«دابق» مقابل تدمر: تكريس تماسّ الجبهات ورسم حدود الحلّ
عامر نعيم الياس
لا تريد الولايات المتّحدة الحلّ في سورية، ما هو مطروح يقوم على احتواء كافة الأطراف على قاعدة إدارة الأزمة بانتظار الحلّ الذي من شأنه أن يراعي المصالح الأميركية وفق ما يُفرَض في الميدان.
تبدّل الأولويات الذي أفرزه التدخّل الروسي يرجّح يوماً بعد يوم سيناريو الأمر الواقع القائم على تماسّ مناطق النفوذ على الأرض، والذي يرسم بدوره شكل الحلّ السياسي العاكس لنفوذ القوى الإقليمية والدولية المختلفة على الأرض السورية.
حلب والهدنة: هي القصة الأكثر غموضاً والنقطة الأكثر إثارةً للتساؤلات في ما يخصّ الهدنة الروسية الأميركية في سورية والتي دخلت حيّز التنفيذ في ليل 27 شباط الماضي، فلماذا لم يتم تحديد موعد الهدنة بعد إكمال طوق الجيش السوري على مدينة حلب؟
يقولون إن حلب منطقة معقّدة يتداخل فيها النفوذ التركي بالأميركي والروسي بالكردي والسوري، كما يتداخل فيها التاريخ ومعاهدات التقسيم الدولية والطموحات الإقليمية التوسعية مع الاقتصاد والبعد الرمزي الذي تحمله العاصمة الثانية للبلاد، وعليه فإن الدخول في هذه المعركة والمضي بها قدماً لمصلحة حسمها لأي طرف من الأطراف أمرٌ ليس بمقدور أي أحد من الأقطاب التي تتصارع على الأرض بشكل مباشر أو غير مباشر تحمّل كلفاته.
لا يريد الروس والأميركيون أن تخرق الهدنة، ولا يريد أيّ طرف من الأطراف تحمّل التبعات السياسة لنقض هذه الهدنة في ظل التباهي الروسي الأميركي بهذا الإنجاز، لكن الأمور على الأرض في ما يخص محافظة حلب، بدأت برسم خطوط الاشتباك مرةً أخرى بما يتناسب مع تكريس التعقيدات القائمة في محافظة حلب، وجعلها منطلقاً لشكل الحل المراد للبلاد، والدور في الهدنة هو لتركيا وبغطاء كامل من واشنطن التي تؤمن التغطية لجوية للعملية العسكرية التي بدأت في شمال حلب ومنذ أكثر من ثلاثة أسابيع، والتي كانت هي الأخرى من ضمن «عمليات الهدنة» إن صح التعبير، فالكتائب الموالية لتركيا قومياً والمرتبطة بها مذهبياً ودينياً لواء السلطان مراد، فيلق الشام، كتائب الحمزة، كتائب المعتصم… سيطرت على مساحة تقدّر ب 70 كيلومتراً مربعاً في ريف حلب الشمالي وباتت اليوم على مشارف بلدة الراعي التي تبعد عن بلدة «دابق» حوالى 10 كيلومترات.
الصحافة الغربية تهلل لما يجري «نحن أمام معركة للجيش الحر» في مواجهة «داعش». «الجيش السوري ليس وحده الذي يحمل شعلة الحرب على داعش» وفق تعبير «لوموند» الفرنسية ومراسلها بنيامين بارت من بيروت. إنها الحاجة إلى تحقيق إنجازٍ رمزي في الحرب على «داعش» والهدف اليوم بلدة «دابق» حيث «المواجهة الأخيرة بين المسلمين والكفار» وفق إحدى الروايات الإسلامية لنهاية هذا الكون. ففي مواجهة ما جرى في تدمر وما يجري في البادية السورية أنت بحاجة إلى دابق وريف حلب الشمالي حيث تدفع أنقرة مليشياتها من غرب الفرات لقيادة المعركة نحو الباب ومنبج المعاقل الأخيرة والأهم لـ«داعش» على الحدود التركية السورية.
الأكراد ـ والخطوط الحمراء لدى تركيا ـ مستثنون من الهدنة، ممنوعٌ الاقتراب من غرب نهر الفرات ومن جرابلس، فما طلبته الولايات المتّحدة من حلفائها في مليشيات حماية الشعب الكردي هو «التريّث» بحسب «ليبيراسيون» الفرنسية، وأمّنت بشكل متوازٍ الغطاء الجوي لكتائب تركيا من أجل التقدّم غرب نهر الفرات. تريد الولايات المتّحدة هنا أن تحقق إنجازاً على «داعش» بما يضمن إبعاده إلى البادية، لكن بشرطٍ لازمٍ وهو ملء الفراغ من جانب القوى المرتبطة بواشنطن وحلفائها، هذا الأمر لا ينفصل عن خرق الهدنة «الجسيم» وفق تشبيه مركز تنسيق حميميم من جانب «النصرة» في ريف حلب الجنوبي والذي أدى إلى تغيير خطوط الاشتباك هناك.
في الحرب على «داعش» لا محرّمات في الشكل، لكن في المضمون نحن في مواجهة تحريك روسي أميركي مشترك للبيادق على رقعة شطرنج سورية والعراق، حيث لكل قوة على الأرض جبهتها التي عليها أن تلتزم بها سواء عبر الضغط المنسّق أو التمنيات أو حتى الهدن ولعبة التفاوض والحل السياسي.
كاتب ومترجم سوري