نيشان في «أكابر» يعود بثقة وهدوء
جهاد أيوب
من الصعوبة أن تنجح في ظل هذا «الغباء» الإعلامي السائد، وتحديداً في البرامج الحوارية وفي صناعة المذيعين، وبعد انقطاع عن الحوار الجدّي والفنّي المسؤول. والأصعب أن تستقطب المُشاهدين بعد خيبات أملهم في برامج الفضائح والثرثرة والتخمة في صورة فضفاضة. لذلك، حينما بدأ الاعلان عن «أكابر» الزميل نيشان على قناة «mtv»، لم نتصوّر أنه سيخرج عن المألوف والسائد، خصوصاً أنّ نيشان تخصّص في تقديم الأسلوب المتّبع في الاعلام الخليجي، أي البهرج والإضاءة والألوان الهجينة والديكور الضخم، والسؤال الشخصي، بعيداً عن تحريك الفكر أو الافادة للمشاهد وللضيف. نيشان الذي لفت إليه النقاد في بداياته، وفرض تعبه وثقافته وتميّزه وخصوصيته عبر قناة «الجديد»، اختلف عن نيشان كثيراً في «mbc»، وأيضاً بعدها تاه وضاعت أحلامه الإعلامية، وأربكت تجاربه في فضاء الحشو الكلامي، وفرض عليه وعلينا الضيوف من قبل المحطة والتكرار حتى الملل، وكنّا قد تناولناه بالنقد المباشر والقاسي، وأحياناً جرحناه من دون أن نسيل الدماء لخوفنا عليه. ولمعرفتنا بما لديه من امكانيات تؤهّله لنجومية إعلامية نادرة.
ومع كل انتقاد، كان نيشان يتقبل النقد مهما كان قاسياً، ويشكر ويصرّ أن يستفيد. مع أنّه مدرّس مادة الإعلام في إحدى الجامعات، وهذه الناحية لم تعد موجودة، وتصب لصالحه مها اختلفت معه وعليه. ومرض الغرور أضاع الكثيرين، وجرثومة الشهرة قضت على الغالبية، بينما نيشان لم يكن كذلك. صحيح أنّه غيّر من أسلوبه وطريقته وسؤاله، وقدّم لنا ضيوفه على طريقة «الخوش بوشية» والدلع والفوضى ما أضعف طموحاته، وجعلنا نأسف ونتأسف!
عودة نيشان في «أكابر» هي التحدّي بكل أنواعه. تحدّى ذاته في أن يعود إلى القيمة في مسؤولية الحوار. تحدّى الاعداد المختلف وألّا يشبه السائد. تحدّى ما هو مطروح من سخافة وتسطيح وفبركات. تحدى من راهن عليه بالفشل وبأنه سيكرّر ما وصل إليه. تحدى المشوار والأجيال التي جاءت من بعده وقطفت الشهرة… هذه الأمور قد تعيق من ليس لديه ثقة بالنفس، وتبعده عن المغامرة وربما عن تقديم ما هو جديد، بينما نيشان أصرّ أن يكون المغامر الاول من دون الالتفات إلى ما تركه خلفه، وما ناله من شهرة وخفوت وأقاويل وحروب و«صبيانيات الكار الواحد» وما سيصيبه!
«أكابر» في الحلقة الأولى كان مربكاً رغم وضوح خطوطه الأولية، ونيشان كرّر ذاته في بعض الفقرات لكنه وبسرعة حاول الخروج. فقط عابه تقطيع السؤال بشكل مزعج، كما لو كان ارتجالياً أو طارحه في بداياته. «وأوأ» و«تأتأ»، وما ان جلس مع مخرجه وفريق عمله ووضع نقاط الضعف قبل النجاح كانت الحلقات المقبلة مختلفة ومسؤولة. وكل من يُستضاف في «أكابر» يُكرّم من دون منّة، بل لمشواره واختلاف تميزه، هذه الغاية الاساسية من فكرة البرنامج، والاهم ان إيجابيات نيشان أكثر وتحسب له وتجعله سيد مكانه.
نيشان في «أكابر» يقدّم تجربة ناضجة بحوار شفاف بعيد عن الابهار ضمن حلقة منوّعة تخدم الضيف، وتعطي قيمة للبرامج الحوارية، ولا ننكر أن لدينا تخمة من برامج كهذه، إلا أن نيشان تنبّه لذلك فجعل فقراته مختلفة ومنوّعة يضاف اليها الجانب الإنساني. يدخل في نجاحات الضيف، ثم مواقف حساسة ساهمت في طرح إشكاليات، وأيضاً رأيه في أمور الساعة والسياسة ورجالاتها، ولا ينسى الوقوف عند بعض الرموز التي صنعت مدماكاً لهذا الوطن.
ركز نيشان على ألا يكرّر نيشان الذي ألفناه وانتقدناه. أغنى مادته بالاعداد الشامل، لم يتعمد إرباك الضيف، وتعلم من أخطاء الحلقة الاولى شكلاً ومضموناً وحواراً، وقد تكون حلقة الكبير أنطوان كرباج أكبر دليل على صحة ما نشير إليه. الحوار مع كرباج اليوم ومباشرة من أصعب ما يكون. ومع ذلك، لم «يتشاطر» نيشان عليه، ولم يستغله سلبياً أو يوقعه في شرك الذاكرة، بل أخذ منه ما يجعلنا نتعلم منه، ونبقيه في القمة التي يستحقها بعد هذا العمر وهذه التجربة الكرباجية القيّمة.
هنا ملعب نيشان الذي خرج من عقدة نجم الصف الأول، وخرج بنجاح من عقدة النجوم العرب. وهنا قدرته على أن يكون أكثر حرّية. وهنا باستطاعته أن يطلّ نجماً واعياً ومثقفاً يفرض حضوره وينال التحية. عودة نيشان إلى شاشات لبنان مكسب للفضاء العربي، ونجاح له، وإشكالية محلية نحتاج إليها وتفرضه على الآخرين ـ أحببناه أم لم نحبّه.
نيشان في «أكابر» نأمل أن يحافظ على هذا المستوى ولا يفرض علينا صغائر الفنّ والسياسة والمجتمع بحجّة تسويقها إلى عالم الأكابر وهم من ذلك براء!