الفلسطيني المنسجم في البيئة والحضور مع الشارع الموالي لحزب الله، وهو القادر على أن يكون الفتيل الممهّد لبث الشرخ بين الشارعين ما قد يشكل تهديداً امنياً كبيراً في حال اتسعت القدرة على خرق المستفيدين للأجواء، وهذا ما كان يحظى بنسب عالية في الفترة الممتدة بعد تفجير برج البراجنة وما عقبها من ضبط لشبكات إرهابية كان فيها بعض العناصر الفلسطينية المنضوية مع القوى الجهادية في سورية وبعضها في الشمال.
بشكل لافت يعود المشهد الأمني الدقيق إلى مخيم عين الحلوة جنوب لبنان وتتوسع دائرة الاشتباك لمدة أيام فيه، حيث وقع اشتباك بين عناصر من حركة فتح وعناصر من فتح الإسلام وجند الشام حتى توسّع الاشتباك إلى أطراف المخيم واستخدمت القذائف الصاروخية مع عمليات قنص متقطع كانت أصداؤها في مدينة صيداً كافية لتؤشر إلى جدية المأزق الذي تمّ على أساسه نزوح عشرات العائلات الفلسطينية إلى خارج المخيم، بعدما وقع قتلى وجرحى جراء الاشتباكات المفاجئة.
لا يزال الحذر يخيّم على مدينة صيدا التي تتوجّس فاعلياتها من خطورة تحريك ورقة المخيمات بشكل دوري، والذي أصبح نذير خطر أمني ما يحيط بالمدينة. وعلى هذا الأساس تسعى القوى المعنية من فصائل فلسطينية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية إلى تثبيت الهدنة بشكل يتيح الحفاظ على استقرار المخيم في الوقت الدقيق الذي يعيشه لبنان وما يتعرّض له الجيش اللبناني على الحدود.
مصدر امني متابع للملف يتحدّث عن انسجام بين تحريك الجبهة الشرقية في الجرود بعد تحرير تدمر السورية وبين التدهور الأمني في عين الحلوة الذي كان لجأ إليه بعض الرؤوس من الهاربين من الأجهزة الأمنية هناك، ويحذر من مخاطر أن يكون كل ذلك مؤشراً للضغط على الجيش اللبناني في الفترة المقبلة بفتح أكثر من جبهة له في وقت من غير المفهوم حتى الساعة ما إذا كان هناك مساعدات قادمة للجيش من الولايات المتحدة بعدما أعلنت السعودية رسمياً سحب استعدادها للمساعدة.
تلفت في هذا الإطار معلومات صحافية سعودية عكاظ اعتبرت أنّ تسارع التطورات في سورية أو في العراق قد تدفع الأمور في لبنان إلى الانفجار القريب الذي سيلجأ إليه بعض الأطراف لمحاولة تغيير مسار التسوية السياسية التي يعمل عليها في سورية والتي تلحظ خروج الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة، حسب المصدر، في محاولة لبث اتهام مسبق للسلطات السورية ومسؤوليتها عن أيّ تطور أمني في البلاد يأتي كردّ فعل على ما تروّج له السعودية من ضرورة أن يتضمّن الحلّ مخرجاً يضمن رحيل الأسد، لكن المفارقة هنا، إنّ التحرك السعودي في لبنان والتصعيد تجاه حزب الله والسلطات اللبنانية تتجه نحو التعزيز الذي يوحي بأن السعودية تحضر لأرضية حقيقية من الاشتباك بدأت إعلامياً ومن المتوقع أن تنسحب على إجراءات دبلوماسية وتضييق الخناق على اللبنانيين في السعودية وغيرها من الإجراءات. كل ذلك يُضاف إلى الإقفال المفاجئ لمكاتب قناة العربية السعودية وتحطّ العنوان نفسه أي الخطر الأمني المقبل إلى لبنان والتمادي بالاستفزاز لمشاعر اللبنانيين في رسوم تسيء لرموزهم الوطنية.
التخوّف من رفع الورقة الفلسطينية والاستفادة السعودية الغربية منها كإحدى أوراق الضغط في ما يمكن أن يتيح للرياض ومعها المستفيدون بالتسوية النهائية بالمنطقة بما يتعلق بلبنان توضع اليوم في أعلى أولوياتها، خصوصاً أن المجموعات المعروفة الانتماء في المخيم خاضعة لتوجيه وإدارة مباشرة من قوى خليجية عملت على تحريك وتفعيل المخيم واستخدامها لأكثر من مهمة منذ بداية الازمة السورية. وهي اليوم مرتبطة بقوى سياسية لبنانية وبعض الأجهزة المعروفة الانتماء والموجهة في السياق نفسه.
برسالة عبارة عن أيام معدودة تلوّح السعودية بالورقة الفلسطينية وتضعها ضمن لائحة الضغوط الممكنة على الحكومة اللبنانية والجيش الذي بدا يتعرّض بالتزامن لحملات مباشرة من بعض القوى الفاعلة المحلية أيضاً.