التخبّط السعودي في الحرب على لبنان: إعلان هزيمة واكتفاء بالمشاهدة!
جهاد أيوب
ما قامت به صحيفة الملك السعودي سلمان وهو صاحبها الفعلي «الشرق الأوسط» من خلال رسم كاريكاتور يهين لبنان وتاريخه وشعبه وعلمه، لم يكن صدفة بل ضمن خطة مبرمجة من الحكم السعودي ضدّ لبنان. وللعلم، لا يكتب جملة واحدة في هذه الصحيفة الناطقة باسم السياسة الخارجية للمملكة عربياً وغربياً إلا وكان الرقيب السعودي يعلم بما يكتب، لذلك من شطح ونطح وصمت من مرتزقة الساسة في لبنان كان شريكاً في هذا التخبّط السعودي على لبنان، أو ينتمي إلى الغباء السياسي والجهل الوطني!
إنّ الأفعال الهمجية غير البريئة التي تقوم بها مملكة الظلمات تجاه لبنان من شحن العصب الطائفي والشعبي ضدّ المغترب اللبناني على الأراضي الخليجية، وقطع رزقه، وتحجيم دور رجال أعماله والتضييق الفاجر والواضح على جميع اللبنانيين، والسماح لكتابها في صحفها بتدوين مقالات معيبة بحق لبنان وشعبه وتاريخه، ووصلت الأمور في إعلامها يومياً إلى حدّ التهجّم الفاجر على لبنان دون أيّ رقيب أو من يلفت النظر. والتطاول الحاصل في إعلام السعودية لم تمتعنا به أقلام آل سعود ضدّ «إسرائيل» التي تتبادل معها زيارات دبلوماسية. وللحق نقول إنّ بعض هذا الهجوم الحربي والناري والبذيء كان قد طاول مصر أيام حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك… هذه الأفعال الهمجية لا تبشر بالخير ضدّ الفاعل، وتسير ضمن دوائر تعيق وجود حكم آل سعود على المدى القريب، ومنها:
منذ اختراع المملكة وآل سعود يسعون إلى لملمة أيّ فضيحة تطاولهم، ودفعوا مليارات الدولارات كي تبقى أخبار صبيانهم بعيدة عن الإعلام، اليوم الصورة مغايرة و«الملق فالت»، وفي لبنان والعالم هناك من يشنّ حرباً إعلامية فردية ضدّ المملكة ومن كلّ الطوائف!
تعوّدنا في سياسة السعودية لغة المراقبة والصمت، وقد تكون آخر دولة تصرّح في قضية ما، كما فعلت حينما دخل صدام حسين إلى دولة الكويت، وتعتبر المملكة أنّ في ذلك التروّي حكمة، وهي كانت لا تحب البهرجة والخطاب الإعلامي والسياسي المباشر…
اليوم لا يحكم في السعودية غير الخطاب الإعلامي الهمجي، ونشر آراء وتصريحات سياسية صبيانية تنتمي إلى الشخصانية وغير المدروسة والبعيدة عن مصالح المملكة، وقد لا نخفي سراً إذا قلنا إنّ أول طلب كان للملك السعودي الحالي حينما زاره أوباما أنه على استعداد لدخول الحرب مع إيران حتى لو طال أجلها بشرط التغطية الأميركية، لكن أوباما بعد أن صدم بطرح كهذا، وطلب رفض الفكرة، وأرسل ضابطاً ليلجم التهوّر السعودي. وهذا دليل على أنّ الحكمة السعودية فُقدت، وكلّ تصرفاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية مبنية على الشخصانية ومصالح فرد يرغب بالتفرّد بالحكم، وربما أجمل تعليق عن واقع النظام السعودي اليوم يختصر بـ «زعامة الصبيان»!
السعودية عبر التاريخ لا تتدخل على الأرض إلا بالمال وبتحريك زمرها، الواقع مغاير كلياً وجنودها في البحرين واليمن وسورية والعراق!
كما لا خلاف على أنّ أميركا تدفع بالسعودية إلى هذا العنف في تصرّفاتها الدبلوماسية والإعلامية، وأدخلتها إلى الخسارة مهما تعمّد إعلامها التصعيد ضدّ لبنان وشعوبه. السعودية حتى البرهة لن تتراجع عن غزوها الإعلامي والاقتصادي والسياسي رغم أنّ أميركا أبلغتها انزعاجها دون أن تقوم بفعل الردع من هذا التصرف البدوي الغبي، وبعد هجوم «الشرق الأوسط» وإقفال مكاتب «العربية»، وطرد لبنانيين من الخليج، وعدم صرف هبة الجيش، والطلب من مؤسسات إعلامية خليجية بعدم توظيف لبنانيين، ستستمرّ سياسة المملكة بالتضييق على لبنان خاصة أنّ النظام اللبناني بما حمل شريكاً بهذا التضييق العنفي، إما لصمته أو لمباركته كلّ ما تفعله السعودية في لبنان!
تصرف أميركا في عدم لجم الفعل السعودي يؤشر إلى استمرار الأزمات في السعودية، ولن تكون أزمات مالية فقط بل على مستوى تكوين نظام آل سعود، وإشكالية استمراريته بعد تكاثر فضائحه في العالم.
إنّ أخطر ما تعانيه المملكة اليوم أنّ غالبية الصحف والإعلام الغربي وبعض العربي يتعاقبون على نقد مباشر وفضائحي لسياسة السعودية وتصرف ملوكها وأمرائها، وتكاد لا تمرّ ساعة في أوروبا إلا وتسجل أحداث ومشاكل في بارات ومطاعم وأماكن مشبوهة أبطالها أبناء آل سعود، واعتبار الرأي العام خاصة الغربي أنّ السعودية دولة من خارج التاريخ ولا عدالة ولا حقوق إنسانية فيها خاصة حقوق المرأة، وخطابها الدبلوماسي هجومي دامٍ لا يعرف الوسطية!
السعودية، ورغم هذا الكمّ الكبير من إعلام السلطة الذي تملكه تحتاج إلى إعلام لبنان كي تصحّح خلل صورتها في العالم، ومهما فعلت ضدّ لبنان فهي الخاسر الأكبر، أقله إنّ أيّ دولة حينما تقفل مؤسساتها الاقتصادية والإعلامية في بلد معيّن تكون قد أعلنت هزيمتها في المعركة وانسحبت من دورها السياسي فاسحة المجال لغيرها، وتصرف كهذا ضدّ دولة فيها مقاومة تقاتل «إسرائيل» على المدى المنظور، سيصبّ لمصلحة المقاومة واقتصاد البلد… وفقط للتذكير لقد انتصرت المقاومة ولبنان على الكيان الصهيوني حينما ابتعد عن لبنان بعض الأعراب. والأهمّ تنظيم الواقع السياسي اللبناني بعد انكفاء زمر سياسية مرتزقة تعمل لصالح السعودية على حساب لبنان شعباً واقتصاداً وإعلاماً وسياسة!