تغيير قواعد اللعبة في الميدان: كيف تضبط الهدنة السورية؟
عامر نعيم الياس
تولّى الأميركيون والروس إدارة الهدنة في سورية أو بالمعنى الأصح «وقف العمليات القتالية» الذي دخل حيّز التنفيذ منتصف ليل 27 شباط 2016، فلا يجوز الحديث بسوء عن الهدنة أو أيّ خرق يشوبها، هي إحصاءات يطلقها مركز حميميم يومياً حول خروقات «وقف إطلاق النار»، يتم بموجبها تحديد جبهات الخرق، فيما يكتفي الطرف الأميركي بالمصادقة عليها بصَمته المثير لإعجاب البعض واستهجان آخرين.
صمت الجميع عند الاتفاق على الهدنة، لا وجود لمن هو معها من جانب كافة القوى المتصارعة على الأرض، خصوصاً القوى المحسوبة على محور المقاومة. لا تبرير لأن يتم وقف إطلاق النار في ذروة اندفاعة ميدانية للجيش السوري وحلفائه في ريف اللاذقية الشمالي وريفَي حلب الجنوبي والشرقي، ربما سبب باتت تتكشف صوابيته اليوم، بعد أن تم تجميد معركة جسر الشغور، ومعركة إكمال طوق حلب وتركها لسيناريو حمص ومسلحي المدينة القديمة فيها.
تضمنت الهدنة الروسية ـ الأميركية في سورية تساؤلات حول نقطتين أساسيتين:
الأولى، تتعلق بكيفية تحديد المناطق التي تتواجد فيها تنظيمات إرهابية غير مشمولة باتفاق الهدنة، «داعش» و«النصرة»، هذه الأخيرة التي شكّلت لبّ العقدة الأمنية والمخاوف من إعادة الانتشار واستغلال الهدنة لتغيير ما تم إنجازه من اندفاعة الجيش السوري تحت الغطاء الجوي الروسي في شمال سورية وشمال غربها. بدأ الحديث عن مناطق «جيش الفتح» والتداخل القائم بين «النصرة» و«أحرار الشام» و«جند الأقصى»، كيف يمكن استهداف «النصرة» من دون استهداف حركة «أحرار الشام» التي أفادت المعلومات أنها انضوت في الهدنة الروسية الأميركية لكن لا تريد أن يتم الإعلان عن اسمها. هل تعتبر روسيا مناطق «جيش الفتح» خارج إطار «وقف إطلاق النار» وهي مناطق خاصة بالحرب على الإرهاب؟ أين هي قائمة التنظيمات الإرهابية التي كلّف الأردن بصوغها؟ ألم يحن وقت صدروها مع انقضاء الشهر الرابع على الطلب من عمّان القيام بهذه المهمة؟
الثانية، تتعلق بآليات الرد على خرق وقف إطلاق النار في سورية، كيف سيتم الرد ومن قبل من؟ هل تدخل روسيا وحيدةً على خط الرد على خرق الهدنة أم يتولى الجيش السوري ذلك؟ ما هي طبيعة الردّ المرجوّ، هل يكون شاملاً وإشارةً إلى انهيار الهدنة في المكان الذي لا يلتزم بها، أم أن الرد سيكون موضعياً يناسب حجم الخرق؟ ماذا لو أدى الخرق إلى تغيير قواعد اللعبة وتحديداً تلك المتعلقة بالانتشار الميداني للجيش السوري الذي جاءت الهدنة على حساب اندفاعته، وحصل على تطمينات من موسكو بأنه لن يتم المساس بخطوط التماس الحالية؟
حصل ما تخوّف منه عدد من المراقبين والأطراف العاملة على الميدان في سورية وفي مقدّمها الجيش السوري والقوات الرديفة. فـ«جبهة النصرة» وتحت ستارة «جيش الفتح» حشدت في ريف حلب الجنوبي وبدأت عملية واسعة على طول 60 كيلومتراً من خان طومان إلى تلة الأربعين، وكثّفت هجماتها على نقاط الجيش العربي السوري في قرية العيس وتلّة العيس، وهو ما أدّى إلى سحب الجيش السوري من هذه المنطقة، فما العمل الآن؟
استغل الإرهابيون الميوعة في الموقف الثنائي الروسي الأميركي من الهدنة وآليات الردّ على خرق وقف إطلاق النار وحشدوا تحت أنظار الجميع وتقدموا وغيّروا خطوط التماس. استغلت «النصرة» عقدة التداخل الجغرافي وستارة «جيش الفتح» للقيام بالهجوم، كما استغلت سحب وحدات من الجيش السوري لتنفيذ العملية العسكرية الواسعة في تدمر والقريتين اللتين تندرجان في سياق الحرب على الإرهاب وكافة القرارات الأممية، والقرارات الأميركية الروسية الثنائية لإدارة الحرب على «داعش»، فما هو الرد، وما هو مصير الهدنة؟
ما سبق يفرض ضرورة الخروج بقائمة للتنظيمات الإرهابية المستثناة من كافة القرارات الأممية الخاصة بسورية، كما تفرض التوصل إلى تفاهم أميركي روسي حول آلية الرد، أو التحرك الروسي المنفرد للرد على خرق الهدنة، من دون أن نغفل ضرورة الخروج بموقف علنيّ من وضعية «جيش الفتح» ضمن الاتفاق الروسي الأميركي حول الهدنة. هو تغيير لقواعد الهدنة في سورية وتجميدٌ للنزاع نظرياً عبر التصريحات الأميركية الروسية المشتركة التي رسمت حدود الهدنة ومواقف الأطراف المختلفة منها والتي لم تعد صالحة ما لم يتم الإجابة عن الأسئلة السابقة، خصوصاً أنّ الميدان تغيّر.
كاتب ومترجم سوري